الشقيقة -الصداع النصفي- ليست مجرد صداع فقط، بل إنها اضطراب مرهق في الجهاز العصبي.
يتعرض المصابون بالشقيقة لأعراض مثل ألم نابض، عادةً في جانب واحد من الرأس، إلى جانب الغثيان والتقيؤ والحساسية الشديدة للضوء أو الصوت. تتراوح نوبة الشقيقة من عدة ساعات إلى أيام، يميل بعض الأشخاص للبقاء في غرف مظلمة وساكنة لتخفيفها.
يتعرض قرابة 800 مليون شخص عبر العالم للشقيقة، معظمهم من النساء. إذ تزيد عرضة النساء للشقيقة بثلاثة أضعاف مقارنةً بالرجال، وهي السبب الأكثر شيوعًا للعجز في العالم لدى النساء بعمر 18-49 عامًا.
تبين الأبحاث أن الشقيقة لدى النساء أكثر تكررًا وشدة، وأطول مدةً مقارنةً بالرجال، أيضًا فإن النساء أكثر ميلًا لطلب المساعدة الطبية والأدوية لمعالجة الشقيقة، وتعاني النساء المصابات بالشقيقة عادةً اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق والاكتئاب.
جميع هذه الفروق بين الجنسين لافتة للنظر حقًا، لكن ما الأسباب الكامنة وراءها؟
الشقيقة والهرمونات
يوجد العديد من العوامل المسؤولة عن اختلاف نوبات الشقيقة بين الجنسين، تتضمن الهرمونات والبيئة والجينات، وكيفية تفعيل بعض الجينات أو تثبيطها.
تساهم جميع هذه العوامل في تحديد بنية الدماغ ووظيفته وقدرته على التكيف مع الشقيقة. يؤدي هرمونا الإستروجين والبروجستيرون أيضًا دورًا في ضبط العديد من الوظائف الحيوية عبر آليات مختلفة، مثلًا، يؤثر الهرمونان في مواد كيميائية متنوعة في الدماغ وقد يساهمان أيضًا في الفروق الوظيفية والبنائية بين مناطق محددة في الدماغ معنيّة بالإصابة بالشقيقة.
قد تغير الهرمونات الجنسية حجم الأوعية الدموية بسرعة، ما يعرّض المرء لنوبات الشقيقة.
لا تختلف عرضة الإصابة بالشقيقة بين الجنسين في أثناء مرحلة الطفولة، وتشير التقديرات إلى أن قرابة 10% من الأطفال يصابون بها في وقتٍ ما، لكن عند وصول الفتيات إلى سن البلوغ، تزداد عرضتهن إلى الشقيقة.
يعزى ذلك إلى تذبذب مستويات الهرمونات الجنسية لا سيما الإستروجين لدى الفتيات في سن البلوغ، لكن قد تساهم الهرمونات الأخرى مثل البروجسترون أيضًا في هذه المسألة.
تصاب بعض الفتيات بنوبة الشقيقة الأولى في وقت قريب من دورتهن الشهرية الأولى، غير أن الشقيقة غالبًا أكثر شيوعًا وشدةً لدى النساء خلال سن الإنجاب.
يقدّر الباحثون أن قرابة 50-60% من النساء يتعرضن للإصابة بالشقيقة في أثناء دورتهن الشهرية، ويحدث هذا النوع من الشقيقة عادةً في الأيام التي تسبق الطمث أو في أثنائه، مع انخفاض مستويات الإستروجين ما يحفز نوبات الشقيقة. تتميز الشقيقة المرتبطة بالطمث غالبًا بأنها أكثر حدة وأطول من النوبات التي تحدث في الأوقات الأخرى من الشهر.
ظهرت في التسعينيات فئة جديدة من الأدوية تسمى التريبتانات، تُستخدم لمعالجة الشقيقة على نحو شائع، وتُستخدم أنواع معينة منها تحديدًا لمعالجة الشقيقة المرتبطة بالطمث.
من الأدوية الأخرى التي أثبتت فعاليتها في تقليل حدة الشقيقة ومدتها مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، إلى جانب بعض وسائل منع الحمل التي تحافظ على مستويات ثابتة من الهرمونات.
الشقيقة مع الهالة
ينبغي للنساء المصابات بالشقيقة مع الهالة تجنب موانع الحمل التي تحتوي على الإستروجين، إذ قد يؤدي استعمالها في هذه الحالة إلى زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، إذ قد يعزز الإستروجين تكون الخثرات الدموية، أما خيارات منع الحمل المتاحة لهن فتتضمن حبوب منع الحمل المقتصرة على البروجسترون، وحقنة ديبو بروفيرا، واللولب الرحمي.
تصيب هالة الشقيقة قرابة 20% من الأشخاص الذين يعانون الشقيقة، وهي تحدث عادةً قبل نوبة الشقيقة، إذ يبدأ معظم المصابين برؤية بقع داكنة أو خطوط متعرجة، في حين يصاب قرابة 10% منهم بعدم القدرة على الكلام بوضوح، أو يشعرون بتنميل أو ضعف في أحد جانبي الجسم. تبدأ هذه الأعراض بالتراكم تدريجيًا، لكنها عادةً لا تدوم أكثر من ساعة ثم تختفي ويتبعها ألم في الرأس.
مع أن أعراض هالة الشقيقة تشبه أعراض السكتة الدماغية، فإنها تميل إلى أن تحدث ببطء على مدى دقائق، في حين تحدث أعراض السكتة عادةً على نحو فوري. قد يصعب على الأشخاص غير المتخصصين التفريق بين الحالتين، لا سيما في أثناء حدوث الأعراض، لذا ينبغي طلب المساعدة فورًا حال وجود أي شكوك.
الشقيقة في أثناء الحمل وسن انقطاع الطمث
قد تزداد حدة الشقيقة لدى النساء الحوامل، تحديدًا في الثلث الأول من الحمل، أي في الوقت الذي تزداد فيه أيضًا إصابتهن بالغثيان الصباحي، ما يؤثر في تناولهن الطعام والنوم وشرب الماء، من ثم يزداد خطر إصابتهن بالشقيقة.
لحسن الحظ، يقل معدل الإصابة بالشقيقة وحدّتها إلى درجة أنها تختفي تمامًا لدى بعض النساء مع تقدم الحمل، لكنها تزداد بعد الولادة لدى النساء اللاتي يتعرضن إليها في أثناء الحمل. يُعزى ذلك إلى انخفاض مستويات الهرمونات والحرمان من النوم والتوتر والجفاف وعوامل بيئية أخرى مرتبطة برعاية الرضيع.
قد تزداد نوبات الشقيقة أيضًا قرب سن انقطاع الطمث، أي في أثناء المرحلة الانتقالية التي تسبق انقطاع الطمث، ويرجع هذا مجددًا إلى تذبذب الهرمونات خاصةً الإستروجين، إلى جانب الألم المزمن والاكتئاب واضطرابات النوم التي تحدث في ذلك السن.
ثم تقل نوبات الشقيقة مع تقدم سن انقطاع الطمث، وتختفي تمامًا في بعض الحالات. لدينا في الوقت الحالي العديد من العلاجات التي تساعد على تخفيف وتيرة وحدّة نوبات الشقيقة في أثناء سن انقطاع الطمث، ومن ضمنها العلاج بالهرمونات البديلة، إذ تُستخدَم هرمونات جنسية أنثوية بديلة عندما تقل كمية إنتاجها في الجسم في السنين التي تسبق انقطاع الطمث أو بعده.
الشقيقة لدى الرجال
يزيد معدل الشقيقة وشدتها قليلًا لدى الرجال في بداية سن العشرينيات، ثم تقل، وتصل إلى ذروتها مجددًا حول سن الخمسين، بعدئذ تصبح أقل أو تتوقف كليًا. لم يكتشف العلماء بعد سبب حدوث ذلك، لكن قد تساهم فيه عوامل جينية وبيئية وأسلوب الحياة.
لا يزال أمامنا الكثير لاستكشافه حول سبب إصابة النساء والرجال بالشقيقة، ولا يقتصر فهمنا للفروق بين الجنسين على دعم النساء فقط، بل إنه يساهم أيضًا في تعزيز فهم الشقيقة عمومًا ويفسح المجال نحو تطوير علاجات أفضل لهذا الاضطراب في المستقبل.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :