كرّم “اللقاء الإعلامي الوطني” وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى، في فندق الريفييرا.
وحضر التكريم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس الحكومة السابق حسان دياب والعديد من الشخصيات السياسية والروحية والإعلامية.
المرتضى مكرّماً في الريفييرا:
رجائي ان اكون على قدر ثقة نبيه الوطن وسيّد المقاومة وانتظاراتهما في حفظ عيش المعيّة وصون القيم وبثّ الوعي والوفاء للمقاومة ودماء شهدائها الأبرار.
في حفل تكريم الوزير
كنتُ أوثرُ أيّها الأحبّة لو تغيَّرَ العنوانُ المعطى لهذا الاحتفال. لأنَّ موجِبَ التحفّظ الذي سلكْتُ نهجَه زُهاءَ ربع قرنٍ، ونذرتُ له صفوةَ العمر في دارِ القضاء، درَّبَني على أنَّ التكريم الحقيقيَّ لا يكونُ للمرءِ بشخصه، بل للأعمال الجيّدةِ أيًّا كان فاعلُها.
فالعِبرة، كما عرَفناها، هي للحكمِ إذا كان صحيحَ التعليل صائبَ النتيجةِ مُقْسِطًا بين الناس، لا للقاضي الذي لا ينبغي له البتَّةَ أن يُمتَدَحَ، إذا أدّى واجباتِه بعلمٍ واستقامةٍ وصفاء ضمير.
أما وقد صرنا ههنا، فيحسُنُ بي استغلالُ المنبر لإعادة تصويب العنوان كما أحبُّ له أن يكون: "الإحتفالُ بانتصار القيم". فالحملةُ التي خيضَت على مدى الشهرين الماضيَين لم تكن في عمقِها ضدَّ وزير الثقافة شخصيًّا، وإن بدا ذلك كذلك، بل كانت في حقيقتها ضدَّ القيم التي تُشكّلُ في الكيانِ الروحيّ اللبناني والإنسانيِّ بعامةٍ، جوهرةَ محارِه، وخُلاصةَ عطرِه، وكنهَ معناه. ولقد كان من حُسْن نصيبي أن أقف في مقدمة المنافحين عن هذا المعنى الأخلاقي للوجود الإنساني، كما اكتنزه تراثُ البشرية على مرِّ العصور، وكما فرضتْه التعاليمُ الإيمانية لدى شعوبِ الأرضِ أجمعين، لا لشيءٍ إلا لاعتقادي بأنَّ الصراع الثقافيّ العالميَّ الذي باتَ يكشفُ عن أدواته القاتلة، يرمي إلى طمسِ الهُويَّات المعرفية الخاصة بكلِّ أمّةٍ تحت السماء، وإزالةِ التنوع الذي هو نعمةُ الكون، من أجل فرضِ أحاديةٍ فكريةٍ مقولَبةٍ وممنهَجة، مع ما تستتبعُه من سبلِ عيشٍ استهلاكي، خالٍ من المبادئ، يحطِّمُ الروحَ ويقودُ الغدَ إلى التدمير الذاتي، حتى تسودَ العالمَ كلَّه أمةُ واحدةٌ، تستولي على الحياةِ وتستعبدُ من تبقّى من بشر. كلُّ ذلك يأتونَه تحت ستار الحريّة وحقوق الإنسان، "فآهٍ أيتُها الحريّةُ كم من الجرائم تُرتَكَبُ باسمِك".
على أن بعضًا ممن خاضوا الحملةَ ضد القيم، كانوا يردّدون أنَّ المبادئَ التي ندافعُ عنها ليست سوى رواسبَ سلبيةٍ متراكمةٍ في النفسِ اللبنانية المتأثّرةِ بمفاهيمَ قديمةٍ لم تعد توائم العصر. ولقد فاتهم أن دستورَنا أكّدَ على أنَّ الدولةَ تؤدّي فروض الإجلال لله تعالى، ولا تسمحُ بأيِّ تعليم ينافي الآدابَ أو يتعرّضُ لكرامة الأديان. ولظنِّهم أنَّ علمَ الدستور وعلمَ العربية انتهيا إليهم وتوقَّفا عندهم، راحوا يهرِفون بما لا يعرفون، ويقولون:"لبنان ليس دولةً دينية". صحيحٌ هذا الكلام، لكنَّه ليس جوابًا على المسألة المطروحة، وهي أنَّ الدستور اللبناني فرَضَ على الدولة احترامَ المعتقدات النابعةَ من الدين، وأن ما يدعون إليه يناقض الدين والدستور كليهما، فهو إذًا معصيةٌ أمام الخالق وخرقٌ لأحكام الدستور في آنٍ معًا.
ثمَّ إنَّ بعضًا آخر، لا سيّما في القطاع الإعلامي "المتمرمر" من ذودي عن العيش الواحد ومنافحتي عن القيم الجامعة، وصفني بالمرشد الأخلاقي، وفي حِسْبانه أنه بذلك يغيظُني. هذا الوصفُ يُذكِّرُ بذلك الناقد الذي أراد أن يعيب على رشيد سليم الخوري شعره، فوصفه بالشاعر القروي، فتلقّف هذا الأخيرُ اللقبّ، واتَّشَحَ به رِضاءً وطواعيةً، حتى غلب على اسمه الأصلي. إنّي على هذا المذهب أقول لهؤلاء " المتمرمرين": نِعْمَ ما أطلقتم عليّ، فإنَّ أكرمَ ما يحظى به ابنُ آدمَ في هذه النشأةِ الأولى، أن يُنْسَبَ أمرُه دومًا إلى الأخلاق.
أيها الأصدقاء.
على مدى سنتين من عمر هذه الحكومة، كانت وزارة الثقافة، على الرغم من ضيق ميزانيتِها، موجودةً وُسْعَ الأرض اللبنانية في الحضور الفاعل على مستوى المشروع الثقافي ذي الجَناحَين: ضمانِ حريةِ الإبداع وحِفظِ التراث بعناصره المادية والمعنوية كافةً، كما على مستوى الندوات الثقافية، والأعمال الموسيقية، والمعارض والفنون على تنوُّعِها وإحياء الأعياد الوطنية الجامعة لا سيّما عيدي البشارة والميلاد. ولقد أردنا بهذا أن نستمرَّ في الشهادة لمعنى الوطن اللبناني، كفضاءٍ حرٍّ تتفاعلُ فيه الثقافاتُ المتنوعة، من غيرِ أن تُلغي الواحدةُ الأخرى، وكميدانٍ لممارسة الحريّات العامّة وعلى رأسِها حريّة الرأيِّ وحريّة التعبير عنه. فلبنان صيغةٌ متآلفةٌ من موقعٍ جغرافي وثراءٍ اجتماعي، جعلت منه نطاقًا إنسانيًّا لعيش المعيّة والحوار البنّاء. علينا أن نحافظَ عليه، وعلى مظاهر سيادته المتمثّلة بأمورٍ عديدة، منها الخصوصيات الثقافية التي تتألّقُ فيه، والتي تأبى أن تُسلِمَ أمرَها بالكليّة، من دون تفاعلٍ أو تبادل، لسياداتِ ثقافاتٍ أجنبيةٍ لا يَدينُ بها كثيرٌ من أهلِها في مواطنهم هناك. ومنها مبدأ الحوار الذي ينبغي له أن يكون سيد الحياة الوطنية.
نسخ الرابط :