رفعت ابراهيم البدوي*
اصيبت معظم الدوائر العربية بالخيبة ان لم نقل بالصدمة، خصوصاً تلك المطبعة مع الكيان الصهيوني، وذلك على اثر نجاح ثلة من رجال المقاومة الفلسطينية في غزة تنفيذ عملية "طوفان الافصى" ، والتي ضربت اساسات الكيان الصهيوني و افقدته ثقة العرب قبل الغرب باجهزة مخابراته وبقوة ردعه، الامر الذي ادى الى انكشاف وهن اجهزته الامنية وضعف في جبهته الداخلية، ترافق مع ارباك ملحوظ على المستويين السياسي والعسكري، حصل بظرف ساعات فقط.
عرب التطبع اولئك الذين تعمدوا القفز فوق الحقوق الفلسطينية، فضلوا الانحراف عن الحق العربي في فلسطين، وتنكروا للهوية العربية، فانحرفوا صوب تطبيع العلاقات مع الكيان المحتل لفلسطن، لكن عملية "طوفان الافصى" وما تلاها من صمود واستبسال اسطوري للمقاومة الفلسطينية في ساحات القتال بغزة، و استمرارها باطلاق الصواريخ الى عمق الكيان، وشن الهجمات المتقنة والمبتكرة ، لثلاثة اشهر دون توقف، وتمكنها من قهر الجيش الذي لا يقهر، ونجاحها في منع الكيان الصهيوني في تحقيق اي من اهدافه المعلنة، أظهر لهؤلاء العرب، أن إسرائيل عباره عن بعبع اوروبي اميركي صنع خصيصاً لتخويف العرب وللسيطرة على امة بكاملها، بعدما روّج لهذا البعبع اعلامياً بانه القوة العظمى في المنطقة، وبان اسرائيل بقوتها الاستخبارية والتكنولوجية والعسكرية، يمكن لها ان تشكل الضامن، لامن واقتصاد تلك الدول المطبعة معها.
لكن اسرائيل القوية عسكرياً وتكنولوجياً واجهت مصاعب حقيقية خلخلت اسس قوتها، واصابها ارباك ملحوظ كشف وهن القيادتين العسكرية والسياسية فيها، خصوصاً بعد نجاح عملية طوفان الاقصى، وعجز قياداتها عن مواجهة ارتدادات العملية العسكرية الفلسطينة ، ترجم بمنع اسرائيل من تحقيق اي انتصار واضح وحاسم، على قوة لا تزيد عن بضعة آلاف من المقاومين الفلسطينيين الاشاوس.
المعلق الامني لصحيفة "هآرتس" يوسي ميلمان, كتب مقالاً قال فيه
أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، وافق في العام 2014 على خطة للقضاء المقاومة الفلسطينية في غزة، مقابل تطبيع وسلام مع دول عربية كثيرة، لكن نتنياهو نفسه سرعان ما تردد في تنفيذها في ذلك الوقت، لان نتنياهو اراد الحصول على التطبيع مع العرب اولاً ثم الانتقال الى مرحلة القضاء على المقاومة، وذلك لضمان التأييد والسكوت العربي، على جرائم اسرائيل، مشيرا إلى أن تلك الخطة وضعت في وقت كانت إسرائيل بنظر دول المنطقة قوة عظمى، بيد ان ما تفعله الآن اظهر ان اسرائيل وعلى كل الصعد أضعف بكثير مما كانت في 2014 .
منذ الاسبوع الاول لحرب الابادة الاسرائيلية على الفلسطينيين في غزه، صرح نتنياهو، بانه اجرى اتصالات عدة مع شركائه العرب، واطلعهم على نية اسرائيل اقامة مناطق عازلة داخل غزه، بيد ان مجريات الحرب عكست صورة عجز نتنياهو وجيش الكيان عن تحقيق ذلك، والدليل ان مستعمرات غلاف غزة وشمال فلسطين على الحدود مع لبنان انتقلت الى عمق الكيان وشكلت مناطق عازلة في داخله وليس في عزة.
ضغوط اميركية فرنسية واوروبية وحتى عربية تمارس على لبنان، تارة بالترغيب وتارة اخرى بالتهديد لتنفيذ القرار 1701، والهدف ابعاد المقاومة اللبنانية الى شمال نهر الليطاني فيما التهديدات الاسرائيلية اخذت منحى اكتمال الاستعدادات لشن حرب على لبنان، بهدف ابعاد قوات الرضوان الى ما بعد نهر الليطاني شمالاً وبالقوة ولو كلف ذلك حرباً شاملة.
بيد ان التهديد الاسرائيلي شيئ والتنفيذ شيئ اخر لا بل صعب المنال، فمن عجز عن تحقيق اي انتصار في غزة المحاصرة، لن يكون باستطاعته تحقيق اي انجاز ضد المقاومة اللبنانية التي تمتلك من الخبرة والصواريخ الدقيقة ما لم تملكه المقاومة في غزة، خصوصاً اذا ما اخذنا بالاعتبار دخول اليمن على خط المواجهة ضد السفن التي تحمل امدادات الى الكيان الصهيوني، انطلاقاً من ممر باب المندب في البحر الاحمر، اضافة الى الخسائر الفادحة التي تصيب جيش العدو الاسرائيلي في كل يوم وكل ساعة على جبهتي جنوب لبنان وغزة.
اسرائيل بعد عملية طوفان الاقصى، صارت عباره عن كيان وهن واساساته متصدعة يصعب ترميمها، فيما ترسيخ انتصار محور المقاومة صار واقعاً، لكن المأساة لاتكمن في الخسائر البشرية والتهديم الممنهج ومحاولات التهجير الطوعي والقسري للفلسطينيين، بل ان المأساة الحقيقية تكمن بان هذا الانتصار لم يجد حتى الساعة، اي جهة عربية تتبنى موقفاً من شأنه استثمار هذا الانتصار، لاعادة ترتيب الاولويات والاوراق لصالح العرب والفلسطينيين في المنطقة، والخوف كل الخوف ان تبقى اوراق المنطقة بيد الاميركي كما سبق، اي بيد الكيان الصهيوني الوهن، وان تذهب كل تضحيات محور المقاومة من غزة الى لبنان واليمن والعراق لصالح التخاذل والتآمر العربي الفاضح.
بالامس أعلنت حكومة جنوب إفريقيا نصرتها للانسانية وللحق الفلسطيني، وكشفت عن عروبتها ولو انها لا تنطق العربية، وذلك بعدما رفعت للمحكمة الجنائية الدولية شكوى، من أجل التحقيق في جرائم حرب، ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، في حين لم تتجرأ اي جهة عربية او اسلامية وحتى ما يسمى بجامعة الدول العربية او منظمة المؤتمر الاسلامي ولا حتى اي من الدول المسماة عربية والناطقة بالعربية، على تقديم شكوى مماثلة الى محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة اسرائيل على ارتكابها جرائم حرب و ابادة جماعية وممارسة التهجير القسري و التطهير العرقي بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
ثبت لدينا أن عروبة جنوب اقريقيا متأصلة في الدفاع عن حق وحرية الانسان العربي الفلسطيتي، فيما معظم العرب كأنظمة، عباره عن بعبع من صنع بريطاني فرنسي اميركي، تأصّل في قمع الشعب العربي لكنه بعبع منزوع الارادة والقرار، مجرد من الانسانية، متأصل في التخاذل والتآمر على الحق العربي والفلسطيني، لصالح من صنعه ونصّبه.
رئيس ندوة العمل الوطني..
نسخ الرابط :