حقائق نيران المناخ صادمة ومسكوت عنها
أحمد مغربي
“تخلَّى عن كلّ أمل، أيها الداخل هنا”! إنّها كلمات معروفة تستهلّ وصف الجحيم في الملحمة الشعرية “الكوميديا الإلهية” للإيطاليّ دانتي أليغري.
وحينما تذهلك نيران حرائق الغابات التي باتت معلماً متفاقم المأساوية في التغيير المناخي المعاصر، حاول أن “تخفّف” عن نفسك على طريقة جحيم دانتي، وليس جزافاً أن استُعمِلَت تلك الكلمة في وصف الأمين العام للأمم المتّحدة أخيراً، عن حرارة الأرض.
إذاً، لنتذكّر بعض المعلومات الأساسيّة والصادمة عن المناخ والتي لا تُتداول كثيراً، فكأنها مسكوت عنها.
أوّلاً، إنّ توقّف كلّ انبعاثات غازات التلوّث لا يوقف ظاهرة الارتفاع المتفاقم في حرارة الأرض!
ثانياً، حتى لو وصلنا بضربة عصا سحريّة إلى مستوى صفر تلوّث بالغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ، فسوف تستمرّ معاناة الأرض من خلال الكوارث المرتبطة بالارتفاع المَرَضي في حرارتها، بما في ذلك تكرار ضربات النيران الجامحة، لمدّة قرن أو أكثر.
ثالثاً، على عكس تباكيها المألوف في المؤتمرات العالمية، فإنّ الضرر الذي ألحقته الدول الصناعيّة الكبرى (خصوصاً الغربية) بالمناخ غير قابل للزوال في المدى المنظور، ولربما لن يختفي أبداً.
وربما تستفيد من تلك المعطيات شبه المسكوت عنها حينما تستمع إلى تغطيات إعلامية عن المناخ، ولعلّها تفسّر أيضاً اكتظاظ تلك التغطيات بمصطلحات كـ”التخفيف” و”التأقلم” والتخفيف” وغيرها.
مثلاً، يجري الحديث عن ضرورة لجم الزيادة في ارتفاع حرارة الأرض عن 1.5 و2 (درجة مئوية) عمّا كانت عليه قبل الثورة الصناعية. لكن، ماذا عن العودة إلى ما قبل تلك الثورة التي اشتعلت نيران مصانعها منذ القرن التاسع عشر، ولم تهدأ حرارة مصانعها اللافحة حتى الآن؟ هل بات ذلك مستحيلاً؟ وإذا صحّت تلك الاستحالة، فأيّ معنى لإخفاء ذلك، مع ضجيج هائل لشروحات تنأى عن تبيان الخلفيات المرعبة التي تتضمّنها؟ بدلاً من ذلك، يروج ضجيج تتوزع مروحته بين “نظرية المؤامرة” (دول وشركات وأموال و…) لتصل إلى الحديث عن تفاصيل منتزعة من سياقها العميق على غرار إعادة التدوير وبصمة الفرد من الكربون والوقاية من ارتفاع مستويات المسطحات المائية وغيرها.
عن الاحتباس الحراريّ المتفاقم
استكمالاً، من الوقائع غير المسكوت عنها أنّ الاحتباس الحراري مستمرّ في التفاقم والتصاعد.
وفي العام 2015، ظهر بحث جريء أنجره فريق بقيادة البروفيسور جايمس هانسن، من “جامعة كولومبيا” الأميركيّة. ولاحقاً، اشتُهر ذلك البحث بسبب جرأته وحديثه الواضح عن الأسس العلمية لتغيّر المناخ، خصوصاً ظاهرة الاحتباس الحراري المتفاقم.
بداية، لنتذكر أنّ الاحتباس الحراريّ له الفضل في إخراج الأرض من العصور الجليدية المتتالية، وبالتالي، فإنّه ظاهرة طبيعية أساساً. ولكن، ما يتسبّب في الكوارث المتعلقة بالمناخ، هو تفاقم الاحتباس وتصاعد حرارته، ما هو الدفء الذي احتضن حضارة الإنسان إلى جحيم يهدّد بالتهامها!
وقد موَّلَتْ وكالة “ناسا” دراسة البروفيسور هانسن التي نشرت على موقع مجلة “بلوس” التي ترعاها “المكتبة العلمية للإنترنت”.
واستناداً إلى تلك الدراسة ومثيلاتها، من المستطاع إعطاء وصف مبسّط عن الاحتباس الحراري المتفاقم.
وباختصار، يدخل ضوء الشمس الغلاف الجويّ محمّلاً بكميات ضخمة من الحرارة التي تمتصها يابسة الأرض ومحيطاتها، قبل أن يرتد الفائض منها إلى الغلاف الجوّي حيث يعمل على تسخين الطبقات العليا الباردة فيه، والتي هي على تماس مباشر مع الفضاء الكوني البارد. وبالتالي، يأخذ ذلك الفضاء تلك الحرارة “المستجدّة” من الهواء المُسخّن الذي يعود إلى حالة البرودة، وتتخلّص الأرض من الحرارة الفائضة. وبالنتيجة، تبقى الأرض محتفظة بالدفء الذي يسهم في مسار الحياة والحضارة عليها.
الثورة الصناعيّة وانفلات مارد الحرارة
إذاً، يتعلّق الاحتباس الحراري بتوازن ضخم بين الكرة الأرضيّة بما فيها ومن عليها، وبين الغلاف الجوي وطبقاته ومكوّناته، والفضاء الكونيّ الذي تسبح فيه الأرض.
في المقابل، تضرّر الاحتباس الحراري المتوازن مع الثورة الصناعيّة التي انطلقت في دول الغرب في القرن التاسع عشر. ومع دخان المصانع والمواصلات الناجم أساساً من حرق الوقود الأحفوري (فحم حجري، ونفط وغاز)، تراكمت غازات التلوّث في الغلاف الجوي، وكوّنت ما يشبه الزجاج المعتم الذي يسمح لضوء الشمس وحرارتها بالوصول إلى الأرض، لكنّه يمنع خروج موجات الحرارة الفائضة من الارتداد إلى الفضاء عبر الغلاف الجوّي.
وبالتالي، تراكمت الحرارة تحت ذلك السطح الزجاجيّ المعتم، وشرعت في تسخين الكرة الأرضيّة وغلافها الجوي. وبالتالي، تحولت آلية الدفء الحراري إلى حرارة لاهبة تتصاعد باستمرار، مع بعض التقلّب المتأتّي من تعدّد العناصر التي تتداخل مع ظواهر المناخ.
واستطراداً، تمثّل ما لم يظهر أيّ تقلّب بثبات أحوال الطقس المتطرّف، برودةً وسخونةً واستمرار تمدّده في أرجاء الأرض.
ويكفي إلقاء نظرة على أخبار الحرائق لملاحظة أنّها مسبوقة دوماً بأحوال مناخ قائظ غير مسبوق، يؤدّي إلى جفاف وسخونة يمهدان الطريق لاندلاع حرائق ضارية. وليس ما عانته اليونان من حرائق غابات باتت تكرّر كلّ صيف في السنوات الأخيرة، سوى مثل عن ذلك الجحيم المتفاقم الذي ضربت بعض نيرانه كندا عام 2023 والولايات المتّحدة عام 2024.
حرائق لبنان الكارثية بالأرقام… تطرّف المناخ يفاقمه الفوسفور الإسرائيلي
بتول بزي
يجهد لبنان للحفاظ على رئته الطبيعية الخضراء بمواجهة موجة من ال#حرائق المستعِرة التي تُهدّد غطاءه الحرجيّ في الآونة الأخيرة. فالعوامل المناخية المتطرّفة التي بدأت تُثقل على فصول البلد الأربعة، تترافق مع “مجزرة بيئية” بالفوسفور الإسرائيلي حرقت #غابات #الجنوب وأحراجه وأراضيه الزراعية، منذ تسعة أشهر، وسط خطر حقيقيّ يُهدّد بتغيير معالمه الطبيعية.
