قصة الحاج وفيق صفا مع الإمارات

قصة الحاج وفيق صفا مع الإمارات

 

Telegram

 

لم تغادر الإمارات العربية المتّحدة يوماً منطقة البحث عن دور مؤثر في لبنان. وإذا كان لقطر أن تؤثّر في أثناء تأثير السعودية وخلاله، وإذا كان مقدراً للرياض أن تُحافظ على نمط من علاقات مستقرّة على الرغم من كل التدخلات السلبية، فكيف لنا، نحن الإماراتيين، أصحاب المال والمشاريع الكبرى التي تستقطب مختلف صنوف الإغتراب اللبناني… كيف لنا ألا نستثمر بعلاقة أكثر تأثيراً، نصنع لأنفسنا مكاناً مستقلاً عن المحيط الخليجي ونرسم مع هذا البلد علاقات "أكثر دفئاً"؟ هذه التساؤلات والهموم، أنتجت خلال الفترة الماضية نمط انفتاح مختلف تخطّى الإصطفافات اللبنانية التقليدية نحو نسج علاقات وازنت بين أصدقاء وخصوم "حزب الله"، ثم قامت أبو ظبي بتطويرها على نحو بناء علاقات مع رجال أمن حاليين ومسؤولين أمنيين سابقين، ومع إعلاميين وصحافيين ووجوه، جعلت منهم "شبكة"، تتحرّك ضمن الهدف المرسوم.

في المستجد الأوضح، كان تدشين دخول الإمارات السياسي إلى لبنان من خلفية "المزاحمة" في الملف الرئاسي، من خلال تقديم اقتراح إماراتي بدفع إسم مدير المخابرات السابق جورج خوري، إلى واجهة المرشحين الرئاسيين. صحيح أن الرجل شكل تقاطعاً بين الإمارات والفاتيكان وفرنسا، لكنه سرعان ما سقط. ما أراده الإماراتيون، كان خلافاً لما أرادته باريس أو الفاتيكان. ما سعت إليه كان "تسجيل حضور" بين الخمسة الكبار من بوابة الملف الرئاسي، والحبل على الجرار.

إذاً لا بدّ أن تبدأ أي خطوة جدية من تصحيح مسار العلاقة مع "حزب الله"، بصفته طرفاً سياسياً مركزياً، وعبر إنهاء ملف، يستدعي اشتباكاً دائماً بين أبوظبي والضاحية. لذلك جاءت زيارة مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا إلى الإمارة الخليجية بناءً على دعوة رسمية ومن خارج السياق.

عملياً، تؤدي زيارة صفا مهمة الـ closing لاتفاقٍ شامل حول الموقوفين اللبنانيين في السجون الإماراتية. ويُفهم بالتالي أن الملف خضع لمسار طويل من النقاش والأخذ والرد. لكن ذلك وبأي حال، لم يجب عن سؤال أساسي حول متى يصبح الإتفاق نافذاً، مع ملاحظة أن الأطراف لا تريد اتفاقاً كيفما اتفق.

عملياً، بدأ مسار التفاوض الرسمي بين الحزب عبر صفا وبين الإمارات عبر أحد المسؤولين الأمنيين الكبار لديها، بعيد اندلاع معركة "طوفان الأقصى" ومن ثم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة. لا شيء يوحي أن تطورات الإقليم فرضت توقيت المباحثات، حيث أن التمهيد الفعلي كان قد بدأ قبل موعد السابع من أكتوبر. وبحسب معلومات "ليبانون ديبايت"، كان للجمهورية الإسلامية الإيرانية دوراً بارزاً وأساسياً في فتح الخطوط بين الضاحية الجنوبية وأبو ظبي نتيجة علاقة طهران المميزة والقوية معها. ترافق ذلك مع تبيان وجود مساعي من جانب الإمارة للإنفتاح على الحزب، مقابل استعدادٍ، أظهره الحزب لبدء مباحثات مع الإمارة الخليجية.

ما قاد لبناء هذا التصوّر، مشهدية رُسمت في أبوظبي، مفادها أن إدخال تحوّل إلى الدور الإماراتي في لبنان ليصبح مؤثراً، لا بدّ أن يمر بتهدئة الجبهة مع الحزب. بموازاة ذلك، أوحت أطراف معروفة بصلاتها مع أبو ظبي ومقرّبة من الحزب بنفس الوقت، أن أبو ظبي تحتاج إلى صدمة إيجابية تنقلها من موقع الحضور الهامشي في الملفات اللبنانية إلى موقع الفعل المؤثر.

إذاً، تمكنت طهران من إحداث الخرق. بالموازاة، كان لدول عربية أخرى كسوريا والعراق، الدور الأساسي في توفير الأجواء المطلوبة لبدء نقاش جدي بين الإمارات والحزب حول موضوع الموقوفين اللبنانيين لديها. في المقابل، برز دور أساسي للحزب في "تكييف" الأجواء بعد قبوله الفكرة، وقد أظهر انسجاماً مع التبدلات الإماراتية على نحوٍ واضح، وأبدى استعداداً للنقاش، وفيما بعد عبّر عن جهوزيةٍ ترجمها من خلال "المونة" على أهالي الموقوفين، دعاهم فيها إلى وقف الحملات على الإمارات، وتقليص مستوى الإنتقادات عبر مواقع التواصل إلى الحد الأدنى.

هكذا، بُنيت أرضية ثقة متبادلة بين الجانبين، عبّر عنها بتفاوض متدرج بدأ عبر وسطاء بطريقة غير مباشرة ومن ثم توسّع. ومع تسجيل تطور محلوظ، بدأ يلاحظ إبداء أبوظبي الكثير من المرونة، ساعة طرحت أن يكون التفاوض مع الحزب بالمباشر حول ملف الموقوفين من دون وسطاء، ما ترجم كدعوة لانتقال أحد مسؤوليه إلى الامارة. قابل ذلك، مبادرة من جانب الإمارات أتت نتيجة لما تمكن الحزب من تحصيله من أهالي الموقوفين، إذ قرّرت تجميد جميع الملاحقات والتعقبات القضائية والأمنية بحق اللبنانيين المقيمين على أراضيها. وإذ كان ثمة شبهة تجاه شخص ما، يتم الركون إلى "القناة"، على أن تشكل الدول الضامنة رسم الإطار الضامن للمباحثات. وهكذا، توفرت ضمانة للحزب، الذي كان سبق له أن حدد الجهة المعنية بالتفاوض الكلي مع الإماراتيين وهي الحاج صفا مكلفاً من السيد حسن نصرالله.

ما تقدم وعلى أهميته، لا يعني أن الإتفاق المرتقب بين الحزب والإماراتيين سيعني بالضرورة إصطحاب صفا "الموقوفين المفرج عنهم" معه على متن الطائرة الخاصة التي أرسلتها الامارات من أجل اصطحابه من بيروت ترافقه شخصية أمنية إماراتية بارزة، إنما المتوقع أن يتمّ التوصل بين الطرفين إلى اتفاق حول ترتيبات معينة، على أن يلي التفاهم الأساسي، الإتفاق على آلية للتنفيذ. ويعتقد أن الخطوة قد تترجم في مستهل عيد الفطر السعيد (أو عشية حلوله)، من خلال إصدار الإمارات عفواً رئاسيًا خاصًا عن الموقوفين اللبنانيين. وهذه مسألة تقنية ضرورية، على اعتبار أن جزءاً منهم قد صدرت في حقه أحكام قضائية عن محاكم إماراتية، وبالتالي إن صدور العفو هو الآلية الوحيدة لتجميد العمل بالأحكام.

إلى هذا الحد باتت العلاقة بين الحزب والإمارات. وقد حضرت في توقيت حساس غير متوقع أو مألوف، ما يُنذر بزيادة الإستقطاب الخليجي ضمن البيئة السياسية اللبنانية. وقد يكون هذا الدور محفزاً للمملكة العربية السعودية لسلوك المسار نفسه بما خصّ الموقوفين اللبنانيين لديها في قضايا لها علاقة بإدعاءات حول إرسال أموال إلى "حزب الله" أو دعمه، أو بالعكس، قد تقود الخطوة الإماراتية إلى استفزاز السعودية على نحوٍ مباشر، خاصة وإن الأخيرة ما زالت تتعاطى مع الحزب على أنه "تنظيم إرهابي"، ويمتنع سفيرها وليد بخاري عن إجراء أي لقاء رسمي أو غير رسمي مع ممثلين عن الحزب، حتى ولو كان ذلك على هامش حراك "الخماسية الدولية". وللإشارة، فإن ساسة وشخصيات، ما برحوا يوجهون نصائح إلى الرياض كما الحزب، بضرورة الإنفتاح المتبادل بين الطرفين، والبدء بمسار تصحيح العلاقة.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram