البلبلة والمؤتمرات الصحفية والبيانات والكاميرات والمواقف التي تعلو وتشتدّ كصياح الديك في ساعات الصباح الأولى سرعان ما تخمد فيصمت الديك بعد أن يجد أنّ صياحه لا يتعدّى نقنقة دجاجة لا تبيض فلا هو يثمر ولا يطعم .
هكذا تنتهي مختلف القضايا في لبنان فبعد الأضواء وكثر "الحكي" والبيانات عند توقيف المطلوبين ، تجد أنّ "العدالة المقولبة" تغمض أعينها فتطلق سراحهم في عتمة الليل وبصمت وهكذا تتناقص قيمة الإنسان، والراتب، وكل التفاصيل في لبنان إلا الجريمة تزداد.
في هذا السياق، وبعد أن فاحت رائحة الفضائح من جهاز أمن الدولة، لناحية التعاطي "الفاضح" مع الموقوف داني الرشيد، المحسوب على رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، والوزير السابق سليم جريصاتي، والذي تمتع بخدمة استثنائية داخل السجن، فسُمح له بالتفسح خارجه، وتناول العشاء مع عائلته والتنزه، واستخدام هاتف خلوي مع شبكة إنترنت، ربما لتصفح الجرائد اليومية ومتابعة قضيته. وبعد هروبه من سن أمن الدولة، أو بمعنى أدق بعد "تهريبه" توسعت التحقيقات القضائية، التي انتهت بخطوة تصعيدية لم تكن متوقعة، حيث ادعى مفوض الحكومة في المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي على رئيس جهاز أمن الدولة، اللواء طوني صليبا، وعلى سبعة أشخاص آخرين.
وبعد عام على توقيفه في قضية الاعتداء على المهندس عبدالله حنا في زحلة بالاشتراك مع آخرين، وإيداعه السجن في مركز حماية الشخصيات التابع لجهاز أمن الدولة في منطقة ساعة العبد، حيث فرّ من المركز بعد ثلاثة أشهر من توقيفه، أخلت محكمة الجنايات في البقاع وقاضي التحقيق العسكري ألاء الخطيب سبيل داني الرشيد في الملفين، بكفالة مالية تجاوزت المئة مليون ليرة.
الرشيد الذي كان قد أُوقف في كانون الأول من العام المنصرم بتهمة محاولة قتل المهندس عبدالله حنا بالاشتراك مع آخرين. إلا أن الهيئة الاتهامية في البقاع برّأته من تهمة محاولة القتل وتشكيل عصابة مسلحة، وأحيل إلى محكمة الجنايات في البقاع لمحاكمته بتهمة التسبب بالإيذاء.
وخلال فترة توقيفه في مركز تابع لجهاز أمن الدولة، فرّ الرشيد لساعات قبل أن يتم توقيفه مجددًا بعد انتشار خبر فراره كالنار مما أساء لسمعة جهاز أمن الدولة مما اضطرّهم ل"لملمة القضية" و "كمّ أفواه" المتطاولين وإلقاء القبض على الرشيد ليصار اليوم إلى الإفرا عنه بسريّة كفتاة تدّعي الشرف في ضوء النهار وتمارس الرذيلة في صمت الليل.
من المضحك يومها، عدم ظهور آثار خلع الباب كما ذكر الرشيد بعد توقيفه وبعد المطالبة بالكشف على كاميرات المراقبة، بُلّغ القضاء بأنها معطلة وتحتاج إلى صيانة- وهي ليست المرّة الأولى- بل هي التبرير المنطقي لكافة التجاوزات . وإن اعتبر كل ما ذُكر منطقيًّا فإنه يومها، وبعد الكشف والاطلاع على باقي كاميرات المراقبة لم يتبين أي شيء. لذلك، فإن تحليل هذه المعطيات قد يدعم فرضية أساسية وهي أن الرشيد لم يكن متواجدًا خلال الفترة الماضية داخل السجن أبداً. فمن غير المنطقي أن يهرب أي سجين حاملًا وسادة وغطاء وشنطة فيها جميع أغراضه.
داني الرشيد ليس الأول ولن يكون الأخير في وطن تدخل فيه السياسة بالقطاعات الصحية والفنية والإقتصادية والتعليمية بل والقضائية أيضًا ليضع إخلاء السبيل في ميزان العدالة السياسة والحقيقة لتميل دفّة السياسة لثقلها ووزنها بل بلدٍ حوّل في دستورة زعماء الحرب لزعماء سياسة فتختفي الحقيقة في أدراج الوهم.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :