في مشهد يُعمّق الأزمات ويُفاقم الانقسامات، يتجه لبنان نحو مزيد من التفكك في مؤسساته، مع تصاعد النزعة الطائفية التي تُهيمن على قرارات الحكومة ومجلس النواب. السؤال المطروح اليوم: هل سيقف الوزير سليمان فرنجية، المعروف بتمسكه بالحقوق المسيحية، موقف المتفرج على هذه الاستباحة الطائفية، أم سيكون له موقف يُعيد الاعتبار إلى الشراكة الوطنية ويوقف هذا النهج الخطير؟
في مجلس النواب، أُقرّ قانون لتمديد ولاية المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، مستثنيًا القاضية غادة عون التي كانت تُحال إلى التقاعد قبل أيام قليلة من شمول القضاة المستفيدين بالمرسوم. هذا القانون، الذي يبدو مفصّلًا على قياس قاضٍ بعينه، أثار عاصفة من الانتقادات، خصوصًا أنه يُظهر تمييزًا واضحًا طائفيًا وسياسيًا، حيث تم استغلال التشريع لتمرير استثناءات تخدم مصالح فئة معينة.
أما في الحكومة، فيسعى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي إلى فرض تغييرات في إدارة الجمارك، تتضمن نقل ضابطين سنيين، هما العقيد أحمد شعبان والمقدم زياد شحيطة، إلى ملاك الجمارك. هذه الخطوة تهدف إلى تمكين العقيد شعبان، بحكم رتبته، من تولي منصب الضابط المراقب للضابطة الجمركية، وهو أعلى منصب عسكري في الجمارك. هذا القرار جاء بالتزامن مع عرقلة ترقية جميع ضباط الجمارك لسنتين متتاليتين، بعد أن رفضت العضو السني في المجلس الأعلى للجمارك، وسام الغوش، التوقيع على مرسوم ترفيع ضابطين أحدهما مسيحي والآخر شيعي.
الفضيحة ستبلغ ذروتها عندما سيطرح بند نقل الضابطين السنيين أمام مجلس الوزراء، رغم أن اختصاصهما بعيد كل البعد عن المتطلبات الجمركية الضرورية لتولي هذا المنصب. يُضاف إلى ذلك محاولة إخضاع أعضاء المجلس الأعلى للجمارك للموافقة على هذه المناقلة، في خطوة تكشف بوضوح النية لاستبعاد الكفاءات المسيحية والشيعية من المناصب القيادية، وتعزيز الهيمنة الطائفية على حساب مبدأ الشراكة الوطنية.
وفي استكمال لاستهداف الدور المسيحي، تضمن جدول أعمال الحكومة بندًا لإعادة هاني الحج شحادة إلى منصبه كعضو في المجلس الأعلى للجمارك، بعد أن وُضع في التصرف على خلفية انفجار مرفأ بيروت، بينما يُستبعد إعادة المدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر، الذي واجه المصير نفسه. المفارقة تكمن في أن شحادة كان في موقع مسؤوليته عند تفريغ شحنة نيترات الأمونيوم، بخلاف ضاهر، ما يُبرز ازدواجية المعايير ويُعمّق الشعور بالغبن والتهميش لدى المكوّن المسيحي.
هذا المشهد الطائفي الخطير يُهدد استقرار الدولة ومؤسساتها، ويضع لبنان أمام مفترق مصيري في ظل غياب الدور المسيحي عن الحكومة واستفراد فريق طائفي بالقرارات. الكرة الآن في ملعب الوزير سليمان فرنجية وحلفائه، فإما أن يقفوا سدًا منيعًا أمام هذا المسار، أو أن يصبحوا شهودًا على انهيار ما تبقى من توازن وطني.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :