التحول السريع في سوريا بين الصنمية والبراغماتية

التحول السريع في سوريا بين الصنمية والبراغماتية

 

Telegram

 

 

عبد الحليم حمود

إن الانهيار المتسارع للنظام في سوريا قد أحدث صدمة إدراكية في أوساط النخبة المثقفة السورية، تجلت في أزمة تعبيرية مماثلة في سرعتها. ما فسره البعض خطأً على أنه تناقض أيديولوجي أو إعادة اصطفاف متسرعة، هو في الواقع تجلٍ للواقعية السياسية وضرورة براغماتية - بعيداً عن مزاعم خيانة المبادئ التي يشير إليها المنتقدون.

يجد السوري اليوم نفسه مشاركاً فاعلاً في إعادة تشكيل هوية دولته. هذه العملية التجديدية لا يمكنها تحمل ترف الانغماس في المحاكمات التاريخية، خاصة وأن المنطقة شهدت محواً غير مسبوق لما كان يُعتبر ثوابت خطابية ووجدانية، كل ذلك في غضون أسابيع معدودة.

يعكس هذا التحول مبدأً أساسياً في الجيوسياسة: أولوية مصالح الدولة على الاتساق الأيديولوجي. التحول الظاهر للنخبة المثقفة السورية ليس استثنائياً في سجلات التطور السياسي. فقد ظهرت أنماط مماثلة خلال انهيار الاتحاد السوفييتي وتحول الصين في مرحلة ما بعد ماو، حيث تكيفت النخب الفكرية سريعاً مع الوقائع المستجدة. والأهم انها اعطت التغيير نكهتها وبصمتها، أي ان المشاركة ليست مجرد انتساب الى العملية التغييرية بل هي مساهمة بالتغيير بنسبة ما.

هكذا تصبح القدرة على التكيف السياسي ضرورة واقعية دون عبء المواقف السابقة، لكن ليس على حساب المبادئ الرئيسية، (مثل الارتماء في الحضن الغربي والنفطي).

السؤال الذي يواجه الطبقة المثقفة السورية ليس كيفية التوفيق بين مواقفهم الحالية والخطاب السابق، بل كيفية المساهمة الفعالة في تشكيل مستقبل أمتهم في مشهد إقليمي متغير جذرياً. التكيف البراغماتي الذي نشهده ليس مجرد استراتيجية للبقاء، بل شرط أساسي للمشاركة المجدية في عملية بناء الهوية الجديدة لسوريا، خاصة ان هناك دروسا غير مطمئنة (في ليبيا على سبيل المثال).

يجب فهم إعادة المعايرة السريعة هذه للخطاب السياسي ضمن السياق الأوسع لديناميات الشرق الأوسط. فالتحالفات والعداوات التقليدية تفسح المجال لعلاقات أكثر مرونة قائمة على المصالح. في هذه البيئة، يصبح جمود الفكر عبئاً وليس فضيلة.

الطريق إلى الأمام يتطلب الإقرار بأن الواقع السياسي غالباً ما يستلزم خيارات قد تبدو متناقضة مع المواقف السابقة لكنها ضرورية لبقاء الأمة وتجددها. المقياس الحقيقي للحكمة السياسية لا يكمن في التمسك الصنمي بالمواقف السابقة، بل في القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة مع الحفاظ على التركيز على المصالح الوطنية الأساسية.
عبد الحليم حمود

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram