«حتى الآن، لم يصرف أي مبلغ من القرض الممول من البنك الدولي، وقدره 100 مليون دولار، على مشروع تطوير المناهج التربوية»، هذا ما تقوله رئيسة المركز التربوي هيام إسحق، لكنها تشير إلى أن نحو 12 مليون دولار حوّلت للمشروع منذ عام 2016 (أكثريتها مصاريف تشغيلية) من هبة شارفت على الانتهاء، من دون أن تكون هناك خطة واضحة للمشروع ولا مهل زمنية ولا مواعيد ثابتة لإنجازه ولا تقديرات لكلفته
تحيط الضبابية بمشروع تطوير المناهج التعليمية في المركز التربوي للبحوث والإنماء، إذ تصعب معرفة حجم الأموال المرصودة للمشروع والمحوّلة من البنك الدولي، المموّل الأساسي بواسطة بقرض بقيمة 100 مليون دولار وهبة بقيمة 104 ملايين دولار. فيما تنفي رئيسة المركز، هيام إسحق، صرف أي مبلغ من القرض على المناهج حتى الآن، من دون أن تجيب بوضوح عن سؤال «الأخبار» عما إذا كان القرض محجوزاً، أم أن هناك شروطاً يضعها البنك الدولي ليسمح باستعماله؟ مكتفية بالقول: «لم نصرف حتى الآن أيّ قرش من القرض، والأمر لا يتعلق بالمركز، وإنما باستراتيجية تتبعها وزارة التربية».
ولكن، ماذا عن الهبة؟ تتحدث إسحق عن صرف 12 مليون دولار (90% منها لولار، وأكثرها مصاريف تشغيلية) حُوّلت منذ عام 2016 من الهبة التي شارفت على الانتهاء لإنجاز إطار عام وأوراق مساندة!
وقد شهد المشروع مخاضاً عسيراً منذ انطلاقته الأولى، إذ شهد تأليف لجان أكثر من مرة، وفي كل مرة يُنسف العمل وتؤلف لجان أخرى من جديد، وتهدر أموال إضافية، إلى أن وضعت عدة نسخ للإطار العام، تُوّجت بالنسخة الخامسة التي أعدّتها لجنة سميت «لجنة الصياغة»، وجرى اعتمادها رسمياً بعد إطلاقها في كانون الأول 2022.
وقد تقاضت اللجنة، بحسب إسحق، ما مجموعه 25 ألف دولار (بين لولار ودولار)، فيما أموال «الأوراق المساندة»، المرحلة الثانية من المشروع، لم تدفع بكاملها بعد. ولكن، ماذا عن المراحل المقبلة، وهل التمويل مؤمّن؟ تؤكد إسحق أنه «ليست هناك مشكلة بالنسبة إلى تمويل المرحلة الثالثة، فيما هناك تحديات مالية في ما بعد».
المفارقة أن تكون 12 مليون دولار صُرفت على لجان نُسف عملها، وعلى إعداد إطار للمناهج غير مكتمل اضطرّ المركز التربويّ إلى استكماله بأوراق مساندة! والأهم هو معرفة قيمة رواتب موظفي البنك الدولي في المشروع والمصاريف التشغيليّة من أصل هذا المبلغ، وما إذا كانت أكبر من المبالغ التي تصرف على الإنتاج التربوي نفسه. ثمّ إنه إذا كان عمل محدود مثل الإطار كلّف 12 مليون دولار، فماذا عن بقية مراحل العمل التي تتضمّن إنتاج الأهداف الخاصّة بكلّ مادّة والكتب المدرسيّة، وهو النتاج الأساسيّ للمناهج؟ ولماذا تتوفّر الأموال للجان يعترف المركز التربوي بأنّ مخرجات عملها غير قابلة للتطبيق؟ وإذا كانت الأموال غير متوفرة أساساً لطباعة الكتب المدرسيّة الحاليّة، فكيف يتابع المركز التربويّ العمل على مناهج لن نتمكّن من طباعة الكتب التي تنتجها؟
التمويل ليس المعضلة الوحيدة في المشروع، فتطوير المناهج يسير، بعد 27 عاماً على وضعها، بلا خطة ومن دون تحديد المراحل، وإعلان المخرجات الدقيقة، وأسماء الأشخاص الذين عملوا في كلّ منتج، والمهل الزمنية، والمواعيد الثابتة لإنجاز المشروع وتسليمه، وكلفته التقديرية، أو على الأقل بلا خطة واضحة ومعلنة، في متناول المجتمع التربوي «الشريك» من جامعات وباحثين تربويين وأساتذة وجمعيات تربوية ومهتمين بالمناهج، إذ ليست في حوزة هذا المجتمع معطيات كافية في أي اتجاه يجري تعديل المناهج لكي يقدّم مقترحاته وإضافاته، لأن المركز التربوي لم يوسّع رقعة التشاور مع أكبر شريحة ممكنة من المعنيين، كما يقول تربويون. غير أن إسحق تقول إنّ المراحل المنجزة، ولا سيما الإطار الوطني العام للمناهج والأوراق المساندة، كانت تحتاج إلى خبراء في التربية والدستور، «وسيجري بالتأكيد في المراحل المقبلة إشراك الاختصاصيين في المواد».
مع ذلك، الخطة الوحيدة الموجودة على الموقع الإلكتروني للمركز موقّعة في 26 آذار 2021، وقد أعدّها فريق تربوي أقيل معظم أفراده، ونُسف كلّ ما أنجزوه، واستبدل بعمل لجان أخرى يفترض أنّها وضعت خطة بديلة لم تنشر بعد.
وعن خلفية عدم نشر الخطة الحالية، تشير إسحق إلى أن «مراحل المشروع واضحة بالنسبة إلينا، ومثل هذا العمل الوطني يحتاج إلى وقت للنقاش والتفكر. وقد عكفنا منذ تسلّمي رئاسة المركز في أيار 2022 على تشكيل لجنة صياغة للإطار الوطني للمناهج تضم خبراء في التربية والدستور مشهود لهم بالكفاءة، أنجزوا النسخة النهائية للإطار، بعد جمع كل الملاحظات من المجتمع التربوي، وجرى الإطلاق في كانون الأول 2022. بعدها، أعدّت لجان الأوراق المساندة للإطار وتتناول الكفايات والتقويم، والسياسة اللغوية، والفقدان التعلمي، وبناء القدرات، والتعليم غير النظامي، والعلاقة بين التعليم المهني والتعليم العام والتعليم العالي، ودمج الموهوبين وذوي الصعوبات والاحتياجات، وسياسة الدعم والتوجيه اللغوي. واليوم يجري التحضير للمرحلة الثالثة المسماة «مصفوفة المدى والتتابع» قبل المرحلة الأخيرة المتصلة بتأليف الكتب، إذ ستشكل لجان من الخبراء والمتخصصين في المواد، بناءً على مقابلات شفهية، لوضع المناهج وكيفية تدرّج الكفايات من الصف الأول إلى الصف الأخير، وقد تسير هذه المرحلة وفق اتجاهين: الأول، العمل على المواد التعليمية داخل المركز، والثاني العمل على بعض المواد مثل العلوم بتلزيم شركات خاصة عبر مناقصات مع وضع شروط صارمة، بحيث تخضع هذه الشركات لمراقبة الجودة من لجان محلية، للتأكد من أنها تعمل وفق روحية الإطار الوطني والسياسات التي وضعها المركز».
ألن يكون هناك تجريب ميداني في المدارس ينتهي في شباط 2024 كما أعلن المركز سابقاً، وهل هناك مهلة زمنية لانتهاء المرحلة الثالثة؟ تجيب إسحق: «ستكون هناك مرحلة تجريبية صغيرة للعمل على الكفايات، بناءً على طلب من البنك الدولي، للاطلاع على شكل المناهج، لكن التجريب الأساسي الذي ننشده في المناهح سيكون بعد التأليف، وسيمتد لسنتين أو ثلاث حتى تتسنى إمكانية التعديل، أما المرحلة الثالثة فيمكن أن تستغرق 6 أشهر». وهل هناك تراجع عن المرحلة التجريبية من دون إعلام المجتمع التربوي عن الأسباب والظروف؟ وهل هو استغفال له؟ وكيف يترجم تجريب الكفايات من دون دروس ومادة تعليمية؟
الأوراق المساندة أو ما سمّي بالسياسات ستنشر كما تؤكد إسحق، و«لكن بعد مراجعتها على مدى شهر ونصف شهر بنظرة شمولية، والتوليف بينها، وضبط التنافر إذا وجد، من ثلاثة خبراء سيكونون قارئين للأوراق بحسب خبراتهم التربوية». تستدرك إسحق أن المركز طرق أبواب خبراء كثر لمراجعة الأوراق، لكن هؤلاء اعتذروا لانشغالهم بأمور أخرى. وأحدهم رفض الإدلاء بأي موقف لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أنه بعيد عن الأجواء التربوية العامة منذ ثماني سنوات، وهو حتى الآن لم يتسنّ له أن يراجع الأوراق!
ويخشى تربويون من أن يكون تحويل الأوراق المساندة إلى وزير التربية، من دون التشاور مع المعنيين بمثابة «تهريبة»، تماماً كما حصل في مرحلة الإطار، وبدلاً من أن تحصل مناقشة مع الأساتذة وروابطهم ودور النشر والمدارس الخاصة والجامعات، انحصرت المراجعة بثلاثة أشخاص لا يمثلون بشكل كاف التربويين في لبنان، «وكأنّ المركز التربوي يخشى نشر أوراقه وهو غير واثق من جودتها، فهرب إلى مراجعتها من 3 أشخاص». ويحذّر التربويون من اعتماد المعايير السابقة في اختيار أعضاء اللجان التي ستشارك في المرحلة الثالثة لجهة عدم مراعاة الشروط التي وضعها المركز نفسه، بالنسبة إلى امتلاك منسقي اللجان الكفاءة اللازمة والخبرات السابقة في المجالات المسندة إليهم «وخصوصاً أن المقابلة الشفهية هي أضعف آليات التوظيف لجهة خرق الشفافية والدقة».
الكتاب المدرسي لم يطبع
تواجه المدارس الرسمية، وبصورة أقل المدارس الخاصة، أزمة تأمين الكتاب المدرسي الرسمي الصادر عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، بسبب عدم طباعته هذا العام، نظراً إلى عزوف دور النشر عن المشاركة في المناقصة التي أطلقها المركز، بالليرة اللبنانية، للسنة الثالثة على التوالي، فيما تولت منظمة اليونيسيف طباعته قبل سنتين.
الكتاب بنسخته الإلكترونية، أو e-book، هو أحد الحلول المطروحة لمعالجة الأزمة، كما تقول رئيسة المركز هيام إسحق، مشيرة إلى أن «التقنيين في المركز يطوّرون التطبيق باستمرار ويكسبونه مزايا جديدة ليتسنّى للمدارس وللمعلمين استخدامه «أوفلاين» وسحب الدروس المطلوبة.
وقد أجريت، العام الماضي، دورات تدريبية للأساتذة عليه، من خلال طباعة بعض الفصول من أموال صناديق المدارس إذا توفرت، أو «أونلاين» إذا توفر الإنترنت. وفيما أشارت إلى أن الكتاب ليس مفقوداً لدى الجميع، لفتت إسحق إلى أن الأسبوع المقبل سيكون حاسماً لجهة أن تكون هناك فرصة أخيرة للطباعة، مشيرة إلى أن بعض دور النشر الخاصة «تستغل الأزمة وتطبع على ذوقها لملء الفراغ».
الفقدان التعلمي: لا تمويل
تُقرّ رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء هيام إسحق بأنه ليس هناك تمويل للاقتراح الذي قدمه المركز لتعويض الفقدان التعلمي بسبب الإضرابات وجائحة كورونا ولتعويضات الأساتذة الذين سيداومون أوقاتاً إضافية. وينص الاقتراح على سنة تعويضية استثنائية تمتدّ على 10 أشهر، و5 أيام تعليم في الأسبوع، تنقسم إلى 5 فصول.
وكان المركز قد أجرى دراسة على عيّنة من تلامذة الثالث والسادس الأساسي في المدارس الرسمية والخاصة وفي كل المحافظات. وقد أظهرت أن هناك 50% من التلامذة لم يتجاوزوا 10 من 20 في مهارات الكتابة والقراءة، و7 من 20 في مهارات التعبير الكتابي باللغات الأجنبية. وفي اللغة العربية، لم يتجاوز 36 في المئة 10 من 20 في القراءة والكتابة والتعبير الكتابي. أما في العلوم، فإن 75% لم يتجاوزوا 13 من 20 في التفكير التعلمي.
أبرز تعديلات المناهج
ما هي التغييرات الأساسية التي سيحملها مشروع تطوير المناهج؟
تتحدث رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء هيام إسحق عن تحوّل في التعليم من المقاربة بالأهداف إلى المقاربة بالكفايات، وعن تغيير في السلّم التعليمي، كأن تكون الحلقة الأولى من التعليم الأساسي (المرحلة الابتدائية) مثلاً مؤلفة من سنتين بدلاً من ثلاث، كما أن المنهج سيكون دامجاً للموهوبين وذوي الاحتياجات الخاصة والصعوبات التعلمية، مع تعديل للسياسات اللغوية، بحيث يجري العمل بالتوازي على اللغات الثلاث، «حتى لا تأكل لغة الأخرى». أما التقويم فسيكون تكوينياً وليس تقريرياً، بمعنى أن نقف إلى جانب الطالب لمنع تسربه، كما سيكون هناك تركيز على الطفولة المبكرة كمرحلة تأسيسية أساسية.
يلفت تربويون إلى أن الكفايات كانت موجودة في المناهج الأخيرة لعام 1997 ولم تطبق، وإذا كان هناك اهتمام بالتقويم التكويني، فهذا جيد ولكنه غير كاف، لأن هناك ثلاثة أنواع من التقويم (التشخيصي، التكويني، والتقريري أو الختامي…) في أساسيات نظام التقويم الذي صدر عام 1999 ومعه أيضاً جداول بمجالات الكفايات وكفاياتها في كلّ المواد، وهي تؤخذ في الحسبان في الامتحانات الرسميّة الحالية. لكن السؤال: كيف ستترجم على الأرض؟ ولِمَ لم تُنشَر السياسات اللغوية وتناقَش مع المتخصصين في مواد اللغات لمعرفة مدى فعاليتها؟ وما هو الجديد في الطفولة المبكرة؟ وما هو تبرير سنتين بدلاً من 3 سنوات في المرحلة الابتدائية؟
نسخ الرابط :