يُواجه عمّال بلدية الميناء ظروفاً قاسية لا يُحسدون عليها، وذلك بعد مرور أكثر من أربعة أشهر لم يتقاضَ فيها عامل واحد بينهم راتبه، مخصّصاته أو بدلات نقله الشهرية، ما أجبر بعض العاملين “مرغماً” على البحث عن الطعام في حاويات النّفايات التي تحتوي تحديداً على بقايا أو “فضلة” طعام النّازحين فيها لإطعام أبنائهم “الجياع” في عزّ الأزمة الاقتصادية، وذلك بشهادة نقيب عمّال بلديات الميناء أحمد المرسلّي الذي يُتابع شؤون العاملين، لا سيما عمّال مركز التنظيفات في البلدية الذين أعلنوا منذ أيّام التوقّف عن العمل والاستمرار في اعتصامهم “لحين قبض رواتبهم”.
بعد المتابعة، يُمكن التأكيد أنّ العمّال لم يتوقّفوا عن العمل نهائياً (حتّى اللحظة)، بل يعملون لمدّة ثلاث ساعات عوضاً عن سبع، مع اتخاذهم القرار باستمرار الاعتصام (خصوصاً في مركز النّقابة)، وفق ما يُؤكّد المرسلّي الذي يصف وضع العمّال (الذين تتراوح أعدادهم بيْن 180 و190 عاملاً) بأنّه “تعتير”.
ويقول لـ “لبنان الكبير”: “شهادةٌ منّي سأكون مسؤولاً عنها أمام الله يوم القيامة، رأيت أكثر من ثلاثة عمّال وهم يفتّشون في النّفايات عن كعك، خبز، ومنقوش… فشعروا بكسرة نفس وبخجل لم نشهدهما من قبل، ورأيت الدموع في أعينهم، فهم يضحون فعلياً من أجل أبنائهم في عملٍ كانوا يتقاضون بسببه (بعد الزيادات) 400 دولار شهرياً لم يتقاضوها منذ خمسة أشهر، فيما لا يتقاضى المتقاعدون (الذين بلغوا 18 متقاعداً هذا العام) أموالاً تليق بهم، إذْ تلقّى أحدهم بعد خدمة تزيد عن 30 عاماً، 800 دولار كتعويض، فيما استدان آخر 2000 دولار إضافية ليشتري توك توك للعمل”.
وعن تأثير توقّف العمّال عن العمل في الميناء، يشير الى أن “البنية التحتية في الميناء مهترئة وقديمة تعود الى زمن الفرنسيين، وفي حال تركهم العمل، ستطوف بيوت النّاس بمياه المجارير التي يعملون على تصليحها بالسيخ، أي بطريقة تقليدية لأنّنا لا نملك أيّة مقوّمات حديثة، ما أثّر في صحّة الكثير من العمّال بعدما تسبّب السيخ بتمزّق عيْن أحد العمّال وتضرّر يد آخر ما استوجب 14 قطبة جمعنا تكلفتها بلمّية لا بسبب تغطيتنا صحياً، وهذا ما نفعله في كلّ الحالات الطبّية، كما ستتراكم النّفايات في الشوارع لا سيما الفرعية منها، فشركة لافاجيت التي تقوم بجمع النفايات مسؤولة عن الشوارع الرئيسة، أمّا الشوارع الدّاخلية فتتحمّلها البلدية”.
وفي وقتٍ لا يدفع فيه بعض النّاس الضرائب، وفي ظلّ اقتطاع نسبة لا يُستهان بها من العائدات البلدية لصالح المطمر وشركة “لافاجيت”، يقترح المرسلّي “إعادة التخمين بطريقة منطقية، تُوازي فيها قيمة المنزل، المحل، المطعم أو محطّة البنزين مثلاً بقيمة الجباية”.
أمّا رئيس اتحاد نقابات العمّال والمستخدمين في لبنان الشمالي شادي السيّد، فيُؤكّد أنّ المجلس البلديّ الغائب عن مدينة مهمّة تتضمّن موارد استراتيجية كالميناء، يُؤثّر فيها مباشرة وعلى واردات اتحاد بلديات الفيحاء، معتبراً أنّ “البلدية إنْ عجزت عن القيام بواجباتها، فكيف ستدفع رواتبها أو مستحقّاتها للاتحاد الذي زُرنا منذ أيّام مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام، بحضور محافظ طرابلس القاضي رمزي نهرا، للحديث عنه وعن ضرورة الحصول على هبة من مرفأ طرابلس للاتحاد (لا للمعاشات) لنتمكّن من تغطية المستحقّات خلال شهر كانون الأوّل لهذا العام”.
وتضامناً مع شرطة بلدية الميناء، وموظفيها ومياوميها “الذين يعملون بصورة مضاعفة مع النزوح”، يُناشد السيّد عبر “لبنان الكبير” القائم بأعمال البلدية إيمان الرافعي تسريع الجباية وإلزام أصحاب المطاعم والمحال وغيرهم بالدّفع، مع ضرورة إرسال إنذارات عاجلة لهم “لأنّ مصير العمّال بات رهن هذه المدفوعات”.
ويُحدّد مصدر متابع لشؤون البلدية، دوافع العمّال لاتخاذ هذا القرار “المؤثّر”، خصوصاً مع ارتفاع عدد سكان الميناء وتفاقم حاجاتهم “فمع عجز الريغارات عن التحمّل، وكذلك البراميل التي باتت تحتوي على أكثر من 15 طناً من النفايات، لا يُمكن التساهل مع حقوق العمّال”، موضحاً لـ “لبنان الكبير” أنّ “ضعف الجباية بسبب توتر الأوضاع الاقتصادية مع ضعف القدرة الشرائية يُؤثّران سلباً في التحصيل، ويدفعان البعض إلى عدم الدفع، كما أنّ عدم استحصال البلدية على أموال من الصندوق البلديّ المستقل، ينعكس أيضاً على واقع العمّال الذين قد يكونون ضحية استراتيجية الدّولة الجديدة وبعيدة المدى، تدفع العمّال إلى الاستقالة (بعد تطفيشهم) خصوصاً بعد إشارة البنك الدّوليّ إلى ضرورة التخفيف من عددهم في القطاع العام، وبالتالي إنّ عملية التوّقف حالياً تُعدّ نفسية أيضاً، لأنّ المعاشات قليلة والمدخّرات التي يُحتمل أنّها كانت أودعت في المصارف أصبحت غير موجودة”.
معطيات “لبنان الكبير” تُؤكّد أنّ القائمين على هذا الملف، عملوا بشدّة على التواصل مع سياسيي الشمال، لا سيما وزير الدّاخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي “الذي لا يُتابع قراراته كما يجب”. وتشير المعطيات الى أن “الملف وصل إلى مكتب رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي أبدى تجاوباً مع مطالبهم ووعدنا خلال هذا الأسبوع بالحصول على عائدات الخلويّ والصندوق البلدي المستقل”.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :