في جولته الجنوبية أمس، كرّس وزير التربية عباس الحلبي مبدأ التهجير ودفع الناس لترك قراهم، وبدل دعم صمود الأهالي وإعادة افتتاح المدارس المقفلة قسراً، أطلق مشروع «تلزيم» التلامذة والأساتذة للجمعيات الدولية بافتتاح مشروع «مدارس الاستجابة للطوارئ». الحلبي الذي أقرّ بوجود نحو 10 آلاف تلميذ من دون تعليم حتى اللحظة، اعترف ضمناً بفشل كل الخطط السابقة، من توزيع الأساتذة والتلامذة النازحين على المدارس في المناطق الآمنة، وصولاً إلى اعتماد الـ «أونلاين» لتعليم من تركوا بيوتهم قسراً.بحسب بيانات «التهليل» الصادرة عن الوزارة، يهدف المشروع المدعوم من 3 منظمات دولية ومنظمتين غير حكوميتين إلى «تأمين تعليم التلامذة المنتقلين قسراً من قراهم الحدودية إلى أماكن أخرى»، عبر اعتماد عدد من المدارس في المناطق الآمنة لكي يلتحق بها التلامذة والأساتذة النازحون، على أن تدفع الجهات المانحة بدلات النقل لهم. إلا أن رعاية الجمعيات الدولية، كـ«اليونيسف» ووكالة التنمية الأميركية (USAID) دفعت مدير ثانوية كفرا فؤاد إبراهيم إلى اعتبار الأمر «تكريساً للنزوح ودفعاً للناس نحو التهجير وترك قراهم»، سائلاً عن «وضع المراكز بعد انتهاء الحرب، أو في حال استمرار الهدنة، إلّا إذا كانت لدى الجهات الدولية معلومات حول استمرار الحرب وتوسّعها».
وفي غياب الروابط، تحوّل الأساتذة والتلامذة إلى حقول تجارب للوزارة، ومن خلفها الجهات المانحة التي رافق موظفوها أمس وزير التربية في جولته الجنوبية. مشروع الوزارة الجديد ترك الأساتذة والتلامذة في حيرة من أمرهم، إذ «أصدر الوزير 3 قرارات متناقضة في أقل من شهر»، بحسب مدير إحدى الثانويات الحدودية. في المرحلة الأولى، طلب التحاق الهيئة التعليمية والتلامذة بأقرب مدرسة في منطقة النزوح، ثمّ عدّل قراره الأول وتوجّه نحو اعتماد الـ«أونلاين»، وعلى أساس القرار الأخير اجتمعت دوائر الوزارة مع مديري الثانويات في المناطق الساخنة جنوباً، وطلبت إعادة تفعيل منصة «تيمز» التعليمية. وبالفعل، «أطلق عدد من الثانويات التعليم من بعد». وفي المرحلة الأخيرة افتتح 10 مراكز تدريس في مناطق بعيدة جغرافياً عن الحدود، وكأنّه يكرّس مبدأ التهجير.
ورغم اعتراف وزير التربية أمس بأنّ معظم التلامذة النازحين لم يلتحقوا بمدارس بديلة لأسباب مالية ومعيشية، يفرض المشروع الجديد على التلامذة والأساتذة الذين لم ينزحوا وبقوا في قراهم الحدودية قطع مسافات لا تقل عن 40 كيلومتراً للوصول إلى المدارس الجديدة. مديرو الثانويات الذين تواصلت معهم «الأخبار» استنكروا قرار وزير التربية الجديد، وتوجّه بعضهم نحو نواب وفعّاليات المنطقة لـ«منع إفراغ مدارس القرى والمناطق الحدودية من أهلها». كما استهجن المديرون طريقة إدارة العملية التربوية من قبل الوزير وفريقه، مستغربين «عدم إلمامهم بالجغرافيا وطبيعة المنطقة، فمدرسة الكفير المعتمدة لتدريس تلامذة شبعا والجوار تبعد عن المنطقة 32 كيلومتراً، ومدرسة الصبّاح في النبطية يفصلها عن المنطقة الحدودية أكثر من 20 كيلومتراً، ما سيكبّد التلامذة والأساتذة تكاليف نقل لا يمكن تحمّلها».
عشوائية القرارات التربوية دفعت عدداً من المديرين لرفضها، فالأوضاع جنوباً «شبه آمنة الآن»، ويمكن إعادة فتح المدارس في المناطق المتاخمة للحافة الأمامية. و«في حال استمرّت الهدنة سأدعو الأساتذة للحضور غداً إلى المدرسة»، قال أحد المديرين الذي اعتمد التعليم «أونلاين» منذ اليوم الأول للإقفال بعد أن تمكّن من التواصل مع كلّ التلامذة وأهاليهم. وبدورهم، رفض ذوو الطلاب طلب وزير التربية، وأشار أحد القاطنين في منطقة بنت جبيل إلى أنّ الطريق بين بلدته وتبنين، حيث المدرسة الرسمية الجديدة المعتمدة لتعليم أبناء المنطقة، غير آمنة بتاتاً، خصوصاً أن منطقة بيت ياحون المجاورة تعرّضت للقصف الأسبوع الماضي.
وفي سياق متصل، سأل مديرون عن المعايير المعتمدة في اختيار هذه المدارس دون غيرها. علماً أن المراكز المختارة ستُجهّز بـ340 جهازاً محمولاً، وسيُحوّل ما بين 10 و12 من غرفها إلى صفوف نموذجية مزوّدة بالألواح التفاعلية وخطوط إنترنت سريعة، وهو رأى فيه المديرون تمييزاً وتفضيلاً، واصفين الأمر بـ«تجارة الأزمات التي تزدهر أثناء الحروب، في وقت تبحث بعض المدارس عن متموّلين لتمويل خط اشتراك، أو شراء وقود للتدفئة».
هل ينصف مجلس الوزراء الأساتذة النازحين؟
أخلف وزير التربية عباس الحلبي بوعده أمام الروابط بدفع جزء من الحوافز المالية للأساتذة النازحين. ومنعت وزارة التربية، بحجة «عدم التدريس»، وصول مبلغ 300 دولار إلى كلّ أستاذ من الأساتذة المبعدين قسراً عن منازلهم وقراهم. في المقابل، حمّل الحلبي مسؤولية مساعدة الأساتذة النازحين لمجلس الوزراء الذي يضم جدول أعمال جلسته المقبلة بنداً متعلقاً بهم، مشيراً إلى أن وزارة التربية طلبت الموافقة على إعطاء بدل مالي مقطوع للذين تهجّروا نتيجة العدوان الإسرائيلي من سلفة الخزينة المُقرّة بموجب المرسوم 12158 (5 آلاف مليار ليرة).
نسخ الرابط :