منذ منتصف حزيران، سيطرت على البلد موجة حرّ استثنائيّة أدّت إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، مقارنة بالفترة ذاتها خلال العشريّة الأخيرة، لا سيّما أنها ترافقت مع نسبة رطوبة عالية زادت الشعور بالحرّ، ممّا يُمهّد لصيف حارّ لم يعتَد عليه اللبنانيّون سابقاً.
مقارنة بالمواسم السابقة، يكشف الرصد الموسميّ لبرنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند عن أنّ أشهر تموز وآب وأيلول ستشهد ارتفاعاً في الحرارة أعلى من معدّلاتها السنوية، وإن بنسبة أقلّ حدّة من شهر حزيران. موجات الحرّ هذه تُشكّل الفتيل الرئيسيّ لاندلاع الحرائق في المناطق الحرجيّة، حيث تتضاعف نسب تمدّدها وخطورتها إذا ما ترافقت مع عوامل أخرى، منها بشريّة، وأخرى مرتبطة بسرعة الرياح وجفافها.
ماذا نعرف عن موسم الحرائق في لبنان؟ وكم بلغت نسبتها هذا العام؟ وكيف يبدو الواقع الحرجيّ اليوم في ظلّ خطر الحرائق المدمّرة؟
“لبنان يحترق”
شهد لبنان في تشرين الأول 2019 إحدى أضخم موجات الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة من أحراج الشوف وإقليم الخروب وعكّار. وقد تصدّرت عبارة “لبنان يحترق” المشهد حينذاك، بسبب فظاعة الدمار الكبير، الذي حلّ بالثروة الحرجيّة.
هذا العام، يُمكن للبنان تجنُّب الحرائق المستعرة برفع مستوى الوعي لدى المواطن، في الوقت الذي لا يزال البلد معرّضاً لموجة حرائق كارثيّة، لا سيّما إن لم يكُن هناك استجابة سريعة من الهيئات المختصّة.
الحرائق بالأرقام
تكشف أرقام جامعة البلمند، التي حصلت عليها “النهار”، تراجعاً في معدّل الحرائق بين عامَي 2021 و2023 بنسبة 90 في المئة عن المعدّلات السنوية للأراضي المحروقة، وهو ما تسعى وزارة البيئة اليوم إلى المحافظة عليه، بالرغم من أنّ الوضع الكارثي في الجنوب يفرض نفسه على مستويات الحرائق الوطنية عموماً.
الطقس المتطرّف هذا العام عزّز من عدد الحرائق مقارنة بالسنوات السابقة. باستثناء الجنوب، يُشير التقدير الأوّلي إلى أن مساحة الحرائق في الأراضي اللبنانية وصلت إلى حدود الـ500 هكتار منذ كانون الثاني، وأغلبيتها سُجّلت في حزيران، إلّا أنّنا “لا نزال تحت المعدلات الموسمية التي سُجّلت ما بين عامَي 2019 و2021، إذ إنّ حريق الغابات في القبيات عام 2021 كان الأكبر والأشدّ، وأتى على مساحات حرجية واسعة حينها”، وفق ما يؤكّد الدكتور جورج متري، مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية، في جامعة البلمند.
في حديث لـ”النهار”، يرى متري أنّنا “نشهد اليوم وتيرة تصاعدية أعلى من الحرائق التي تشتعل تباعاً”، فيما يعتبر أنّ المعدّل “لا يزال مقبولاً نسبيّاً وبشكل إجمالي، فيما المشهد في الجنوب كارثي”.
بحسب الإحصاء، وصل إجمالي المساحات المحروقة في لبنان عام 2022 إلى 350 هكتاراً، ثمّ ارتفع عام 2023 إلى 700 هكتار، وذلك من دون احتساب الحرائق في الجنوب منذ بداية الحرب في العام الماضي.
أمّا المناطق الأكثر عرضة للحرائق في لبنان فهي المناطق الحرجية والعشبية في محافظة عكار، حيث تتسبّب بها نشاطات مفتعلة في مكبّات النُفايات وفي ميدان المخلّفات الزراعية، فيما سُجّلت بعض الحرائق الأخرى في محافظة جبل لبنان في بؤر تحتوي على موادّ قابلة للاشتعال.
حرائق الفوسفور في الجنوب: دمار هائل في المناطق الحرجيّة
يرزح الجنوب تحت خطر اندثار الأراضي الحرجيّة والمحميّات الطبيعيّة يوماً تلو الآخر، وهو الذي يعاني تاريخياً من ضعف غطائه النباتي. بتنا أمام “مجزرة بيئية” لم يشهد البلد لها مثيلاً منذ عقود، نتيجة اتّباع الجيش الإسرائيلي سياسة “الأرض المحروقة” للقضاء على الغطاء النباتيّ، متوسّلاً القصف بالقنابل الفوسفورية، وإحراق مناطق حرجيّة حسّاسة جدّاً، خاصة في علما الشعب، الناقورة، يارون ومنطقة اللبونة.
تحوّلت مساحات شاسعة في جنوب لبنان إلى رماد منذ بدء الحرب. وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية أنّ الحرائق تخطّت الـ4300 هكتار. الخطر الأكبر يكمن في الوضع المتغيّر حتى الآن، بحسب متري، الذي يؤكّد أنّ “الرقم قد يرتفع إذا ما استمرّت إسرائيل على هذه الوتيرة من القصف، وقد نتخطّى الـ5 آلاف هكتار، في حصيلة لم يشهدها لبنان ككلّ سابقاً”.
بحسب جهاز “#الدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية” الحاضر ميدانيّاً في الجنوب، استهدفت القوات الإسرائيليّة بالفوسفور المناطق الحرجيّة الممتدة من الناقورة حتّى كفرشوبا، على طول الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان بطول أكثر من 100 كليومتر، وبعرض يبلغ حوالَي 5 كيلومترات. ويؤكّد مسؤول قسم الإطفاء، صادق حميّة، أنّه “تمّ القضاء على أحراج هذه البلدات بأكملها، بما فيها الثروة النباتيّة من شجر الزيتون والصنوبر والسنديان واللزّاب والبلوط”.
كانت نسبة الحرائق هذا العام استثنائية، فموجة الحرّ التي ضربت لبنان تزامنت مع القصف الإسرائيليّ بالمواد الحرارية والبالونات الحارقة، “إذ لا نكاد ننتهي من إخماد حريق في بلدة ما، وننتقل إلى أخرى، حتّى تعمد إسرائيل إلى إعادة إشعال الحريق ثانية”، وفق حميّة.
في ظلّ احتدام الحرب جنوباً، يواجه عناصر الإطفاء ظروفاً خطرة جدّاً، لا سيّما في مواجهة حرائق الفوسفور. ويشرح حمية لـ”النهار” بأنّ “المادّة الكيميائيّة التي تحتوي عليها القذائف الفوسفورية مؤذية وحارقة، وقد تصل حرارتها إلى أكثر من 800 درجة مئوية”، لافتاً إلى أنّ “التعرّض لها قد يُسبّب حروقاً من الدرجة الرابعة وصولاً حتى العظم”، ناهيك بـ”الآثار السامة للغازات المنبعثة من حريق الفوسفور، والتي تؤذي جهاز التنفّس، وتؤدّي إلى تهيّج حادّ لدى الإنسان، فضلاً عن غيرها من الآثار الصحيّة بعيدة الأمد”.
إذن، تستدعي الحرائق المستعرة في الجنوب، وسط ظروف أمنية دقيقة، تنسيقاً على أعلى المستويات بين الدفاع المدنيّ اللبنانيّ والدفاع المدنيّ في “الهيئة الصحّية الإسلامية”، إذ يؤكّد حمية أنّ “العميد ريمون خطار وإدارة العمليات حريصون على الوقوف إلى جانبنا يومياً، لكنّ الظروف الميدانيّة تحكم أحياناً بتدخّل الهيئات الإسلاميّة، بالتنسيق مع الجهات الحزبيّة، في البلدات الأكثر عرضة للقصف”.
الدفاع المدني اللبناني: جاهزية تامّة
يرفض الدفاع المدنيّ اللبنانيّ ربط الحرائق بالطقس فقط، بل يشير إلى الحرائق المفتعَلة، التي قد يكون سببها تجّار الحطب، أو مواطنون انتشروا في نزهات شِواء، إضافة إلى حملات التشحيل والتنظيف الموسميّة للأراضي الزراعيّة المتاخمة للمنازل عبر إحراق الأعشاب اليابسة.
يوميّاً، يتلقّى الدفاع المدنيّ عشرات الاتصالات التي تُفيد باندلاع حرائق على أنواعها، فبعضها محدود، فيما تستعر أخرى سريعاً وصولاً إلى تهديد المنازل والسكّان. وفق أرقام الدفاع المدنيّ التي حصلت عليها “النهار”، نفّذ العناصر آلاف المهمّات منذ بداية العام: 3500 مهمّة للتدخّل وإطفاء حرائق الأعشاب، 250 مهمّة في الأحراج، مهمّات مرتبطة بحرائق النفايات القريبة من الأشجار والغابات، 82 مهمّة لحرائق في الأشجار المثمرة، إضافة إلى حرائق المزروعات الموسميّة.
بحسب متابعة رئيس قسم التدريب في الدفاع المدنيّ، نبيل صالحاني، فإنّ “حدّة الحرائق قد تختلف بين منطقة وأخرى بفعل عوامل عديدة”، متسائلاً عن “اندلاع بعضها ليلاً مع غياب أشعة الشمس، مما يُعزّز فرضيّة التدخّل البشريّ”. ويؤكّد صالحاني لـ”النهار” أنّ “العميد ريمون خطّار أصدر مذكّرة برفع الجاهزيّة في جميع المراكز، فيما وُضِع الموظّفون والمتطوّعون في حالة استنفار للتدخّل عند أيّ طارئ بأسرع وقت”.
التحدّي الأكبر يكمن في الحرائق المندلعة في المناطق الجرديّة والمرتفعات، حيث يصعب الوصول إليها برّاً، سواء على مستوى الأفراد أو الآليات، ممّا يستدعي اللجوء إلى طوّافات الجيش، ووضع الأجهزة الأمنيّة قدراتها بتصرّف المديريّة العامّة للدفاع المدنيّ.
خسائر لبنان البيئيّة والزراعيّة هائلة جرّاء الحرائق الطبيعية المرتبطة بالطقس والجفاف والتغيُّر المناخيّ، لكن العدوان الإسرائيليّ عمّق الأزمة البيئيّة، وزاد من خطر تحوُّل الأراضي الصالحة للزراعة إلى أراضٍ قاحلة، بل يُهدّد بخسارة المزيد من الغطاء النباتيّ على طول الحدود اللبنانية.
إجراءات استباقية وقوانين رادعة في الجزائر
نبيل سليماني
مع دخول فصل الصيف، رفعت الحكومة الجزائرية درجات تأهّبها لمواجهة حرائق الغابات، في محاولة لجعل صيف 2024 مخالفاً للسنوات الماضية، حين سجّلت البلاد حرائق بالجملة، راح ضحيتها العشرات إضافة إلى تكبّد البلاد خسائر مادية فادحة.
وفي مخطط استباقي، جُنّد 20 ألف رجل في الدفاع المدني، ورُفع عدد الثكنات في مختلف المناطق القريبة من الغابات، وأنشئ أكثر من 500 وحدة تدخّل، إضافة إلى مضاعفة عدد الطائرات المستخدمة لإخماد الحرائق. فقد أعلن وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد في نيسان (أبريل) الماضي عن استلام 5 طائرات جديدة لإخماد الحرائق، سعة كل واحدة منها 3000 لتر، كما تمّ استئجار 12 طائرة أخرى من نوع “R Tractor”، بحسب تأكيد قيادة الدفاع المدني الجزائري.
على غير عادة، كان التجهّز في هذا العام مبكراً، إذ اعتمدت البلاد خريطة طريق للوقاية من حرائق الغابات ومجابهتها ومكافحتها منذ شباط (فبراير) الماضي، بتنظيم الندوات واللقاءات التوعوية، توجّهت إلى الفاعلين والمواطنين من جميع الفئات، وشملت سكان المناطق الغابية والفلاحين وهواة التخييم وغيرهم.
تكتيك التدخّل الأولي
على رغم هذه الإمكانات والمخططات الاستباقية، البلاد ليست في منأى من نشوب الحرائق في مختلف المساحات الغابية، التي تتسع ملايين الهكتارات.
وتشهد الجزائر ارتفاعاً محسوساً في درجات الحرارة خلال تموز (يوليو)، ما يتسبّب عادة في اندلاع الحرائق في محافظات عدة. وتقول الإحصاءات إن الأسبوع الأول من تموز (يوليو) الجاري سجّل اندلاع 10 حرائق على الأقل في محافظات شرق البلاد، أدّت إلى تلف العديد من المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة
كذلك، سُجّل منذ أيار (مايو) الماضي اندلاع العديد الحرائق، أبرزها حريقا ورقلة في جنوب البلاد وباتنة في شرقها، أدّيا إلى إتلاف 178 هكتاراً من الغابات و18 ألف نخلة و10 آلاف شجرة مثمرة، بحسب إحصاءات الدفاع المدني الجزائري.
المتغيّر في هذا العام هو السرعة والفعالية العالية في إخماد الحرائق، وعدم تسجيل أي خسائر بشرية. يقول نسيم برناوي، مدير الإعلام في الدفاع المدني الجزائري، لوكالة الأنباء الجزائرية، إن اعتماد تكتيك التدخّل الأولي “مكننا من تحقيق فعالية عالية في عمليات إخماد الحرائق عند نشوبها”.
اللافت في هذا العام هو امتداد الحرائق نحو الجنوب، حيث طالت النيران ورقلة والمنيعة والمسيلة وتيميمون.
ففي محافظة ورقلة، أتى حريق كبير على واحات من أشجار النخيل في مختلف مناطق المحافظة، وتسبب في وقوع خسائر فادحة، بسبب امتداده إلى المخازن وحظائر الحيوانات، ما استدعى تدخّل الدفاع المدني مدعوماً بوحدات من الجيش الجزائري.
بعيداً من عوامل الحرارة والتغيّر المناخي، وعلى رغم من عدم المباشرة بأي تحقيق أمني للبحث في أسباب الحرائق الأخيرة إلى الآن، فإن متابعين لا يستبعدون ضلوع “عامل بشري” في هذه المسألة، بعدما اعتقل الأمن الجزائري في السنوات السابقة مشتبهاً فيهم، أثبتت التحرّيات تورطهم في اندلاع الحرائق.
قضائياً، سنّت الجزائر ترسانة من القوانين منذ استفحال ظاهرة نشوب الحرائق صيفاً قبل سنوات قليلة، منذ أن أثبتت التحرّيات الأمنية عنصر الإجرام فيها. ويعاقب بالسجن المؤبّد كل من يضرم النار عمداً للاعتداء على البيئة والمحيط وإتلاف الثروة الغابية والحيوانية، وبالسجن بين 10 أعوام و15 عاماً مع غرامة مالية، كل من يتسبّب عمداً في اشتعال النار في أشياء، سواء كانت مملوكة له أم لا، كانت موضوعة عن قصد بطريقة تؤدي إلى امتداد النار للأملاك العمومية والخاصة.
وتعوّل الحكومة الجزائرية على أن تكون العقوبات رادعاً حقيقياً لكل من تسوّل له نفسه إضرام النار بشكل أو بآخر في المساحات الغابية أو الأشجار أو غيرها، لتقليص حجم الحرائق والحدّ من خسائرها.
نسخ الرابط :