المحامية سندريللا مرهج
لم نَعهده عاقد الحاجِبَين، دامع المقلتَين، عافيَ اللحية، غير كاتم للغيظ، إلّا بمواجهَة العدوان الصهيونيّ .
هكذا أطلّ علينا الحاج محمد عفيف، بعد عدوان أيلول ٢٠٢٤ الغاشم على لبنان، من أرض الضاحية الجنوبيّة لبيروت، ومباشرة عن فضائها، حيث تستبيح طائرة الاستطلاع الصهيونية أجواء العاصمة، ليلًا نهارًا.
عند الإطلالة الثالثة، شنّت طائرةٌ حربية إسرائيلية غارةً عدوانية على منشآتٍ مدنيّة في محيط مكان المؤتمر الصحفيّ في منطق الغبيري،
وأثناء انعقاده.
ثلاثة إطلالات، الأولى واقفًا، الثانية والثالثة جالسًا وسط حشد من المراسلين الإعلاميين اللبنانيين والأجانب.
من بين ركام الأبنية المحطّمة،
وهرولة الناس المفجوعة، ألقى المسؤول الإعلاميّ، باسم المجتمع المقاوم، كلمةً صوّب فيها بوصلة المسار السياسيّ والإعلاميّ والعسكريّ والإجتماعيّ للمقاومة، داحضًا فيها سرديّات سائدة خاطئة.
كان الحاج مختلفًا جزئيًّا بالشكل عمّا عهدناه، بدا محاربًا أتعبَته ولم تنهكه الضربات والصدَمات وأوجاعها.
وكان هو نفسه بعنفوانه، دقّته، إيمانه، حزمه، مهنيّته، وحبّه لواجبه الوطنيّ، الحزبيّ، السياسيّ والإعلاميّ.
إطلالات طبيعيّة، تعكسُ شخصيّته العفويّة في التواصل، الدقيقة والمتينة كما المتأنّية في التعبير اللغويّ واختار الكلمات، والعميقة بالمضمون.
لم يُهمِل من حيث الشكل الخارجيّ، وكعادته، أناقةَ ثيابه، حداقة نظراته،حسن تدبيره، ولباقته.
بدا الحاج عفيف إعلاميًّا، سياسيًّا،
مقاومًا، مقاتلًا شرسًا، لكن، بنبالة.
لا عجبَ والنبل فيه كيانٌ وتكوينٌ ونصيبٌ من اسمه.
محمد عفيف ابن العلّامة القدير الكبير سماحة الشيخ عفيف النابلسي، والبيئة المحترمة، والبيت العريق والعائلة الأصيلة “آل نابلسي”، يسطّر معادَلة جديدة في المسيرة المقاوِمة الإعلاميّة تصلح أن نسمّيها:
“رعب اللباقة”.
إنّ الحاج عفيف في زمن السلم والحرب جامعٌ للأضداد، حضوره هيبة، مُصلحٌ للخلافات، مبتكرٌ لمحاورِ الخطابات السياسيّة، مستشار فذٌّ محنّكٌ، صانعٌ عجيب للمعنويّات.
أذكرُ في هذا السياق، أنّي وجهت لحضرته الحديثَ مرّةً في إحدى لقاءاتنا، التي اجتمعنا فيها مع الزملاء على الفطور تلبيةً لدعواته الكريمة، الطيّبة، الفوّاحة بعطر المحبّة العائليّة مع فريق عمل العلاقات الإعلاميّة، قائلةً:
“وكأنك تقدّم لنا المعنويات مُحلّاة بقطر الكنافة النابلسية”، فضحك. ومن بعدِها، باتَ توافر حلوى الكنافة النابلسية، وهو الحَريص على تقديم الواجبات الإجتماعيّة، واجبًا عنده، وحصرًا لي “من حيث المبدأ”،
عند كلّ دعوةِ تشاركٍ على الطعام، وجّهها لنا الحاج بحماسةٍ ومحبّة. يتناول الفطور الجميع، يتحدّثون ويضحكون، ممتَنّين لحضوري
المرتبط بتواجد الكنافة، ومتمنّين
للحاج دوام الصحّة وحسن الضيافة،
بحسّ تآخي الأخوّة الباسِم بين الجميع.
عايشَ الحاج عفيف قبلَنا عن كَثب، جيلٌ من صحفيي حروب التحرير.
مرّوا بمواقف وصِعاب وتحدّيات وآلام وأفراح، لا نعرفها، نحن الجيل الجديد من سابكي غور الإعلام الحديث.
هم يجتمعون على الذكريات في حكايات كلّ اللقاءات. يسردون قصصهم، يبتسمون، يدمَعون، يستبشرون، يترحّمون، ويكمّلون الدرب.
من دقّة ما كان يُسرَد، كانت مجموعة منّا تشعر بهم وبأحاسيس ذكرياتهم، رغم أنّنا لم نعش معهم تجاربهم.
بعضنا لا يعرف حتّى جميع قرى الجنوب أو مواقعها تسلسليًّا على الخريطة الجغرافيّة اللبنانيّة،
ناهيكم عن فئاتنا العمرية المختلفة،
والحاج يعلم أنّنا لا نعلم، فيشرح.
عرَفنا الحاج محمد عفيف، نحن الشباب، جيل الحروب المختلطة
بين التقليديّة والتكنولوجية، والمعارك الإعلاميّة، والوحشيّة السيبرانية الحديثة، مسؤولًا عن العلاقات الإعلامية، وأيضًا، العلاقات العامّة
في حزب الله.
عرفناه الرجل الإداريّ، الماسك زمام العلاقات الإعلامية بالوجه البَشوش، المُحِبّ، صاحب النظرة الثاقبة، القارئ للأفكار والكاشف وجوه الأشخاص، المتفاني، المنفتح، المؤمن الملتزم دينيًا غير المتباهي بالالتزام، المحتَرِم لمشاعرِك وعاداتِك وطائفتك، والمُحترَم حيث وُجد أو غاب.
هو رجل عابر للطوائف والمناطق، للأحزاب والقوى، رؤيوي، إستراتيجيّ وباطنيّ حيث يجب، وشفّاف حيث يريد.
في الإعلامِ المُقاوم، إعلاميّون، كتّاب محلّلون، خبراء، ناشطون من فئات عمريّة مختلفة، تخصّصات متعدّدة، طوائف عدّة، يمينيّون ويساريّون، أحزاب وقوى ومستقلّون، تقليديّون وحديثون، وأكثر من جميع فاكهة البساتين، كما يصف الحاج عفيف
واقع اللقاء الإعلاميّ الوطنيّ.
بالفعل. إعلامٌ يشبه حقول لبنان، وعالَمٌ صعب الإدارة، ومستحيل السَيطرة.
في هذه الدوّامة، يجول الحاج عفيف كلّ الصولات والجولات ويمسك زمام الأمور بخطّ مستقيم. وهذا فعلًا عجبٌ.
أعترفُ أنّنا أدمنّا النشاط الإعلامي كلٌّ وفق أسلوبه، ونمط حياته، حبًّا بالرسالة الوطنيّة وعقيدة المقاومة.
إنّ الإعلام رسالة الحقيقة بالكلمة، والدفاع عن الحقّ بالضمير.
وتصدّر المشهد الإعلاميّ مفاهيم “جهاد التبيين” و “الحرب الإدراكيّة” في مواجهة “الحرب المركّبة”، وذلك في أبحاث أطلقها المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة سماحة السيّد علي الخامنئي، نالت في فِكري مرتبةً من الأهميّة الفضوليّة العلميّة الكثير .
دار منذ فترة وجيزة حوارٌ بين مجموعة إعلاميّة مصغّرة، وبوجود الحاج، وصلت حدّ السجال، في شأن سؤالٍ طرحتُه، ليس ببراءة:
هل مجاهدو التبيين، وعلى تنوّعهم اليوم في الإعلام، وعند استشهادهم هم شهداء على طريق القدس؟
خَلُص الجواب طبعًا،بالالتفاف على السؤال، بين الجدّية والمزاح.
الواقع، إنّ السلاح الذي يستخدمه كلّ مرة الحاج عفيف لفضّ امتعاضات فرديّة عَرَضيّة بين الإعلاميين قِوامه “الكلمة الصادقة” التي تعيدنا إلى أصل رسالتنا.
لقد عرَفَنا الحاج عفيف عن كثب في نشاطِنا الفرادي، وبعده الجَماعي، ضمن اللقاء الإعلامي الوطني الذي حضَنه وشجّعه بكلّ ما أوتيَ له من قدرات لوجستيّة، حتى بتنا عائلة كبيرة، أو بالحَريّ كتلة صلبة متماسكة، كما يفضّل أن يسمّيها أمين سرّ اللقاء، الأستاذ سمير الحَسن المؤسِّس المتفاني الوفيّ، الرفيق المناضل كما يحبّ أن يسمّينا.
يختلف الإعلاميّون كثيرًا في جزيئيات السياسة، وتفاصيل الرأي العام، ولكننا في اللقاء الإعلاميّ الوطنيّ ، نتقارب يومًا بعد يوم، أكثر فأكثر، فكريًّا، اجتماعيًّا وعقائديًّا.
كان من المُقرّر قبل طوفان الأقصى،
أن نلتقيَ، نحن وفد من اللقاء الإعلامي الوطني، بأمين عام حزب الله، سيّد شهداء المقاومة، سماحة السيد حسن نصرالله، في زيارةٍ تحمل عناوين عدّة.
انتظرت اللقاء طويلًا، ولم أطلبه يومًا احترامًا وواجبًا. لكنّه لم يتمّ.
على الصعيد الشَخصيّ، إنّي عاتبة عتبًا شديدًا وصامتًا على الحاج، كونه لم يستعجل لنا اللقاء المنشود، عتبًا
حدّ القلب المعصور، المخنوق
و المقهور.
أعرف أنّ ذلك يحزنه،
ونعرف أنّ حزنه أصلًا على فقدان
رفيق الدرب كبير ولا يوصف.
ونحن وكثيرون، نشكره على أمورٍ عدّة، ومنها أنّه جمعنا بنائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم أطال الله بعمره، ورئيس المكتب التنفيذي الشهيد سماحة السيد هاشم صفي الدين. لقاءات رسّخت في نفوسنا مباني
عمق وحكمة وتضحيات قادة المقاومة.
سوف تنتهي الحرب، فقدنا أغلى الشهداء، وجُرح أشجع الناس،
وتدمرّت أجمل القرى والمدن،
والحزن يلفُّ الأمّة.
لا شكّ أنّ قيادة الإعلام المُقاوم في المستقبل، مهمّة صعبة أكثر ممّا كانت عليه سابقًا لأسبابٍ مختلفة.
ولكنّ الحربَ وإن أبعَدتنا، قرّبتنا. لطالما سعَينا إلى “توحيد الخطاب”، وعقدنا فعاليّات واجتماعات في هذا الشأن، نجحنا وعجزنا.
إنّنا متنوّعون، ولاحظتُ أنّ الذي لا يتشبّث منّا في ما برأسه من قناعات، ليس منّا.
قد يكون الثبات صفة تكوينية
في كلّ نبض مقاوم.
قلت مرّة للحاج عفيف الآتي:
-تعلّمت منك أمورًا كثيرة، ولكنّ أمرًا هامًّا جدًّا هو الأساس.
-أجاب مسرورًا: ما هو؟
-أعقبت بخجل: “الرأس اليابس.
يبدو أنّه نافع في السياسة”.
ضحكنا جميعنا.
نعم، الحاج عنيدٌ بقراراته، أو الأصحّ، متمسّك وثابت في ما يملك من عقائد وقناعات، ومعلومات، وتحليلات، وأفكار وقرارات مسبقة أحيانًا، ولئن هو يحبّ تمحّص جميع الأراء.
لا نبالغ إن قلنا فيه:
إنّه رجل القرار الحازم بسلاسة التنفيذ.
في البدء، ظننته باطنيًّا، ومع الوقت أيقنتُ أنه معتنق للكتمان إيمانًا ووفاء. ليس موهوبًا فَحسب، لا بل اختصاصيّ صاحب خبرة عمر، عن دراية ودراسة وهندسة فكرية.
فوجئتُ بمحاضرات أكاديميّة إعلاميّة ألقاها الحاج عفيف لساعاتٍ، ارتجاليًّا، بأبوابٍ وفصولٍ ونبذاتٍ، كان قد دوَّنَ رؤوس أقلامها فحسب. فكان محاضرًا جامعيًّا بارعًا بشهادة مئات الطلبة الذين أُسِروا بالأسلوب والمحتوى.
استوقفني من الجانب الإداري، بحكم تخصّصي أيضًا بعلم إدارة الأعمال، أسلوب تعامل السيد محمد عفيف
مع المؤسّسات الإعلاميّة التنفيذية.
على الرغم من تأثّره الحَتمي بفكرٍ تيولوجي سياسي، لم يقع أسيرَه.
انتهج سياسة احترام الفرديّة الهرمية الداخلية، ومساحات حرّية التعبير، وتطبيق سياسة الإدارة المنفصلة والمتّصلة.
ما من مؤسسة إعلامية في الهوى المقاوم شبيهة بأخرى، سواء من
حيث منظومة المحتوى، أو إطارها الإخراجي، فأنتج تنوّعًا مزدوجًا في الملقي والمتلقّي.
في الواقع،إنّ الحاج محمد عفيف يمتهن جوانب الإعلام بدقّة، باستثناء الترويج لنفسه، أو استغلال دوره لإحقاق مصلحة ما لأحدٍ، أو كسب نفوذ هنا او هناك.
وهذه ثغرة تواضعٍ بالفطرة إن صحّ التعبير،تسمح لخصمٍ مبتدئ ضعيف، بالتصويب على شخصه، ليس بالحجّة الإعلاميّة، بل تنمّرًا.
ومعلومٌ أنّ التنمّرَ متلازمة الناقصين.
سوف تنتهي هذه الحرب الشعواء على بلدنا لبنان وشعبنا الأبيّ،
ولا شكّ أنّ أمورًا كثيرة قد تغيّرت من حولنا، والحياة لم تعد سعيدة.
ولكنّنا حتمًا ما بدّلنا تبديلا.
لا أعرف أين ستكون لقاءاتنا الصباحيّة بعدما تمّ تدمير الضاحية ومبنى العلاقات الإعلاميّة؟
لا أعرف إن كنّا سنضحك من القلب بعد، وغصّات الحزن على استشهاد إعلاميين ومصوّرين وصحفيين من بيننا تخنق كلّ جميلٍ نراه.
اشتقنا إلى جميع الرِفاق فردًا فردًا.
ما أخباركم؟ ما أخبار بائع الفول في حارة حريك، والحلوى في صيدا؟
هل هما وأنتم بخير؟
ما أخبار مضامين الجرائد ومقابلات الرِفاق؟ كيف حال أماكن فعالياتنا واجتماعاتنا؟
دمّر العدوّ الإسرائيلي الجنوب والبقاع وضاحية بيروت، ومبنى العلاقات الإعلاميّة والمكاتب، واغتال قادة وأبطال ومسعفين وأطفال ومدنيين وصحفيين، وأرعبته الكلمة وأزعجه الخطاب، وهجم على الصوت والصورة مبغضون من الداخل والخارج،
ومن كلّ حدبٍ وصوب.
ولكن مهلًا! بنى الإعلام المُقاوم بقوّة حبّ الوطن، حجرًا حجَرًا، جسور عزيمة ومحبّة وتعاضد، لا تُكسَر لا في العمر ولا بعده، وتستمرّ أقوى.
في زمنٍ عند البعض غير عفيف،
بادر إلى ذهني ردّ “الأعشى”
كناطحِ صخرةٍ يوما ليُوهِنَها
فلم يَضِرْها، وأوْهى قَرنَه الوَعِلُ
قد يعذرني الحاج على نشر هذه المقالة،وغير المقتضبة قصدًا، وهو المتواضع رفعةً، إذ يعرف جيّدًا أنّي ابنة مبدأ :
“أيّها الحقّ لم تترك لي صاحبًا!”
قيادة الإعلام في زمن عفيف بصمة. الفكرةُ لم تكن يومًا شخصًا، والقدوة لا تُهَشّم، واللبُّ لا يفهمه وضيعٌ، والزَيف لا يطفو على وجوه الحقّ، وأهل العزم كِرامٌ، والأكابرُ منصورون.
إنّ قيادةَ الإعلامِ المُقاوم في زمن عفيف، نهجٌ. والنهج لا يخطّه، إلّا، سيّده.
نَقشٌ وبنيانٌ في الصَخر.
نعم، الحاج عنيدٌ بقراراته، أو الأصحّ، متمسّك وثابت في ما يملك من عقائد وقناعات، ومعلومات، وتحليلات، وأفكار وقرارات مسبقة أحيانًا، ولئن هو يحبّ تمحّص جميع الأراء.
لا نبالغ إن قلنا فيه:
إنّه رجل القرار الحازم بسلاسة التنفيذ.
في البدء، ظننته باطنيًّا، ومع الوقت أيقنتُ أنه معتنق للكتمان إيمانًا ووفاء. ليس موهوبًا فَحسب، لا بل اختصاصيّ صاحب خبرة عمر، عن دراية ودراسة وهندسة فكرية.
فوجئتُ بمحاضرات أكاديميّة إعلاميّة ألقاها الحاج عفيف لساعاتٍ، ارتجاليًّا، بأبوابٍ وفصولٍ ونبذاتٍ، كان قد دوَّنَ رؤوس أقلامها فحسب. فكان محاضرًا جامعيًّا بارعًا بشهادة مئات الطلبة الذين أُسِروا بالأسلوب والمحتوى.
استوقفني من الجانب الإداري، بحكم تخصّصي أيضًا بعلم إدارة الأعمال، أسلوب تعامل السيد محمد عفيف
مع المؤسّسات الإعلاميّة التنفيذية.
على الرغم من تأثّره الحَتمي بفكرٍ تيولوجي سياسي، لم يقع أسيرَه.
انتهج سياسة احترام الفرديّة الهرمية الداخلية، ومساحات حرّية التعبير، وتطبيق سياسة الإدارة المنفصلة والمتّصلة.
ما من مؤسسة إعلامية في الهوى المقاوم شبيهة بأخرى، سواء من
حيث منظومة المحتوى، أو إطارها الإخراجي، فأنتج تنوّعًا مزدوجًا في الملقي والمتلقّي.
في الواقع،إنّ الحاج محمد عفيف يمتهن جوانب الإعلام بدقّة، باستثناء الترويج لنفسه، أو استغلال دوره لإحقاق مصلحة ما لأحدٍ، أو كسب نفوذ هنا او هناك.
وهذه ثغرة تواضعٍ بالفطرة إن صحّ التعبير،تسمح لخصمٍ مبتدئ ضعيف، بالتصويب على شخصه، ليس بالحجّة الإعلاميّة، بل تنمّرًا.
ومعلومٌ أنّ التنمّرَ متلازمة الناقصين.
سوف تنتهي هذه الحرب الشعواء على بلدنا لبنان وشعبنا الأبيّ،
ولا شكّ أنّ أمورًا كثيرة قد تغيّرت من حولنا، والحياة لم تعد سعيدة.
ولكنّنا حتمًا ما بدّلنا تبديلا.
لا أعرف أين ستكون لقاءاتنا الصباحيّة بعدما تمّ تدمير الضاحية ومبنى العلاقات الإعلاميّة؟
لا أعرف إن كنّا سنضحك من القلب بعد، وغصّات الحزن على استشهاد إعلاميين ومصوّرين وصحفيين من بيننا تخنق كلّ جميلٍ نراه.
اشتقنا إلى جميع الرِفاق فردًا فردًا.
ما أخباركم؟ ما أخبار بائع الفول في حارة حريك، والحلوى في صيدا؟
هل هما وأنتم بخير؟
ما أخبار مضامين الجرائد ومقابلات الرِفاق؟ كيف حال أماكن فعالياتنا واجتماعاتنا؟
دمّر العدوّ الإسرائيلي الجنوب والبقاع وضاحية بيروت، ومبنى العلاقات الإعلاميّة والمكاتب، واغتال قادة وأبطال ومسعفين وأطفال ومدنيين وصحفيين، وأرعبته الكلمة وأزعجه الخطاب، وهجم على الصوت والصورة مبغضون من الداخل والخارج،
ومن كلّ حدبٍ وصوب.
ولكن مهلًا! بنى الإعلام المُقاوم بقوّة حبّ الوطن، حجرًا حجَرًا، جسور عزيمة ومحبّة وتعاضد، لا تُكسَر لا في العمر ولا بعده، وتستمرّ أقوى.
في زمنٍ عند البعض غير عفيف،
بادر إلى ذهني ردّ “الأعشى”
كناطحِ صخرةٍ يوما ليُوهِنَها
فلم يَضِرْها، وأوْهى قَرنَه الوَعِلُ
قد يعذرني الحاج على نشر هذه المقالة،وغير المقتضبة قصدًا، وهو المتواضع رفعةً، إذ يعرف جيّدًا أنّي ابنة مبدأ :
“أيّها الحقّ لم تترك لي صاحبًا!”
قيادة الإعلام في زمن عفيف بصمة. الفكرةُ لم تكن يومًا شخصًا، والقدوة لا تُهَشّم، واللبُّ لا يفهمه وضيعٌ، والزَيف لا يطفو على وجوه الحقّ، وأهل العزم كِرامٌ، والأكابرُ منصورون.
إنّ قيادةَ الإعلامِ المُقاوم في زمن عفيف، نهجٌ. والنهج لا يخطّه، إلّا، سيّده.
نَقشٌ وبنيانٌ في الصَخر
نسخ الرابط :