هل تتوسع الحرب “المنضبطة”؟

هل تتوسع الحرب “المنضبطة”؟

 

Telegram

 

لا شيء مما يحدث في الميدان الجنوبي يوحي باندلاع حرب شاملة، فالميدان الذي سلّمه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله مقاليد إدارة الحرب، في خطابه في “يوم شهيد حزب الله” في الحادي عشر من تشرين الثاني 2023، يعمل وفق وتيرة منضبطة، على ما تقول مصادر في المقاومة، فلا تزال المعركة، التي توسعت عامودياً وبالتدريج، ضمن حدود 7 إلى 10 كيلومترات على ضفتي الحدود، الأمر الذي يشي بعدم رغبة لدى طرفي “خط التماس” في توسعته نحو مساحات جغرافية أوسع.

لكن ما هي دوافع كل طرف في عدم التوسع في الحرب؟

بات من الواضح من خلال أداء المقاومة أنها لا تجد الوقت مناسباً لتوسيع رقعة الحرب الحالية، فالأمور لا تقاس في الحروب بعدد الخسائر البشرية والمادية، بقدر ما تقاس بتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تخدم سياقات الجهات المتنازعة واستمرار بقائها وعدم انكسارها لما بعد انتهاء القتال. وبعبارة أخرى، لا تقوم الأطراف المتقاتلة بحسابات الربح والخسارة بعد الخسائر، بقدر ما تقوم بحساب خروجها وهي محققة لكل ـ أو بعض ـ أهدافها، مع إمكانية استمرار وجودها التراكمي للمستقبل. وعلى هذا المقياس، فإن المقاومة الفلسطينية لم تهزم لغاية اليوم، على الرغم من الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ومن هذا المنطلق، لا تجد المقاومة، التي تخوض حرباً ـ بالمفهوم السياسي، ومعركة ـ بالمفهوم العسكري، منفعةً استراتيجية لها وللبنان يستدعي منها التوسع في الحرب، سوى في حالتين تشكلان ركيزة العمل الميداني الحالي:

الحالة الأولى، هي استمرار العدو الصهيوني باستغلال الوضع الراهن، والإمعان في ضرب بنك الأهداف الذي يريد التخلص منه بأي طريقة، ويفضل أن يتم ذلك قبل نشوب الحرب، الأمر الذي يعني أن العدو سوف يُدخل مناطق جديدة في عملية الاستهداف المستمر، وهذا لا يدع مجالاً للشك أنه سيقابَل بعمليات مشابهة ولو في مدىً أبعد من حدود الانضباط الحالية. لا يعني ذلك طبعاً أن التوسع، ولو كان مشتشتاً وتدريجياً، بأنه طريقٌ لبداية الحرب الشاملة، بقدر ما يعني ذلك أن لعبة “الردع” و”ردع الردع” مستمرة بموازاة المعركة الدائرة في المناطق الحدودية.

الحالة الثانية، هي تمكّن العدو من وضع المقاومة في حالة “المردوع”، مما سيرفع كلفة العمليات لدى المقاومة، وهو التكتيك الذي يعمل عليه محور المقاومة في الشهرين الأخيرين.

وفي المقابل فإن لدى العدو أكثر من نظرية يحملها أعضاء مجلس الحرب، وهم يتنافسون في ما بينهم على اختيار الأصلح بالنسبة لهم.

النظرية الأولى تقول إن “إسرائيل” بدأت الحرب منذ أكثر من أربعة أشهر، وهي مستمرة، ومعها دعم دولي سياسي وعسكري واقتصادي قل نظيره، ومعها نسبة عالية من التأييد الشعبي لاستمرار الحرب، وإزالة التهديدات الموجهة إلى الكيان لمرة واحدة وإلى الأبد، خصوصاً بعد فشل سياسة “جز العشب” التي انتهجها الكيان ضد قطاع غزة لأكثر من عقد من الزمن، وفي النهاية نتج عنها طوفان السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

أما النظرية الثانية، فعلى نقيض الأولى، تدعو إلى تجنّب الحرب كلياً مع “حزب الله”، والعمل على خفض التصعيد، تمهيداً لعودة مستوطني الشمال إلى الأماكن التي نزحوا منها، والعودة إلى حالة الردع المؤدية إلى اللاحرب، والتي استمرت سبعة عشر عاماً منذ ما بعد حرب تموز ولغاية السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

وبين هاتين النظريتين، توجد واحدة ثالثة يبدو لغاية الآن أنها المهيمنة على عملية صنع القرار في الكيان، وتتوافق مع الرؤية الدولية، وهي القائمة على استمرار القتال مع “حزب الله” بحدود مضبوطة، ومحاولة إظهار إرادة القتال، بل والتفوق في الوصول إلى الأهداف في إطار رسم صورة مصغرة عما يمكن أن يحصل مع المقاومة إذا ما حصلت الحرب الشاملة. ومن جهة ثانية، الدفع بالأميركي للعب دور الترغيب والترهيب من أجل الحصول على مكتسبات يمكن استثمارها في السياق الذي تحدثنا عنه أعلاه في ما يخص أهداف القتال.

على أن دوائر القرار في الكيان، تدرك جيداً كلفة الحرب مع لبنان، وما سينتج عنه من تدمير لكثير من بناه التحتية، وتهجير الملايين من مستوطنيه، فضلاً عن تدخل أطراف أخرى بصورة مختلفة. فلا حلفاء “حزب الله” سيعملون ضمن السقف الحالي، ولا حلفاء الكيان سيقبلون بتدميره، وهذا بحد ذاته عامل جوهري في عدم نشوب الحرب الشاملة حتى هذه اللحظة.

لكن يبقى أن الطرفين يعلمان أن قواعد الاشتباك السابقة لم تعد تخدم المصالح، وأن الظروف الميدانية والسياسية تتطلب وضع قواعد جديدة. ولهذا نرى أن محاولات تغيير هذه القواعد تسير على قدم وساق، من قبل كل من المقاومة في لبنان والكيان الصهيوني على حد سواء.

فإذا كانت المقاومة تعمل على سياسة “رفع الثمن”، على سبيل المثال، فإنه في المقابل لا يرضى الكيان بضرب تفوقه الجوي المطلق، طالما أن هناك قواعد تحكم الاشتباك الحالي. وإذا كانت المقاومة تزيل الستار عن سلاح جديد بين الحين والآخر من دون الاضطرار لاستخدام السلاح الاستراتيجي، فإن العدو أيضاً يزيل الستار عن أهداف تبين مدى المعلومات التي يمتلكها، وهكذا…

في المحصلة، يتوهّم من يتصوّر أن معادلات الردع وقواعد الاشتباك لا تبنى إلا من خلال موازين قوى متماثلة. ويتوهّم أيضاً، من يعتقد أن حركة مقاومة، مهما بلغت قدرتها، ستضاهي قدرة الكيان الذي تقف خلفه كل لوبيات السلاح والتكنولوجيا في الغرب المتوحش. ولهذا، فإن طول اليد الاسرائيلية في ضرب الأهداف الموضعية، من اغتيال لقيادات في المقاومة إلى ضرب منشآت تابعة لها وعدم الضرب بالمثل، لا يعني خللاً في ميزان الردع الذي لم يكن يوماً مبنياً على هذا الشكل. بل بالصورة الأكثر شمولية، وهي عدم استقرار الكيان حالياً، وإمكانية تغيير المعادلات الإقليمية والدولية عند أي توسع، وهذا ما عبر عنه السيد نصر الله عندما تحدّث عن الحرب “بلا سقوف”. ولهذا فإن لبنان، ومنذ بداية الأحداث، أصبح “محجاً” للوفود الأجنبية التي ترى في المقاومة نداً للكيان، حتى ولو لم تكن في مستوى امكاناته.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram