كتب وليد حسين في المدن:
فجأة ومن دون مقدمات، وفي وقت ترفع فيه مطالب لإعادة النظر ببنية الجامعة اللبنانية، وليس تعديل بعض قوانينها، تقدم النائب بلال عبدالله، منذ يومين، باقتراح قانون يرمي إلى تعديل المادتين 17 و32 من القانون رقم 75 إعادة تنظيم الجامعة اللبنانية الصادر في العام 1967، واضافة مادة جديدة إليه.
القانون بالشكل إصلاحي، لأنه يعيد لمجلس الجامعة صلاحية تفريغ الأساتذة، التي يتولاها مجلس الوزراء منذ العام 1997، في عهد الرئيس الأسبق أسعد دياب، ويوسع صلاحية مجالس الوحدة لبت ترشيحات التفرغ. صحيح أن حصر صلاحية التفرغ بمجلس الوزراء، بمثابة "سطو" على صلاحية مجلس الجامعة، إلا أن "الإصلاحات" المقترحة لا يعني أنها ستضع الجامعة على "السكة الوطنية"، وتعيد لها دورها كجامعة وطنية مستقلة. فأغلب الظن أن هذه الإصلاحات تأتي من باب "بالزكزكة" الحزبية.
نقاط التعديل والحشو
في تعديل القانون المقترح ثمة نقطتان تبدوان أنهما لتحقيق توازن على مستوى تحديد صلاحيات رئاسة الجامعة ومجلس الجامعة، وتوازن مماثل بين مجلس الجامعة والحكومة على مستوى التفرغ. فقد أضيفت فقرة على المادة 17 من القانون وهي "يتولى مجلس الجامعة إبطال القرارات التي يتخذها رئيس الجامعة إذا كانت تتنافى مع الأنظمة والقوانين المعتمدة، وذلك بالأكثرية المطلقة". وأضاف تعديل "المادة 17 مكرر" وتنص أنه "عند الحاجة، تسدد أجور ومخصصات الأساتذة الذين قرر مجلس الجامعة قبول ترشيحاتهم للتفرغ، في السنة الأولى التي يصدر خلالها هذا القانون، من خلال سلف خزينة، وعلى مجلس الجامعة أن يحدد في موازنته التالية حاجات الجامعة السنوية للتفرغ".
لكن التعديل الأول لا يعد إلا إنه بمثابة "حشو" كلمات، للقول إن تعديل القانون أتى ليحد من صلاحية رئيس الجامعة. بينما في حقيقة الأمر يستطيع مجلس الجامعة إبطال أي قرار للرئيس يتنافى مع القوانين والأنظمة. أما المادة المضافة، فهي بمثابة "تطمين" للحكومة بأن لها دوراً في التفرغ، الذي سينتزع منها، طالما أن الأمر بحاجة لسلفة خزينة. لكن واقعياً الحصول على سلفة خزينة يفرض فرضاً على الحكومة في نهاية المطاف.
التعديل الأساسي على القانون الحالي يكمن في الانتقال من "ترشيح أفراد الهيئة التعلمية وسائر أفراد الملاك الفني" كما ينص القانون حالياً، ليصبح "البت بترشيحات تفرغ أفراد الهيئة التعليمية وسائر أفراد الملاك الفني المرفوعة من قبل مجالس الوحدات سنوياً". أي إعادة صلاحية التفرغ إلى مجلس الجامعة. كما أن التعديل يعطي صلاحيات لمجالس الوحدة من خلال تعديل بند "اقتراح عقود التفرغ والترشيحات للتعيين بناء على توصيات مجالس الفروع أو الأقسام في الكليات".
واقع الجامعة وتحللها
لكن المطلعين على واقع الجامعة يؤكدون أن مشكلة الجامعة ليست قانونية أو تحل من خلال تعديل القانون أو إصلاحه. فلا قانون ينقذها من التحلل الحالي. وبمعزل عن أن توقيت اقتراح هكذا قوانين، "لا تحمل صفة الضرورة"، ويأتي في مرحلة لبنان كله مهدد بالانحلال والزوال، إلا أن الإصلاح في الجامعة لا يبدأ بتعديل هذا القانون. بل يجب أن يسبقه وضع رؤية لدور الجامعة وماذا يريد اللبنانيون منها: صرح أكاديمي أم مرفق عام للتوظيف والمحاصصة؟ والتعديل المقترح للقانون هدفه يكاد يكون وحيداً: إعادة صلاحية التفرغ إلى مجلس الجامعة، في وقت لا المسيحيين ولا السنّة راضون عن واقع الجامعة الحالي.
طروحات حول مصير الجامعة
في الأوساط المسيحية ثمة اقتراحات لإنشاء ثلاث أو أربع جامعات لبنانية، مثل جامعات باريس، مستقلة عن بعضها البعض، وتشكيل الرؤساء مجلس أمناء موحد. ومنطلق هذه الاقتراحات رفض وجود جامعة مركزية، الهيمنة فيها لفئة بعينها. لكن هذا الأمر يواجه باعتراض الثنائي الشيعي لأنها بمثابة قضم للصلاحيات. أما في الوسط السنّي فالاعتراض على إعادة صلاحية التفرغ لمجلس الجامعة، أنه يعني تكريس التجاوزات التي حصلت في التعاقد مع الأساتذة وتكريس السيطرة الفئوية على الفروع، والتي تفضي إلى تشكيل مجلس جامعة شكلي وخاضع لرئاسة الجامعة. وقد وصلت إلى رئيس الحكومة ووزير التربية دراسة حول واقع الجامعة تظهر أنه حيث يوجد مدير فرع شيعي، نسبة التعاقد مع أساتذة شيعة هي خمسة على واحد، على حساب باقي الطوائف. بينما في الفروع التي يوجد فيها مدير مسيحي أو سنّي نسب التعاقد فيها متوازنة أو الخلل فيها ليس فاقعاً بين الطوائف. وعلى مستوى مدراء الفروع، فالخلل أكثر من فاقع. وعلى سبيل المثال، من أصل 13 فرع أول لمختلف الكليات في بيروت، يوجد عشرة مدراء فروع شيعة وأثنان سنّيان وواحد درزي. على أن الإشكالية الأساسية تكمن في كيفية التعاقد من دون شروط علمية وأكاديمية.
الحصول على تنازلات؟
أغلب الظن أن ثمة ضغوطاً تمارس من خلال اقتراح تعديل القانون، هدفها إعادة تحريك عجلات ملف التفرغ المتوقف بالفيتوات الحزبية الطائفية، ومحاولة انتزاع تنازلات من القوى السياسية الرافضة لتمدد "السيطرة الشيعية" على مرفق الجامعة.
صحيح أن الضغوط الحالية ليست شبيهة بتلك التي حصلت بملف التفرغ في العام 2014، إلا أن مؤداها متشابه، أي تفريغ متعاقدين بما يرضي الثنائي الشيعي. ففي العام 2014 أقر مجلس الوزراء ملف التفرغ بعد مقايضة حصلت لإعادة تعيين عمداء وتشكيل مجلس الجامعة. وفرّغ حينها مجلس الوزراء أساتذة لم يكن لديهم عقود في الجامعة في الأصل، وأسقطوا "بالباراشوت" ومن دون مراعاة أي شروط علمية للتفرغ. واليوم ربما المراد من التلويح بإعادة صلاحية مجلس الجامعة بالتفريغ، الحصول على تنازلات من القوى المسيحية والسنّية، ليس إلا. فغني عن البيان أن لا مقترح جدياً لإنقاذ الجامعة من أي طرف لبناني. ففي الأساس لا أحد ينطلق في مقارباته للجامعة من خلال مصلحة البلد والجامعة، بل منطلقه المحاصصة الطائفية والحزبية، ومحاولة دوزنتها. وعليه مصير مقترح تعديل القانون لن يختلف عن مصير ملف التفرغ في موته السريري.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :