دخلت الحرب الإسرائيلية في الأيام الأخيرة في نوع من المراوحة، فيما يقف العدو الإسرائيلي على مفترق طرق، إذ تحتاج قيادته لأن تقرّر: إما المضي في مسار تفاوضي للتوصل الى وقف إطلاق نار، حتى ولو احتاج ذلك الى زيادة محدودة في الضغط العسكري، أو الذهاب الى حرب استنزافية طويلة مفتوحة على كثير من الاحتمالات. وعلى أي حال، لن يتحدد أي المسارين سيسلك العدو، قبل تبين نتائج الانتخابات الأميركية التي تنطلق اليوم.
ما بدا غير متوقّع لجيش العدو واستخباراته العسكرية، هو تصدّي المقاومين البطولي لقواته التي حاولت التوغّل الى القرى الحدودية، ضمن العملية البرّية المستمرة منذ 36 يوماً. إذ دارت الاشتباكات بين قوات العدو والمقاومين، منذ بداية العملية البرية، في كل القرى التي توغّل إليها، ابتداء من الأمتار الأولى بعد الخط الأزرق الحدودي. ولم يتوقع العدو، بعد الضربات القاسية التي تلقّتها المقاومة أن يشهد هذا المستوى من القتال البري في قرى الحافة، فضلاً عن القيادة والسيطرة الميدانية، وترميم الخطط والبرامج العسكرية واللوجستية وعلى مستوى الاتصالات، ومختلف المجالات، بشكل تُقاد فيه العمليات العسكرية بانسجام كامل وقيادة مركزية. وبناء على ما سبق، وبعدما كان العدو قد حشد عدة ألوية من نخبة جيشه، في البداية، لتنفيذ «العملية المحدودة» في الجنوب، عاد وحشد نحو 5 فرق إضافة إلى لواءين للمشاركة في العمليات، وهو حشد عسكري يتجاوز عديده الـ70 ألف ضابط وجندي. واتبع تكتيكات عسكرية، هدفت بشكل خاص الى تقليل عدد الإصابات في صفوف قواته. والتكتيك المذكور، جوهره تقليل الاحتكاك مع المقاومين الى الحد الأدنى، عبر تنفيذ عمليات قصف مكثّفة قبل دخول القوات الى منطقة العمليات، وأن يكون دخولها سريعاً ومحدوداً، وبعدد محدود، إضافة الى تقليل عدد الدبابات والآليات الثقيلة، خوفاً من استهدافها، والاكتفاء بالآليات الخفيفة، والجرافات لشق الطرقات والتجريف. وبعدما تعرّضت قواته لمواجهات في أطراف القرى الحدودية، وكانت تشتدّ كلما اقترب من قلب القرى، عمد الى سحب قواته الى داخل الحدود، خلال وقت سريع، بمجرّد إنهاء عمليات التجريف والتفخيخ والتدمير، لمسافة تصل في أقصاها الى 2 – 3 كم داخل الأراضي اللبنانية. ومن هنا، يمكن فهم الأسباب التي كانت وراء سحب العدو لغالبية قواته من غالبية القرى الحدودية، وآخرها من بلدة الخيام ومحيطها، حيث تعرّض لضربات قاسية من المقاومة، على مدى 4 أيام، وتبع ذلك ملاحقة المقاومين قواته داخل مستوطنة المطلة، حيث استُهدفت تجمعات الجنود، ودبابة «ميركافا» عند بوابة المستوطنة. ولكن هل يعني هذا انتهاء العملية البرية الإسرائيلية؟
رغم تسجيل انسحابات من غالبية القرى، إلا أن قوات العدو تحافظ على وجودها على أطراف قرى أخرى، مثل عيتا الشعب ومارون الراس ويارون، وحتى عيترون. حيث يواصل قصف الأطراف الشمالية لمارون الراس، المشرفة على مدينة بنت جبيل، التي تتعرّض بدورها لقصف يومي، إضافة الى البلدات المحيطة مثل الطيري وكونين وعيناثا. ويمكن تفسير ذلك أنه تمهيد لمحاولات تسلل ستنفذها قوات العدو نحو أطراف المدينة، أو أنه يأتي لتأمين قوات العدو في المنطقة الحدودية من الاستهداف بالصواريخ والمدفعية. مع ترجيح الاحتمال الأول.
كثّفت المقاومة استهداف تجمعات العدو في المواقع والمستوطنات وأطراف القرى بالمسيّرات
كذلك، بعدما فشل العدو في التوغّل في الناقورة، حيث دمّر المقاومون 4 دبابات في منطقة «المشيرفة» الحدودية، إضافة المواجهات التي وقعت في اللبّونة، يسعى العدو حالياً تنفيذ عمليات تسلل بمجموعات صغيرة نحو منطقة حامول الحرجية، بين الناقورة وعلما الشعب، حيث تتعرض قواته لكمائن المقاومة ونيرانها بشكل دائم. ومن المتوقع أن يزخّم العدو محاولاته التقدّم في هذا المحور خلال الأيام المقبلة.
وهذان السيناريوان يندرجان ضمن «المرحلة الأولى» من العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان. وبالتالي، لا يحتاج تنفيذهما الى قرار جديد من المستوى السياسي، بل هما في قلب المهمة المحدودة الأصلية لجيش العدو، والتي لم تتحقّق بعد بشكل كامل. ولذلك، يرى المحلل العسكري يوسي يهوشع، أن «هناك انخفاضا في حجم القوات عند خط التماس مع لبنان بشكل كبير (...) يقف الجيش عند خطّ معيّن، ولا يتقدّم، وينتظر توجيهاً من قبل المستوى السياسي». ورغم أن ذلك «ربّما يكون انتظاراً للانتخابات الأميركية، ولكن من الإشارات التي أجمعها، ليس هناك تقدّم ملموس في الاجتياح البرّي، ولا لأهداف وضع لها الجيش خططا». فيما «هناك جهود للتوصّل إلى تسوية، وكذلك حالياً ليس هناك تقدم». ويضيف يهوشع أن «الجيش يريد تسوية ويرى أنه قد أكمل معظم أهداف الحرب».
ويوم أمس، تابعت المقاومة استهدافها، بشكل خاص، لتجمعات العدو في المواقع والمستوطنات الحدودية، وأطراف القرى الحدودية. وشنّت المقاومة هجمات جويّة بأسراب من المُسيّرات الانقضاضيّة على تجمّعات لقوات العدو في مستوطنات المنارة ويفتاح ونطوعة وزرعيت وإيفن مناحم وشرقي بلدة مارون الراس، وأصابت أهدافها بدقة. كما تابعت المقاومة استهداف المستوطنات التي كانت قد أمرت المستوطنين بإخلائها سابقاً، وصولاً إلى الكريوت شمال حيفا، بصليات من الصواريخ.
نسخ الرابط :