نشرت القناة السابعة العبرية أن الحقيقة التي يبدو وفقها الجيش الإسرائيلي راغبًا بالتخلّص من البطاطا الغزية الساخنة الموجودة بين يديه مثيرة للقلق، إنّها تدلّ بأنّه حتى الآن متمسّك، بفرضيّات غير مهنيّة.
وزير الخارجيّة الأميركيّ بلينكين صادق تمامًا في انتقاده أنّ “الإسرائيليين يدخلون إلى أماكن، يخرجون- تنشأ فوضى وحماس تعود”.
نَتجت هذه الفوضى لأنّه كما قبل الحرب وخلالها، يعمل الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بخلاف مطلق لمبادئ الحرب وقواعدها العالميّة ولنظرياتها المعياريّة.
من الهدف السياسيّ الذي نُقل للجيش الإسرائيلي “إعادة الحياة في الجنوب إلى مسارها عبر إزالة التهديد من القطاع”، إشتُقّت مهمّته في القطاع: ‘هجوم، إحتلال، قضاء على أقصى عدد من مخربين، وسائل قتالية ووسائل تصنيع وسائل قتالية وأنفاق’، إحراز المهمّة العسكريّة معناه تحقيق الهدف السياسي، ‘إزالة التهديد وإعادة الحياة إلى مسارها’.
كاشتقاق من مهمّته كان على الجيش الإسرائيلي العمل في القطاع كما في كلّ حروبه السابقة، على ضوء نظريّة الهجوم التي مبادئها هي: سيطرة سريعة على الأرض، إستعداد سريع لحمايتها من هجوم مضادّ محتملّ للعدوّ، أو من عودة جنود عدوّ منفردين، تطهير المنطقة التي احتُلّت من العدوّ، من الوسائل القتاليّة وفي حالة القطاع، أيضًا من الأنفاق والاهتمام بالشريحة السكانية المدنية عبر جهات إدارة عسكرية. إدارة عسكرية في أرض محتلّة هي جزء لا يتجزّأ من نظريّة المعركة الهجوميّة القياسيّة للجيش الإسرائيلي، التي طُبّقت في حروب الماضي.
ظاهرة ترك مناطق احتُلّت، من أجل الإستعداد من خارجها ومن هناك العودة إليها من حين لآخر إلى توغّلات لا توجد أيّة قاعدة نظرية وأي منطق عملانيّ، من الظاهرة يبدو أن الجيش الإسرائيلي ربّما أنجز مهمّته، ليس كهجوم لاحتلال القطاع من أجل تطهيره من التهديد، بل كتوغل إلى داخله من أجل عمل انتقامي، مثل عملياته السابقة الأقل عمقًا، التي كانت عقيمة إنجازات عسكريّة وسياسيّة حقيقيّة: الجرف الصّلب، حارس الأسوار والرصاص المسكوب وفي عام 2006 حرب لبنان الثانية.
في القطاع بقي آلاف المخربين وبقيت مئات كيلومترات الأنفاق التي لم تُكشف بعد، الخروج من المناطق التي احتُلّت، مع العلم أنّها ستمتلئ من جديد بالمخربين وستكون هنالك حاجة لإعادة احتلالها في قتال شاقّ، أمر غير أخلاقي، يخالف مبادئ الحرب، مهمّة الجيش الإسرائيلي، الهدف السياسي للمعركة ويتّضح أنّه يخالف أيضًا المصلحة الأميركيّة.
العائق المهني الخطير هذا ينضمّ إلى سلسلة طويلة من عوائق مهنيّة تأسيسيّة منذ يوم “ما قبل القتال” وفي أيام حصولها: إستبدال عقيدة الحسم المادي السّريع المعياري للجيش الإسرائيلي بعقيدة ردع لتغيير رغبة ووعي العدوّ، حتى دون التغلّب عليه ماديّا، إعتماد حماية غرب النقب عشيّة 7 تشرين الأول على الحصول على تحذير استخباراتي مسبق، بدل استعداد مسبق خاصّ بشعبة العمليات، لمنع حسم في حالة مفاجأة بسبب إخفاق متوقّع للاستخبارات في التحذير.
في الهجوم على القطاع، فشل استناده إلى فكرة تهدف إلى مفاجأة حماس وبالتالي التسبب بتفكيكها التنظيمي، بدل من استنادها كما يتطلّب الأمر مهنيّا، إلى فكرة ماكرة للتغلب عليها فورًا في بداية المعركة؛ يجب أن نضيف إلى ذلك فشل التجاهل غير المنطقي لعامل مؤثر’الوقت’ ولمبدأ ‘التعاقب والاستمراريّة’ طوال كلّ أشهر الحرب، إلى تغاضي الجيش الإسرائيلي عن حاجات المرفق والمجتمع وعن جنود الإحتياط الذي فُرضت عليهم الخدمة في حرب استنزاف لا تتحكّم إسرائيل بمدّتها، ولا سابقة لها.
حيال بقية الإخفاقات المهنية الخطيرة، التي أيضًا قضيّة المخطوفين المعقّدة لا تبرّرها، دعوة رئيس هيئة الأركان العامة المستوى السياسي لأن يتّخذ قرارًا الآن بشأن من سيسيطر على القطاع في “اليوم التالي” غير منطقيّة، إلا في حال كان المستوى السياسي هو من يمنع الجيش الإسرائيلي من تشغيل إدارة عسكريّة.
الحقيقة التي يبدو وفقها الجيش الإسرائيلي راغبًا بالتخلّص من البطاطا الغزيّة الساخنة الموجودة بين يديه مثيرة للقلق؛ إنّها تدلّ على أنّه ما يزال عالقًا، كما في تقديرات مهنيّة مدحوضة أخرى له، أنّه في الحرب ‘الجديدة’ فإنّ السيطرة على ميدان (معاد) هي في حقبة التكنولوجيات العسكرية المثيرة، عديمة الأهمية العسكرية.
أمر واضح كالشمس: نقل السيطرة في القطاع في وضعه الحالي، غير المطهّر من المخرّبين والأنفاق (مدّة تفريغه تُقدّر بعامين) إلى أيدي أجنبية – “بديل لحماس”، لأن مصلحة مستوطنات غرب النقب هي الأمر الأخير الذي يقف نصب أعين أصحابها، هي مقامرة ومراهنة- مثل المقامرة التي وفقها العدوّ مردوع، التي اعتمدت عليها ‘حماية الدولة’ قبل 7 تشرين الأول والتي بسببها لم يستعدّ الجيش الإسرائيلي مسبقًا لاحتلال القطاع ومثل القرار 1701 الذي ثبّت حزب الله على أعتاب أبواب منازل مستوطنات الحدود مع لبنان.
مهنيّا، يتوقّع من رئيس هيئة الأركان العامة أن يتحمّل المسؤولية ليس فقط عن إخفاقات الحماية في 7 تشرين الأول، بل أيضًا عن إخفاقات الهجوم إلى داخل القطاع وكإثبات حقيقي لنيّته إصلاح الإخفاقات، سيجنّد في الحال نخبة الأدمغة المهنيّة، الأقليات المتوارية في داخل الجيش الإسرائيلي وآخرون متواجدون خارجه، يمكنهم طرح معالجتهم.
ملتزمًا فقط باعتبارات عسكرية مهنيّة، على رئيس هيئة الأركان العامة الطلب من المستوى السياسي أن يؤسّس لـ “اليوم التالي” في القطاع وفي كلّ مكان بعد أن يحتلّه الجيش الإسرائيلي من أجل تطهيره من جهات إرهابية مقيتة، حصريّا تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية كاملة بما في ذلك حكم عسكري، كما هو مطلوب وفقا للعقيدة والقانون.
هذا إلى أن يصبح مقابل انتصار إسرائيلي واضح لا يقبل التأويل ولا الطعن في المعركة العسكرية، من الممكن إحراز انتصار واضح ولا الطعن في المعركة السياسية “في اليوم التالي”: تسويات دائمة لنهاية الحرب ولسوء الحظّ، تسويات مؤقتة ستمنح إسرائيل تفوقا عملانيا واضحًا على العدوّ وعقب ذلك قدرة عملانية مؤكدة لمنع تجدّد التهديد ولذلك، سيطرة حقيقيّة بمنع جولة قتال إضافية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :