عَكَسَ طلب الحزب من مستوطني الشمال الإسرائيلي “الإخلاء الفوري لـ 25 مستوطنة بعدما تحوّلت إلى مكان استقرار لقوّات العدوّ وأصبحت أهدافاً مشروعة للقوّة الجوّية والصاروخية للمقاومة الإسلامية” تقدّماً نوعياً للحزب في سياق الحرب النفسية والعسكرية مستخدماً المنهجية الإسرائيلية نفسها في “منظومة الترويع” والتمهيد لاستهدافات أوسع لمستوطنات الشمال كان مهّد لها في الأيام الماضية بقصف أهداف لم تُظهِر بيانات المقاومة الإسلامية أنّها تتضمّن مواقع عسكرية، آخرها مستوطنة طمرة في الجليل الغربي خلافاً للائحة أهدافه السابقة منذ بدء العدوان الجوّي الإسرائيلي.
بين مفاوضات الدوحة الأميركية – الإسرائيلية – القطرية حول صفقة الرهائن وهدنة غزة ولقاءات الموفد الأميركي آموس هوكستين في تل أبيب والزيارات المكّوكية لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والردّ الإسرائيلي المُنضَبط ضدّ إيران، يسير مشروع وقف إطلاق النار و”شروطه” المرئية وغير المرئية وسط حقل ألغام يُسلّم كثيرون بأنّها ستحول دون تقريش الإيجابيّات التي سُرّبت في الساعات الماضية عن نجاح الضغوط على رئيس وزراء العدوّ بنيامين نتنياهو في دفعه إلى الموافقة في غضون أسابيع قليلة على وقف إطلاق النار.
تقول وقائع الميدان الكثير، وليس أقلّها أنّه في مقابل قوّة التدمير الهائلة للعدوّ الإسرائيلي جنوباً وبقاعاً وفي الضاحية الجنوبية، وتكثيف ضرب البنى التحتية العسكرية والمالية للحزب، وخلخلة مفاصل هيكليّته بعد قتل جيل من قيادات الحزب، وسحق قرى جنوبية بأكملها بالقوّة الصاروخية الجوّية في “جرفٍ” جوّي وبرّي لم يشهده عدوان 2006، وقطع المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، لا تزال المقاومة قادرة على فرض إيقاعها العسكري والأمنيّ الواضح في الميدان في ظلّ تسليم نتنياهو بـ “أنّنا في ذروة حربٍ وجودية طويلة وصعبة ومؤلمة”.
اليوم الأسود
بالتأكيد كان أمس يوماً أسودَ آخرَ في أجندة العدوان الإسرائيلي بحكم الأمر الواقع الذي لا يزال يربط بين جبهتي غزة وتل أبيب، وذلك من خلال عملية دهس جنود إسرائيليين شمال تل أبيب قرب قاعدة غليلوت الاستخبارية، وعملية الدهس الثانية شمال القدس، إلى نعي العدوّ لمزيد من الضبّاط وجنوده في المواجهات مع الحزب على الحافة الحدودية، الذي وصل سكوره أمس إلى 30 قتيلاً منذ بدء الغزو البرّي والاعتراف بإصابة مسيّرة الحزب مصنعاً في كرمئيل مسؤولاً عن إنتاج مكوّنات للطائرات العسكرية والمدنية، بالتزامن مع تكثيف المقاومة هجومها الجوّي بالمسيّرات التي طالت مصنعاً آخر للصناعات العسكرية جنوب شرق عكا ومصنع زوفولون شمال حيفا.
الأهمّ أنّه منذ بدء التوغّل الإسرائيلي البرّي في 1 تشرين الأوّل لم يتمكّن العدوّ خلال شهر من فرض منطقة عازلة بالنار حتى في القطاع الغربي حيث دارت أقسى المواجهات العسكرية على محور عيتا الشعب، ولا في القطاع الأوسط (ميس الجبل – محيبيب – بليدا) أو في الشرقي، أي محور العديسة – كفركلا – رب ثلاثين – الطيبة الأكثر التهاباً بعد محور عيتا الشعب – راميا. وذلك في مقابل مضاعفة الحزب لعملياته في مستوطنات الشمال وتوسيع دائرتها بشكل ملحوظ، وأيضاً في مناطق الاشتباك على الحافة الحدودية في ظلّ معطيات عسكرية تؤكّد أنّ “العدوّ لم يتمكّن حتى الآن من تجاوز مسافة 4 كلم داخل حدود لبنان قام خلالها بتفجير وجرف منازل من دون التمكّن من تثبيت واقع الاحتلال والسيطرة الدائمة عليها”.
لا تستعجلوا نعي قوّة الرّدع
تقول أوساط سياسية قريبة من الحزب لـ “أساس” إنّ على “مَن استعجل “نعي” قوّة الردع (المقصود جبران باسيل وبعض القريبين من محور الممانعة) أن لا يتسرّع في استنتاجاته. فالمقارنة ليست جائزة هنا بين القدرة الفائقة على التدمير بفعل الترسانة الجوّية الإسرائيلية وعدم وجود طائرة حربية مقاتلة واحدة بحوزة الحزب، بل الأمر يكمن في قدرة عناصر الحزب منذ 23 أيلول تاريخ بدء العدوان الجوّي على إفشال مخطّط العدوّ في إقامة الحزام البرّي الفاصل من شبعا إلى رأس الناقورة وتثبيته والتفاوض عليه، وفشل الإسرائيلي في منع تمدّد دائرة الاستهداف لمستوطنات الشمال وصولاً إلى ضرب عمق تل أبيب وجعل ورقة عودة مستوطني الشمال غير قابلة للصرف في ظلّ إثبات الحزب قدرته الرادعة بسلاح المسيّرات والحرب البرّية التي كان مهّد لها الأمين العامّ للحزب الشهيد حسن نصرالله بقوله إنّها ستكون مقبرة للعدوّ”.
كما أنّ إعلان الجيش الإسرائيلي أمس عن إخلاء مزيد من البلدات الجنوبية (14) باتّجاه نهر الأوّلي والتحذير المتكرّر من التوجّه جنوباً يشي بإصرار العدوّ الإسرائيلي على تفريغ جنوب الليطاني، وهو مخطّط، برأي مصادر متابعة، سيستغرق وقتاً طويلاً ويصعب أن يتوافق مع توجّه محتمل لقبول نتنياهو وحكومته بوقف إطلاق النار في المدى القريب بغضّ النظر عن عتبة الخامس من تشرين الثاني موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
الحزب رمّم هيكليّته؟
لكن بالتزامن مع مفاوضات الدوحة لفتت مصادر إلى كلام وزير الدفاع الإسرائيلي أمس الذي أشار إلى أن “ليس كلّ هدف يمكن تحقيقه بعملية عسكرية”، وتحدّث عن “تسويات مؤلمة لإعادة المخطوفين”، مُقرّاً بأنّ “في الجنوب توقّفت حماس عن العمل كمنظومة عسكرية، وفي الشمال الحزب ما يزال يتكبّد الخسائر ولم تعد إيران قادرة على استخدامهما ضدّنا”. وهذا ما فسّره البعض بأنّه بداية تلميح إلى تغليب منطق الدبلوماسية على الميدان عبر الإقرار الإسرائيلي بانهيار الهيكلية العسكرية للتنظيمين، وهو ما يُشرّع تفاوض العدوّ، برأيه، على وقف نار مؤقّت أو دائم.
هذا الواقع تدحضه بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية وعواصم استخبارية مؤثّرة يتحدّث مسؤولوها بوضوح عن “تمكّن الحزب في لبنان من إعادة ترميم منظومة القيادة والسيطرة والتوجيه في وقت قياسي وبظروف معقّدة وصعبة وإعادة تشكيل قيادة لا قدرة للعدوّ على خرق هيكليّتها راهناً لمعرفة أسماء مقاتليها ومهمّاتهم العملانية والميدانية والإدارية والأمنيّة، واحتفاظ الحزب بمخزون آمن من الصواريخ والأسلحة لم تصله صواريخ العدوّ بعد”.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :