نشر موقع "بلينكس" الإماراتي تقريراً جديداً سلط الضوء فيه على تفاصيل الشهر الأول لـ"هدنة لبنان" مع إسرائيل والتي شهدت الكثير من الخروقات والاعتداءات من قبل الأخيرة.
ويقول التقرير إنه "مع مرور نصف الفترة الزمنية المحددة لانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان ضمن إطار اتفاق وقف إطلاق النار، يتحدث البعض عن نصف هدنة، إذ لم تلتزم إسرائيل بكل بنودها، واستمرت في خرقها بصورة يومية، حسب وكالة الأنباء الألمانية".
وأضاف: "بعد مرور شهر على اتفاق وقف إطلاق النار يوم 27 تشرين الثاني الماضي، شنّت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على مناطق مختلفة في لبنان، لا سيما البقاع شرق البلاد، في حين أن قواتها ما زالت موجودة داخل مناطق حدودية لبنانية، بل توغلت، الخميس، باتجاه بلدات جديدة مثل وادي الحجير وعدشيت القصير في الجنوب".
وتابع: "الهدنة التي وقّعها لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية وفرنسية، وسمحت لعشرات آلاف اللبنانيين بالعودة إلى منازلهم في جنوب لبنان، منحت إسرائيل في المقابل فترة 60 يوما للانسحاب من المناطق التي دخلت إليها، لكن تقارير إسرائيلية عديدة تحدثت مؤخرا عن أن الجيش الإسرائيلي قد يمدّد بقاءه لمدة تتجاوز الفترة المذكورة".
وأمس الجمعة، نفى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في بيان صادرٍ عن مكتبه الإعلاميّ، ما يتم تداوله حول إبلاغ لبنان أن إسرائيل لن تنسحب من الجنوب بعد انقضاء مهلة الـ60 يوماً من الهدنة.
التطورات الراهنة استدعت تساؤلات عما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد وسط الخروقات الإسرائيلية الحالية، علما بأن هناك لجنة مراقبة دولية تشكلت بوجود لبناني وإسرائيلي وأميركي وفرنسي، بالإضافة إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، وذلك لمراقبة تنفيذ بنود الاتفاق، لكن مفاعيل نشاطها على الأرض لم تؤدّ إلى وقف تحركات إسرائيل، وفق ما قال التقرير.
"هدنة هشة.. 800 خرق في شهر"
ويلفت التقرير إلى أنه "منذ سريان الهدنة قبل شهر، استكملت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل مناطق لبنانية عديدة، ففجّرت منازل في بلدات مختلفة، خاصة كفركلا ويارون وميس الجبل، وغيرها، كما نفّذت غارات جوية على البقاع، شرق لبنان، آخرها كان في جنتا وطاريا".
وتابع: "التوغّل الأبرز كان الخميس، باتجاه وادي الحجير الذي يمثل رمزيّة لدى سكان جنوب لبنان، بعدما شهد على تدمير دبابات إسرائيلية عام 2006، خلال حرب اندلعت بين إسرائيل وحزب الله، واستمرت لـ33 يوما".
وفي سياق التقرير، وصف الخبير العسكري العميد هشام جابر، كل ما يجري بـ"التجاوزات غير المقبولة"، قائلا لبلينكس إن ما تقوم به إسرائيل يمثل انتهاكات فاضحة، وأضاف: "إسرائيل ضربت الاتفاق وخرقته لأكثر من 800 مرة خلال شهر، وهي تتصرف كأن لبنان وقّع اتفاقا مع نفسه، وليس معها".
يعتبر جابر أن الهدنة الحالية "هشة" وسط وجود مؤشرات لإمكانية انهيارها، وقال: "ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه خلال الحرب، تريد إنجازه الآن من خلال الهدنة، وبالتالي هي تقوم باستباحة كل لبنان".
من ناحيته، يرى الخبير العسكري اللواء عبدالرحمن شحيتلي، في حديث له عبر بلينكس، أن إسرائيل لم توقف الحرب، مشيرا إلى أن الأخيرة تعمل على تحقيق أهدافها دون قصف، ودون استمرار المعركة.
وأضاف: "حينما كانت الجبهة مشتعلة في لبنان، باتت إسرائيل دون بنك أهداف، فاستمرت بالقصف العشوائي. عندها، بات وقف إطلاق النار حقنا للدماء وتجنبا لدمار أوسع، فتمت الموافقة على الهدنة، ومن خلالها، استمرّت إسرائيل بمتابعة تنفيذ عملياتها دون أي رادع".
لماذا تريد إسرائيل تمديد وجودها في جنوب لبنان؟
في تقرير سابق لها، نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن انسحاب جيش بلادهم من جنوب لبنان قد يتم بوتيرة أبطأ من المتوقع، بسبب الانتشار البطيء للجيش اللبناني في المنطقة.
من ناحيتها، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي يخطّط للبقاء في جنوب لبنان، بعد انقضاء فترة الـ60 يوما، وذلك في حال لم يتمكّن الجيش اللبناني من الوفاء بالتزاماته في فرض السيطرة الكاملة على المنطقة الجنوبية.
البلدة اللبنانية الوحيدة التي انسحبت إسرائيل منها هي الخيام، والتي دخلها الجيش اللبناني وزارها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الإثنين الماضي، برفقة قائد الجيش العماد جوزيف عون.
وكانت هذه البلدة القريبة من الحدود بين لبنان وإسرائيل، شهدت اشتباكات عنيفة بين مقاتلي "حزب الله" وإسرائيل، ما أسفر عن خسائر كثيرة، في حين أن الدمار عمّ المنطقة وأرجاءها.
ما يتبيّن، بحسب اللواء شحيتلي، هو أن إسرائيل تحاول البقاء في جنوب لبنان مدة أطول، لكي تضمن وجود منطقة آمنة وعازلة داخل لبنان على مدى 5 كيلومترات، خالية من أي منشآت تابعة لـ"حزب الله".
ما قاله شحيتلي يؤيده العميد جابر الذي قال إن "إسرائيل تسعى لتدمير ما تبقّى من بنى تحتية لحزب الله"، مستغربا مما يقوله الإسرائيليون بشأن أن عدم تحقيق الانسحاب سببه بطء انتشار الجيش اللبناني، مضيفا: "ما هذه الذريعة؟ فلتنسحب إسرائيل، وعندها سيدخل الجيش إلى هناك، وهذا الأمر منصوص عليه في بنود الاتفاق، وأصلا، فإن إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاقية وتنقض على الشرعية الدولية".
أمام كل ذلك، يبقى التساؤل الأساسي وهو: أين حزب الله من كل ما يجري؟ شحيتلي يقول إن "حزب الله بات في منطقة شمال نهر الليطاني التي طالبت إسرائيل بانسحابه إليها"، موضّحا أن لدى الحزب الآن مشكلة داخلية تتعلق بجدوى بقاء سلاحه.
وتابع إن "إسرائيل تسعى الآن للتوغل وشن خروقات جديدة لدفع الموفد الأميركي آموس هوكستين، للمجيء، إلى لبنان، وفرض شروط جديدة على الاتفاق القائم، انطلاقا من رؤيتها بأن المنطقة تغيّرت بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وتحوّل حزب الله إلى عنصر ضعيف، بسبب ما شهدته سوريا وإثر الخسائر التي مُني بها إبان حربه الأخيرة".
وللتذكير، فإن "حزب الله" نفّذ مطلع الشهر الجاري، عملية إطلاق صواريخ، طالت مركز رويسات العلم الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة، وذلك ردا على الخروقات الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين لم ينفذ أي عملية أخرى.
وبعد التوغلات الأخيرة، تحدث مسؤولو الحزب عن أن المسؤولية تقع على عاتق الدولة اللبنانية والجيش ولجنة المراقبة الدولية المنوط بها متابعة وقف إطلاق النار ومواجهة الخروقات الإسرائيلية.
القتال سيعود إلى جنوب لبنان
في حديثه لبلينكس، يقول جابر إن إسرائيل قد تنسحب وتوقف عملياتها أو قد توقف الخروقات من دون انسحاب، بذريعة أنها تنتظر تمركز الجيش اللبناني بدلا منها في المناطق التي توغلت فيها، وأضاف: "لكن هناك سيناريو خطيرا يتمثّل في إمكانية انهيار الهدنة، وبالتالي فإن إسرائيل قد تشن عدوانا جديدا قاسيا على لبنان".
بالنسبة لجابر، فإن بقاء إسرائيل في جنوب لبنان لمدة طويلة لن يكون في صالحها، كاشفا عن أن السيناريو الأكثر بروزا في هذه الحالة هو حصول عمليات مواجهة سينفّذها أبناء الجنوب ضد الوجود الإسرائيلي، وذلك مثلما حصل في مرحلة ما قبل عام 2000 حينما انسحبت إسرائيل من لبنان إثر احتلال دام لـ22 عاما، بدءا من عام 1978.
ويقول جابر إن "حزب الله" قد لا يبادر بعد انتهاء مهلة الـ60 يوما إلى إطلاق صواريخه باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، لكنه قد يفعّل عملياته داخل لبنان، وذلك لمواجهة التوغل الإسرائيلي، وأضاف: "هذا الأمر يُعد من حق اللبنانيين، ومن يواجه هذا الأمر يُعد خائنا؛ لأن استباحة الأرض والاعتداء عليها أمر غير مقبول".
ما قاله جابر يؤيده شحيتلي الذي أشار إلى أن "مشهدية القتال" ستعود إلى جنوب لبنان، لكنه حذّر من أمرٍ أخطر يتعلق بإمكانية فرض إسرائيل سلسلة من الشروط على المنطقة الحدودية اللبنانية من ناحية إعادة الإعمار والبناء، وقال: "هذا السيناريو غير مستبعد. من الممكن أن تقول إسرائيل ولضمان عدم وجود بنى تحتية لحزب الله، إنها تريد مواصفات بناء معينة لا تتيح إنشاء بنى منشآت عسكرية في المباني. فعليا، إن حصل هذا الأمر، وإن تلقى لبنان هذه الشروط ووافق عليها، عندها سيكون هذا الأمر بمثابة انتهاك علني للسيادة".
نسخ الرابط :