قبل أكثر من سنة ونصف، علّق رئيس الحكومة السابق والزعيم السني الأبرز في لبنان سعد رفيق الحريري نشاطه السياسي وقرر عدم الترشح للانتخابات البرلمانية أو دعم أحد، تاركًا خلفه حقل ألغام السياسة اللبنانية وفراغاً لم ينجح أحد بملئه، وتياراً شعبيًا متماسكًا وسطيًا عابرًا للطوائف وبلدًا يعاني أعمق أزمة أقتصادية في تاريخه منذ العام 2019 مع أزمة سياسية مرشحة لمزيد من التعقيد في ظل العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية.
تحمّل الرئيس الحريري كل أشكال الضغط المالي والاقتصادي والاستهداف السياسي والإعلامي للنيل منه ومن مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتمرير مشاريع عدة، ورفض الحريري الاقتتال الطائفي وطرح الفيدرالية والانعزالية وتقسيم البلاد وكسر الوفاق والتوازن الوطني وفق مندرجات إتفاق الطائف .
أحدث انسحاب الحريري هزّة داخل المنظومة السياسية وحاول إيجاد حلول والانفتاح على جميع المكونات السياسية لإنهاء الأزمات إنطلاقا من مصلحة لبنان واللبنانين، فحيكت له المؤامرات من رموز المنظومة العقيمة.
وتسبب انسحاب الحريري بخلل على صعيد التمثيل الطائفي والتوازنات وحاول عدد من اللاعبين الجدد الدخول إلى الخارطة السياسية لملء الفراغ لكن تعثروا وفشلوا في أن يكونوا عابرين للمناطق والطوائف كما فعل الرئيس سعد الحريري من خلال دوره الوطني في الحياة السياسية اللبنانية.
تعامل المنظومة مع الواقع
سعت المنظومة الحاكمة للتعامل مع مفاعيل الإنسحاب الطوعي للرئيس الحريري وحاول بعض نواب السنة "تناتش الساحة السنية" في ضوء طرح بعض الأسماء نفسها كبديل عن الرئيس الحريري.
وفيما السؤال يدور الآن في لبنان حول خلافة الرئيس الحريري، يصح السؤال أيضا حول ما إذا كان الرجل سيعود ليتبوأ موقعه بين صفوف النخبة السياسية مرة أخرى لإعادة لبنان الى الخارطة العربية والدولية وذلك بعد انتخاب رئيس للجمهورية والعمل معا على إنقاذ لبنان.
ثبُت أن الرئيس سعد الحريري بعيد من الشعارات الشعبوية والطائفية ولم يتبن خلال مسيرته السياسية مشاريع فتنة أو طائفية أو حتى مؤامرة للإقتتال بين اللبنانيين، فهو المؤتمن على مسيرة ونهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي استشهد في 14 فبراير/ِشباط 2005، التاريخ الذي أدخل الرئيس سعد الحريري اللعبة السياسية ثلاثينيًا، ليحمل ثقل وراثة أبيه ويغادرها بعد سبعة عشر عامًا تغيّرت فيها موازين القوى الداخلية والإقليمية.
أطل الرئيس سعد الحريري على جماهيره هذا العام في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ورغم الغياب، بقي ينظر إليه على أنه الزعيم الأقوى للسنة على الساحة اللبنانية والمؤتمن على اتفاق الطائف .
المشهد الابرز، بيروت لم تنس الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله الرئيس سعد الحريري رغم اعتزاله العمل السياسي، فمعظم انتخابات النقابات والجمعيات والروابط والهيئات الجامعية والاجتماعية فاز بها مرشحون محسويون على تيار المستقبل مخلصون للرئيس سعد الحريري، وذلك من غير دعم أو فرض رأي من تيار المستقبل .
ما قبل تعليق العمل السياسي
بالعودة الى السنوات السابقة قبل تعليق عمل الرئيس سعد الحريري وانسحابه الطوعي من الحياة السياسية وعهد جهنم السابق، كان رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال عون مناوئًا للرئيس سعد الحريري، وانتقد مرارًا السياسات المالية والاقتصادية التي تبعها أبيه الرئيس الشهيد رفيق الحريري ودافع عنها هو، وتحمل جرح 7 أيار اللعين، وقد نجح الحريري من تحييد لبنان من المنظمات الإسلامية الإرهابية المتطرفة التي تمددت في سوريا والعراق.
قراءة خليجية
يقول دبلوماسي خليجي سابق في حديث لـ"جسور": اندلعت الاحتجاجات في لبنان رفضًا لمشروع حكومة الحريري لزيادة الضرائب على المواطنين في موازنة 2020، لتوفير موارد جديدة، مارس رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مساع حثيثة لإيجاد حل للأزمة التي تشهدها البلاد فوصل الحريري إلى "باب مسدود" في مساعيه، استقالت حكومته استجابة لمطالب المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين باستقالة الحكومة وإسقاط النظام الطائفي المتحكم بالساحة السياسية اللبنانية منذ عقود.
يتابع الدبلوماسي الخليجي، أتذكر حينها دعت دول ومنظمات عدة إلى الهدوء والاستقرار والتعاون بين الأطراف السياسية في لبنان بعد أن أعلن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري استقالته، وللتاريخ يتمتع الرئيس سعد الحريري بشجاعة لا توصف فهو يعترف عندما يصيب ويحاسب نفسه عندما يخطئ وهو قادر على تحمل المسؤولية التي أحرجت المحتجين الثائرين في شوارع بيروت.
أخطأ العهد السابق برئاسة ميشال عون والمنظومة السياسية ومعظم الأحزاب اللبنانية بحق رئيس الحكومة السابق، الذي لم يلوث يديه بحرب طائفية ونجح بإطفاء الفتنة السنية الشيعية التي كان ليتمدد حريقها الى المنطقة.
أما عن العهد السابق أو ما يعرف بعهد جهنم، الرئيس سعد الحريري لا يتحمل مسؤولية بإنتخاب ميشال عون ومعروف من دعم الرئيس عون الذي أتى على ظهر اتفاق معراب ولم يجد الحريري في نهاية المطاف خياراً سوى المضي بما اتفقت عليه الأحزاب اللبنانية.
على كل حال، واهم من يعتقد أن الرئيس الحريري قد خسر مستقبله السياسي في لبنان، فهو السياسي الأقوى العابر للطوائف على الساحة اللبنانية، لكن الرجل الوسطي المناسب في الوقت المناسب، وإن الغد لناظره قريب.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :