يبدو بأن المبادرة الفرنسية لتسويق رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية قد قاربت الوصول الى نهايتها، بعدما فشل مستشارو الرئيس ماكرون في اقناع الكتل النيابية المسيحية بقبول التسوية التي تطرحها باريس، مستندة على الضمانات التي قدمها فرنجية لقصر الاليزيه عند زيارته الاخيرة. كما يبدو بأن كل الجهود التي بذلتها السفيرة الفرنسية لاقناع رؤساء هذه الكتل النيابية بقبول ضمانات باريس قد فشلت.
وكانت الخارجية الفرنسية قد حددت في آذار الماضي خياراتها لاخراج لبنان من مأزقه الراهن على لسان الناطقة الرسمية آن كلير لوجندر من خلال «انتخاب رئيس للجمهورية قادر على جمع اللبنانيين، وتشكيل حكومة فاعلة، وادخال الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وفتح الباب بالتالي للحصول على الدعم المالي لاطلاق عجلة الاقتصاد».
وكانت مجموعة دعم لبنان التي انعقدت في باريس المؤلفة من فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والعراق عبرت عن مخاوفها وهواجسها العميقة من استمرار الفراغ الرئاسي وتداعياته السياسية والاقتصادية والنقدية، وانعكاساته على مستقبل البلاد.
ودعت مجموعة دعم لبنان القادرة السياسيين اللبنانيين وخصوصاً اعضاء المجلس النيابي لتحمل مسؤولياتهم الدستورية، واحترام نصوص اتفاق الطائف وانتخاب رئيس للجمهورية دون تأخير. ووجهت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية انذاراً للقادة اللبنانيين بقولها: «ليكن واضحاً لجميع هؤلاء الذين يعرقلون انتخاب الرئيس بأنهم جزء من المؤامرة لاسقاط الاقتصاد وبأنهم سيتحملون نتائج فعلتهم». ولكن دون تحديد الاجراءات التي يمكن ان يواجهونها. لكن استتباعاً لهذه التحذيرات الغامضة، فقد اعلنت باريس في مرحلة لاحقة، في شهر نيسان بأنها قد فرضت عقوبات ضد هؤلاء المعرقلين، ولكن دون تسميتهم، ودون تحديد العقوبات المفروضة.
بعد بلوغ المبادرة الفرنسية لرأب فجوات القطيعة القائمة بين المعارضة البرلمانية وتكتل أمل - حزب الله - تيار المردة، الحائط المسدود، بعد فشل محاولات الرئيس ماكرون في الحصول على ضوء اخضر سعودي بالقبول بفرنجية كمرشح للتسوية، فإن اي امل بعودة الرئيس بري لدعوة المجلس النيابي لجلسة مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية ستبقى مؤجلة الى حين.
في نفس الوقت يبدو بوضوح بأن كل الآمال لحصول حوار جدي بين الافرقاء اللبنانيين وخصوصاً بين الكتل النيابية المسيحية من اجل التوصل الى مرشح توافقي، هي مجرد اوهام ولن يتحقق اي تقارب في ما بينها، حيث يبقى كل تكتل منها أسير مصالحه الخاصة وارتباطاته الخارجية. ويبقى من المستحيل رأب الصدع القائم في العلاقات بينها وذلك انطلاقاً من الارث السيىء الذي خلفته تجربة عام 2016، وان حملت العماد عون الى الرئاسة، مع كل ما انتجته من خيبات الأمل بعد سقوط كل الالتزامات والوعود بين الاطراف.
في الوقت الذي فتح الاتفاق السعودي - الايراني الذي جرى توقيعه برعاية صينية نافذة أمل بحل مختلف الازمات المزمنة في دول المنطقة، بدءاً من الحرب في اليمن، إلا ان حل الازمة اللبنانية الراهنة ما زال يبدو بعيداً. ولا نغالي اذا قلنا بأن معظم تعقيدات الازمة اللبنانية من حصول الفراغ الرئاسي الى الانهيار الاقتصادي ما هي سوى جزء من تساقطات الصراع السياسي بين المملكة العربية السعودية وايران، وان معظم التهديدات الامنية وحالات عدم الاستقرار الداخلي كانت من النتائج المباشرة لهذا الصراع الاقليمي، حيث انقسمت القيادات والفئات اللبنانية بين قطبيه.
تعقد الآن الآمال الكبار عربياً ودولياً على هذا الاتفاق السعودي - الايراني، والذي بدأ بالفعل يعطي ثماره لتحسين العلاقات بين الرياض وطهران بدءاً من اعادة العلاقات الدبلوماسية بعد انقطاع دام سبع سنوات. بالاضافة الى هذا الجهد لاستئناف العلاقات فقد بدأت الجهود تثمر في وقف العمليات القتالية في اليمن مع تحقيق اجواء العداء بين الحكومة اليمنية والحوثيين من خلال تسريع عملية تبادل الاسرى. وسارت العملية اليمنية جنباً الى جنب مع الزيارات المتبادلة لوزيري خارجية كل من سوريا والمملكة العربية السعودية، وبما يؤكد وجود رغبة عربية لاعادة سوريا الى جامعة الدول العربية، وبدءاً من دعوتها لحضور القمة العربية في الرياض في منتصف شهر ايار المقبل.
في المقابل يبدو بأن الاتفاق السعودي - الايراني لم ينتج اية دينامية ولم يفتح اي افق لحصول تسوية لبنانية، تسهل انتخاب رئيس جديد للبلاد. ولا يتعدى الجهد الايراني والسعودي باتجاه لبنان الاتصالات والزيارات من اجل الدعوة للحفاظ على الاستقرار، ومنع حصول مزيد من التشنج والانزلاق نحو الفتنة. في الوقت الذي نتشارك فيه الرأي مع وزير خارجية المملكة الامير فيصل بن فرحان بأن حل الازمة الرئاسية والتحضير لحل الازمة الاقتصادية هو بأيدي اللبنانيين، فإن ذلك يتطلب حواراً جدياً بين مختلف الافرقاء السياسيين، الامر الذي لا يبدو ممكنا في الوقت الحاضر، كما انه من المتعذر على افرقاء المعارضة التوافق على مرشح موحّد، قادر على مواجهة سليمان فرنجية مرشح حزب الله وحركة أمل في جلسة انتخابية متكافئة، يمكن ان تنتهي بانتخاب الرئيس العتيد. لكن في نفس الوقت لا يبدو بأن الحوار مع حزب الله سيكون مسهلاً وذلك لسببين: تمسك حزب الله بفرنجية كمرشح حليف ومؤمن بخيار الممانعة، والثاني رفض قوى المعارضة بشقيها المسيحي والاسلامي بالتنازل عن مطلبها بانتخاب رئيس سيادي، لا يخضع في خياراته لحزب الله، وذلك بعدم تكرار التجربة السيئة بانتخاب ميشال عون.
في المقابل تتحدث مصادر حزب الله عن وجود نية لدى الحزب للمساومة على مرشحها بمرشح مستقل، وذلك تفادياً لعدم تكرار التجربة التي مرّت بها مع الرئيس ميشال سليمان، والذي اشهر رفضه لدور الحزب في خياراته الداخلية، كما رفض كلياً الاعتراف «بالثلاثية» التي اعتاد الحزب فرضها على كل الحكومات السابقة.
اذا كان من المبكر وفق رأي العديد من المتابعين للازمة اللبنانية، توقع ان يثمر الاتفاق السعودي - الايراني عن اي توافق لبناني يسهّل انتخاب الرئيس. وبعد تعثر المبادرة الفرنسية وامكانية سقوطها قريباً، يبقى الأمل في ان تستكمل دولة قطر اتصالاتها بمختلف اطراف الازمة الداخليين من اجل تهيئة الارضية للدعوة لمؤتمر «دوحة اثنين»، لبدء حوار جدي بين المعارضة والكتلتين الشيعيتين من اجل البحث والتوافق على مرشح مستقل للرئاسة، مع ترجيح طرح اسم العماد جوزيف عون قائد الجيش. وفي حال تحجج البعض بأن الامر يتطلب تعديلاً دستورياً، فيمكن البحث في تسويق شخصية من خارج الوسط السياسي.
نسخ الرابط :