دعوة الأمم المتحدة إلى التصويت على قرار تشكيل هيئة مستقلة لجلاء مصير المفقودين في الحرب السوريّة، شغلت حيزاً من الاهتمام والجدل في لبنان والعالم العربي، وخصوصاً أن الأمر جاء في سياق الحملة الغربية الرافضة للتطبيع عربياً وإقليمياً مع الحكومة السورية
في لبنان، تحول الامتناع عن التصويت إلى مادة سجال بين القوى اللبنانية، وأعاد تظهير سوء الإدارة الرسمية في التعامل مع سوريا، وعكس الموقف السياسي الذي لا ينفك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن تظهيره تابعاً للخارج. فبعدما تعامل لبنان العام الماضي بخفّة مع قرار التمديد لعمل قوات اليونيفيل العام الماضي، وسمح بتمرير الغرب وإسرائيل تعديلات «ضمنية» على مهامها في جنوب لبنان، انضم إلى غالبية الدول العربية (باستثناء قطر والكويت)، بالامتناع عن التصويت على إنشاء المؤسسة المستقلة المعنية بجلاء مصير المفقودين في سوريا. ومنذ الإعلان عن موقف لبنان، بدأ الاستثمار السياسي وتوالت ردود الفعل، وخصوصاً من قبل قوى سياسية على خصومة مع سوريا، إضافة إلى جمعيات غير حكومية تُعنى بالمفقودين الذين تقول إنهم معتقلون في السجون السورية. واعتبر هؤلاء أن قرار الحكومة يمثل طعنة لعائلات نحو 17 ألف لبناني مخفيّ قسراً منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، علماً أن مشروع القرار الأممي يحدد مهمة اللجنة بدءاً من أحداث 2011 في سوريا!
قوى عديدة في لبنان تصر على رفض أي خطوة رسمية إيجابية تجاه الدولة السورية. ويجد هؤلاء في التحرك الأميركي الجديد ورقة للاستخدام ضد دمشق، بينما التزمت الحكومة «الحياد» وعدم اتخاذ موقف. علماً أن دمشق، وفق معلومات «الأخبار»، تواصلت مع مسؤولين في بيروت وتمنّت التصويت ضد القرار، وخصوصاً أن تشكيل اللجنة هو «اختراع أميركي - أوروبي يدخل في إطار الضغط على العرب الذين يفتحون الأبواب لسوريا، ورسالة اعتراض واضحة على سياسة الانفتاح على دمشق»، إلا أن ميقاتي أصرّ على الموقف «الرمادي» متلطّياً بالموقف السعودي، كي لا يغضب أحداً
وقالت مصادر دبلوماسية إن « أحداً لا يمنع أهالي المفقودين من القيام بأي شيء لكشف مصير أبنائهم، لكن لا أحد يشكّ بأن هذه الخطوة هي سلسلة من خطوات أخرى ستتخذها الإدارة الأميركية ودول أوروبية، وحتى عربية، من أجل تخريب اتفاقات التسوية في المنطقة، ومن ضمنها إعادة سوريا إلى الجامعة العربية»، مشيرة إلى أن «الأميركيين تجاوزوا الآلية الأممية وذهبوا إلى الهيئة العامة لتحجيم التأثير الروسي ومنع موسكو من استخدام حق الفيتو، علماً أن مثل هذه القرارات تُتخذ في مجلس الأمن». وقالت المصادر إن لبنان بامتناعه عن التصويت أدار الظهر مجدداً لسوريا، والمسؤولية تقع على عاتق ميقاتي وليس وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، لأن رئيس الحكومة هو من طلب ذلك مستقوياً بالموقف السعودي.
وتساءلت المصادر: «لو كان القرار العربي هو لصالح تشكيل اللجنة، كيف كان سيتصرف ميقاتي؟ هل كان سيتخذ موقفاً مماثلاً ويزيد الأمور تعقيداً مع الدولة السورية؟». وأضافت: «لماذا لم يبادر لبنان بعد إلى اتخاذ خطوات جريئة تجاه سوريا التي لن تنظر إلى الامتناع عن التصويت كمبادرة حسن نية، وإنما تأكيد على أن لبنان الذي يمثله ميقاتي اليوم لا يزال يمتنع عن فتح الأبواب المغلقة معها منذ عام 2011 تحت ضغط الخارج»، وهو ما يعني استمرار العلاقة «المتأزمة» وتداعياتها على مستويات كثيرة داخل لبنان. ورأت المصادر في الموقف اللبناني «هروباً من المسؤولية، فالقرار الذي اتخذته الدول العربية بالامتناع عن التصويت يتناسب مع مصالحها وهو مدروس بعناية، وكان على لبنان أن يتخذ القرار الذي يتناسب مع مصالحه بالتصويت ضد القرار لأن ما يضر بسوريا يضر لبنان، كما أثبتت الأحداث طوال الأعوام الماضية».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :