هل للجوء الإنساني ان ينقذ الأسد من العقاب الدولي
بقلم: الدكتورة رشا أبو حيدر
باحثة واستاذة جامعية
منحت روسيا حق اللجوء الإنساني للرئيس السابق بشار الأسد وعائلته بناءً على قرار شخصي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بعد فرار الرئيس السابق من سوريا إثر سيطرة المعارضة على البلاد. وأثار هذا الامر اعتراضاً دولياً سيما من الدول الغربية، التي طالبت بتسليمه للعدالة لمعاقبته على انتهاكاته.
فيما ذهب البعض أن منح "بوتين" حق اللجوء للرئيس السوري السابق لا يُلزم الحكومة الروسية في حال قررت تسليمه للمحاكمة الدولية، لأنه جاء بقرار شخصي وليس قرار دولة أو حكومة.
امام هذا الواقع، هل يمكن ملاحقة الرئيس المعزول بشار الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) حتى لو تم منحه اللجوء الإنساني؟ ان منح اللجوء لا يُعفي الأفراد من المسؤولية الجنائية الدولية عن الجرائم التي قد يكونون قد ارتكبوها، وفقًا لقواعد القانون الدولي. فيما يلي توضيح لكيفية ذلك:
1. الأساس القانوني للملاحقة:
• الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية:
o المحكمة الجنائية الدولية تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.
o إذا ارتُكبت الجرائم على أراضي دولة طرف في نظام روما الأساسي، أو إذا كان المتهم مواطنًا لدولة طرف، تكون للمحكمة اختصاص.
o في حالة سوريا، التي ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية مباشرة القضية إلا إذا:
أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الوضع في سوريا إلى المحكمة.
وافقت سوريا مستقبلًا على الانضمام لنظام روما الأساسي أو قبلت اختصاص المحكمة.
• اللجوء لا يوفر حصانة:
o منح اللجوء الإنساني لا يحمي الأفراد من الملاحقة الدولية إذا كانوا متهمين بارتكاب جرائم دولية خطيرة.
o المادة 27 من نظام روما الأساسي تنص على أن الحصانة أو الصفة الرسمية (كرئيس دولة) لا تمنع الملاحقة أمام المحكمة.
2. تأثير منح اللجوء على الملاحقة:
• التزام الدول بالتعاون مع المحكمة:
o منح روسيا اللجوء للأسد، فهي غير ملزمة قانونيًا بتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية إلا إذا:
صدر قرار من مجلس الأمن يلزم جميع الدول بالتعاون مع المحكمة.
قبلت روسيا اختصاص المحكمة، وهو أمر غير محتمل حاليًا لأنها ليست طرفًا في نظام روما الأساسي.
• عرقلة تنفيذ العدالة:
o اللجوء قد يُصعّب تنفيذ أي أمر توقيف دولي صادر عن المحكمة الجنائية الدولية، حيث يُمكن لروسيا رفض تسليم الأسد استنادًا إلى سياساتها الوطنية ومصالحها الاستراتيجية.
3. سيناريوهات ملاحقة الأسد:
• إحالة مجلس الأمن:
o مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكن أن يحيل الوضع السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
o في هذه الحالة، ستكون الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك روسيا، ملزمة بالتعاون مع المحكمة، ولكن روسيا قد تستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع الإحالة.
• محاكم خاصة أو مختلطة:
o في حال تعذر إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، يمكن إنشاء محكمة خاصة أو مختلطة لمحاكمة الجرائم المرتكبة في سوريا، على غرار محاكم رواندا ويوغوسلافيا السابقة.
• المسؤولية الفردية:
o الأسد يمكن أن يُحاكم من قبل محاكم وطنية خارج سوريا (بلجيكا مثالاً)، استنادًا إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يتيح محاكمة الجرائم الدولية الخطيرة بغض النظر عن مكان ارتكابها.
في الواقع، ان منح فلاديمير بوتين اللجوء الإنساني لبشار الأسد لا يمنع ملاحقته أمام المحكمة الجنائية الدولية أو غيرها من المحاكم الدولية أو الوطنية التي تتمتع بالولاية القضائية. ومع ذلك، قد يُعقّد اللجوء عملية تسليمه أو محاكمته بسبب التدخلات السياسية والعوائق المرتبطة بالتعاون الدولي ويجعل تسليمه إلى أي جهة قضائية أمرًا مستبعدًا للغاية، ذلك ان القضاء الروسي قد يرفض أي طلب تسليم بناءً على القانون الداخلي الروسي والسياسة الخارجية للدولة. حيث ان القرار يعتمد على إرادة القيادة الروسية أكثر من القضاء، حيث أن روسيا تعمل وفقًا لاستراتيجياتها السياسية والدولية في مثل هذه الحالات.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :