كتب الإعلامي سامي كليب:
في الجلسة الانتخابيّة يوم الأربعاء المُقبل، يتنافس مُرشّحان من شمال لُبنان هُما سليمان فرنجيّة وجهاد أزعور. وريحُ الشمال أيضًا يقودها سمير جعجع وجبران باسيل ونوّاب آخرون، في معركةَ اسقاط رئيس تيّار المردة دون قناعة جدّية بأزعور. فتتأهّب كلُّ حواس ابنَيّ الجنوب نبيه برّي وحسن نصرالله للمواجهة، بينما يقلب ابن الجبل وليد جنبلاط طاولةَ التكهّنات، فيقرّر دعم أزعور بعدما كان قد وعد صديقَه برّي بالورقة البيضاء.
جلُّ المعركة يتمحور حول هذه الأطراف، وكثيرٌ من حسمِها يتوقّف على قدرة كلّ منها على جذب الآخرين من النوّاب السُنّة، إلى التغييرين، إلى السياديين، إلى المعتدلين، إلى آخر اللائحة من المسمّيات الجديدة والمستجدة.
في جغرافيّتِها وحدّتها، توحي معركةُ الأربعاء المُقبل، بشراسة التنافس وتمدّده على مساحة الوطن. وإذا كان البعضُ يرى في الأمر بادرةَ خيرٍ للخروج من الانتخابات المُعلّبة والمعروفة النتائج سلفًا إلى شيءٍ من التعدّدية، فإن الثنائي الشيعي يبدو وأكثر من أي وقت مضى متمسّكًا بمقولة: “سليمان فرنجيّة أو لا أحد”، بينما خصومُه الذين يُجاهرون، عن قناعةٍ أو ضرورةٍ أو للمناورة، بجهاد أزعور، يضعون اسقاط فرنجيّة هدفًا أولاً، والبقيّة تأتي لاحقًا.
كان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مطمئنًّا حتى منتصف الأسبوع الماضي. كاد يملكُ الأصوات المطلوبة لإنجاح أشرس معارِكِه في مجلس النوّاب وربما آخر معارِكه كرئيس للمجلس. كان كلُّ شيءٍ عنده من الخارج والداخل يوحي بأنَّ فوز رئيس تيّار المردة سليمان فرنجيّة بالرئاسة بات قاب قوسين وأدنى. لكن الرياح الجنبلاطيّة جاءت بما لا تشتهي سُفُن الثنائي.
وفي المعلومات، أنّ النائب الدرزي وائل أبو فاعور، كان قد أبلغ نبيه برّي بأنّ اللقاء الديمقراطي قرّر التصويتَ بورقةٍ بيضاء. نال الرجلُ وقائدُه وليد جنبلاط ثناءَ وشُكرَ الصديق القديم المتربّع على عرش المجلس النيابي منذ نحو 31 عامًا، لكن سُرعان ما انقلبَ السحرُ على الساحر. فوجئ برّي في اليوم التالي بوائل أبو فاعور نفسِه يقول على إحدى التلفزات المحليّة بأن التصويت الاشتراكي سيكون لصالح أزعور.
جرى اتصالٌ بين برّي والقيادي الاشتراكي والوزير السابق غازي العريضي الذي سمع في عين التينة (مقرّ بريّ) كلامًا عن الصداقة القديمة التي تربط رئيسَ حركة أمل بالزعيم الدرزي، وبأنَّ وليد جنبلاط يبقى صديقًا في الخصومة والموالاة، وانَّ هذه الصداقة الممتدة إلى نحو نصف قرن لن تتأثر بقرار تأييد أزعور. وأجاد العريضي، على جري عادته، في مبادلة المديح بأكثر منه، وبشرحِ الظروف والمآلات.
لا كلام برّي ولا شروحات العريضي، استطاعوا إلغاءَ الأسئلة الكثيرة عن هذه العقدة الجنبلاطية المستجدّة. صحيح أنَّ جنبلاط كان في طليعةِ مَن رشّح أزعور، لكن هذا لا يكفي لمعرفة حقيقة الموقف، فهل في الأمر سببٌ داخليٌّ جُنبلاطي يتعلّق بتشدّد تيمور جنبلاط ضد فرنجيّة ورغبتِه بالشروع في مسيرة تغيير شبابيّة سياسيّة حقيقيّة في الحزب ونهجه؟ أم فيه إشاراتٌ سُعودية التقطها جنبلاط؟ أم أنّ الزعيم الاشتراكي يناور في الجولة الانتخابيّة الأولى لصالح أزعور، وهو مُدركٌ سلفًا بأنّ هذا المُرشّح لن ينجحَ، ما يسمح له بتغيير المسار حين يأتي وقتُ الحسم؟
كلّ الاحتمالات واردة، لكن الأكثر مثارًا للقلق بينها، هو أن يكون الموقف الجنبلاطي متأثّرًا بإشارات سُعودية جديدة. ففي قراءة الثُنائي الشيعيّ، أنَّ موقف الريّاض انتقل من الرفض المُطلق لفرنجيّة في الاجتماع الخُماسي في فرنسا، إلى الحياد الإيجابي، وكان من المُأمول، أن يتقدّم هذا الموقف خطوةً أيجابيّة لصالح فرنجيّة بعد التدخلات الفرنسيّة والتمنيّات الروسية والاشارات السورية. لكن هذا لم يحدث.
ماذا لو كانت الضغوط الأميركيّة والقطريّة ذهبت باتجاه آخر لعرقلة وصول فرنجية؟
الأمر مُحتمل، لذلك ينتقل موقفُ الثُنائي من حال التأهّب، الى الاستعداد للمنازلة.
لن يُسمح بانتخاب أزعور حتّى لو حصل على أكثر من 60 صوتًا في الدورة الأولى. هذا منطق الثُنائي.
لكن لا شكّ في أنَ حصولَه على أكثر من 60 صوتًا والتفوّق على فرنجيّة في الدورة الأولى سيكون مُحرجًا، ويزيد الحملةَ السياسيّة والاعلاميّة ضد الثنائي بتهمة عرقلة انتخاب رئيس.
لا يهمّ، فالقرارَ عند الثنائي مُتَخذٌ ولا حياد عنه مهما كانت النتيجة، وحتّى لو حصل أزعور على 80 صوتًا، لن يُسمح بكسر سليمان فرنجيّة مهما كلّف الأمر وطال.
يُقال إن اللقاء بين الرئيس السوري بشّار الأسد وولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان تطرّق الى مسألة الانتخابات. ونقل المقرّبون من فرنجيّة بعدَه أجواء إيجابيّة، تضاعفت بعد استقبال الأسد للرئيس اللُبناني السابق ميشال عون. تعمّد الأسد في اللقاء تذكير ضيفِه الحامل اسم المُرشّح زياد بارود ( وليس أزعور)، بالصداقة العميقة مع فرنجيّة ونصح بجسرٍ الهوّة بين التيار الوطني الحُر وحزب الله.
المعركةُ ستكون إذًا حاميةَ الوطيس ابتداءً من الأربعاء، لكنَّ الثنائي يزداد تشدّدًا، فلا برّي يقبل السماح لخصمه اللدود جبران باسيل بتحقيق مآربِه، ولا حزب الله يقبل بأن يُضحّي بكل رصيده الاستراتيجي الذي يعتبر أنّه حقّقه على مدى العقدين الماضيين لصالح خصومه كي يسلّمهم طوعًا منصب الرئاسة الذي بات يعتبره ضمن دعائمه الاستراتيجيّة.
لذلك لم يتردّد الرئيس برّي في القول أمام زائرَيه المطرانين بولس عبد الساتر ومارون العمار، الموفدين من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره الراعي، إنّ لا مُرشّح بديل عن فرنجيّة. وذلك فيما ينشط الثنائي في محاولة اقناع النوّاب الرماديّين أو المتردّدين أو الذين نجحوا بأصوات الثنائي في الانتخابات التشريعيّة الأخير، بالتصويت لفرنجيّة.
حاول رئيس المجلس مرارًا أن يفتح الباب للحوار، لكنّه يشعر بالخذلان من عدم التجاوب. وهو إن حاولَ بعد جلسةِ الأربعاء التي لن تُفضي حتمًا إلى انتخاب رئيس، إعادةَ التذكير بلغة التفاوض، فلن يفعلَ ذلك للاتفاق على مُرشّح ثالث، وإنّما للقول بأنّ الخيارين الوحيدين المُتاحين، هُما سليمان فرنجيّة أو الانتظار إلى ما شاء الله.
والسؤال من الآن حتّى الأربعاء سيبقى متمحورًا، حول عدد الأصوات الذي سيصبّ في خانة أزعور، فالعدد هو الحصان الذي يُراهن عليه خصومُ الثنائي لرفع مستوى التحدّي.
لكن ما هو مشروع سليمان فرنجية أو جهاد أزعور للوطن؟ الجواب ليس مُهمًّا الآن. فمعاركُ طواحين الهواء بين حلفاء المتنافسين هي الأهم. واذا كان الثنائي لن يستطيع حاليًّا إيصال فرنجيّة بالأصوات، فهو حتمًا لن يسمح لأزعور بالمرور.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :