} يوسف المسمار*
المقاومة المنتصرة ليست تصدياً وصموداً ودفاعاً بل هي حركة هجوميّة بكل ما يعني الهجوم من معانٍ، وبكل ما تتطلب العافية من أسباب، وبكل ما يعني الوعي من استيعاب وتعمّق وانفتاح، وبكل ما يعني انعتاقنا من مفاهيم الجاهلية البغيضة، والخضوع لتقاليد الذل والهوان، وبكل ما يعني الانطلاق من حقيقة الواقع الطبيعي لأمتنا وتاريخها وحضارتها وملاحمها ومنجزاتها ببطولة لا تعرف المواربة ولا الخجل من إعلان ما يجب إعلانه، ومن إزالة ما تنبغي إزالته، ومن تدمير ما يتحتم تدميره.
المقاومة المنتصرة هي أن نعلن من دون مواربة أننا مجتمع واحد هو خلاصة مزيج سلالي ممتاز تكون عبر التاريخ، لنزيل بهذا الإعلان جميع الحواجز بين مختلف الاتنيات والطوائف والمذاهب والفئات والتجمعات والكيانات المصطنعة، وندمّر كل ما بناه أعداؤنا لتمزيقنا وتعطيل فعاليتنا.
لقد كانت ولادة كياناتنا السياسية إنتاج إرادة المستعمرين المحتلين في معاهدتي سان ريمو، وسايكس بيكو، ووعد بلفور الذي زرع في قلب أمتنا جرثومة الكيان اليهودي. وقد أعلن أعداؤنا الإنكليز والفرنسيون بالأمس بكل وقاحة عن هدفهم من تمزيق مجتمعنا وتسميته بـ «الشرق الأوسط» بدل اسمه الحقيقي «سورية الطبيعية أو بلاد الشام والرافدين» للسيطرة على العالم انطلاقاً منه.
وأعلن أعداؤنا اليهود هدف مخططهم صراحة حين قالوا إنهم يريدون إقامة حلمهم التوراتي «إسرائيل من الفرات الى النيل مكان سورية الطبيعية الهلال السوري الخصيب».
واليوم تعلن الولايات المتحدة الأميركية هدفها بكل وضوح ودون مواربة أنها تريد: «إنشاء الشرق الأوسط الكبير» في البيئة التي مزقتها معاهدة سايكس بيكو بإعادة ما سُلخ منها لدول الجوار أي على كامل أرض بلاد الشام والرافدين بما فيها جزيرة قبرص. وهذا ما عناه «الشرق الأوسط الكبير» الذي يعني بيئة بلاد الشام والرافدين من وراء جبال طوروس في الشمال الى قناة السويس في الجنوب، وإعادة ما اقتطع من بادية الشام حتى القطيف، ومن جبال زغروس والبختياري والأهواز في الشرق والجنوب الشرقي الى البحر الأبيض المتوسط الى ما بعد بعد جزيرة قبرص. هذا «الشرق الأوسط الكبير» هو الهدف المطلوب لحلف الاستكبار العالمي. حلف الإدارة الأميركية – الصهيونية – الماسونية السرية الذي يخطّط لحكم العالم والسيطرة على كل موارده ومقدراته المرئية وغير المرئية.
ولهذا السبب كان تفكير أعدائنا يفتش عن الثغرة التي يمكن التسلل منها من أجل إفراغ بيئتنا الجغرافية الطبيعية من وجودنا فيها بطرق شتى كإجبارنا على الهروب، والهجرة، والتهجير، والتشتيت، والتقاتل، والقتل، والإغراء بتشكيل مشيخات وإمارات ومحميات وكيانات ضعيفة. وحقن أبناء شعبنا بجراثيم ثقافية جاهلية تشوه ثقافتنا الحضارية الى ان تكتمل عملية التآكل الداخلي ويسقط مجتمعنا ركاماً من الخرائب المادية والنفسية، فيحرّكون بلدوزراتهم وآلاتهم وجرافاتهم وعمالهم لتنظيف بيئة وطننا الجغرافيّة من آثار دمار وخراب وركام اتنياتنا وطوائفنا وفئوياتنا.
وهذا لا يتحقق لهم إلا بالخطة التي توصّلوا إليها بعد دراسات وأبحاث وتحليلات ومناقشات وكانت الخطة هي: «تفجير الفوضى الخلاقة «التي تقوم على ركيزتين هما: الأولى تفجير وتدمير مجتمعنا، والثانية خلق البيئة الصالحة والجو الملائم لإقامة مشروعهم.
والمناداة اليوم بالدولة اليهودية لليهود هي من ضمن خطتهم لإقامة مهزلات مشيخات مذهبية هزيلة، وإمارات طائفية تكفيرية، ومحميّات أسرية أو عائلية متزمتة أنانية يسمّونها دولاً. وهذه اللعبة لا تنطلي إلا على الأغبياء.
ومخطئ من يظنّ أن أعداءنا سيسمحون بدوام إمارات ومشيخات ومحميات وإقطاعيات عائلية أو اتنية في بلاد الشام والرافدين، أو أنهم سيسمحون لنا بالبقاء في قواويش وزرائب وأقفاص واسطبلات اتنية وطائفية ومذهبية وقبائلية وعشائرية وفئوية في الموقع الجغرافي الاستراتيجي الممتاز في قلب العالم.
فهم لم ينفقوا مئات الترليونات من المال، ويدفعوا مئات الآلاف بل الملايين من الجنود، ويبذلوا الجهود الخارقة والفظيعة من اجل إقامة ممالك وامارات ومشيخات كرمى لعيون عبيدٍ أغبياء مجانين جاهليين همجيين متوحشين مكانهم الطبيعي في محاجر مغلقة، وسراديب خانقة وقبور عفنة لا نوافذ لها لتمنع نتنهم من الانتشار.
وقد ظهرت بوادر مشروعهم عندما اجتاحوا العراق ودمّروا بنيته التحتية وفتكوا بأهله فخدعوا أبناء أمتنا الأكراد وأنشؤوا دولة «كردستان العراق» ولا زالوا يعملون لإنشاء «دولة سنة العراق» و»دولة شيعة العراق» و»محمية أشوريي العراق».
وبدلاً من أن يكون وطن الكردي والسني والشيعي والأشوري هو كامل بلاد الرافدين والشام كلها من المتوسط الى الخليج، ومن تركيا إلى حدود مصر يكتفي المتعصبون الجاهليون بمحجر صحيّ للأكراد في الشمال، ومحجر صحي للسنة في الوسط، ومحجر صحي للشيعة في الجنوب، ومحجر صغير للأشوريين يتجاذبه ويتناتشه متعصبو الأكراد والسنة والشيعة.
وكذلك يعمل الأغبياء والعملاء والخونة لإقامة محاجر صحية وزرائب طائفية ومذهبية في كل ربوع بلاد الشام والرافدين.
وبدلاً من أن يكون حق كل مواطن من هؤلاء ثابت له ولذريته من بعده في كامل ربوع بلاد الشام والرافدين اعتباراً من بداية تاريخ الإنسانية الى ما سوف تكون الإنسانية في مقبل العصور مُسخ حقه وشـُوّه ليصبح ساطوراً فوق رأسه بيد حكومة الولايات المتحدة الأميركية التي أنشأت كيان «دولة كردستان العراق» وتعمل على إنشاء دويلات: «شيعة وسنة وأشوريي العراق».
ان خطة الأعداء هي إفراغ وطننا من وجودنا فيه، وإقامة قاعدة تحكـّـُمهم وإشرافهم على العالم من أرض وطننا.
هذه هي حقيقة عدوانهم وهذا ما يجب علينا التنبه اليه والعمل على إفشاله وكسره وقهره ورد كيدهم الى نحورهم ولو كان حجم التضحيات من أجسادنا ما يمكن أن يصل الى أبعد أبعاد السماء.
لقد جرَّب الكثيرون من مجانين الأمم ومعتوهيها ممن توفرت لهم الظروف أو حالفهم الحظ في قيادة جيوش إرهابية جرارة أن ينفـّذوا مشروع الهيمنة والسيطرة فدخلوا التاريخ، ولكن ليس كل من دخل التاريخ كان منتصراً، بل إن أكثر من دخل التاريخ كان منهزماً ومقهوراً، لأن الانتصار الحقيقي هو الانتصار بالحق والفضيلة، وللحق والفضيلة، وهذا هو انتصار الحضارة.
وكذلك الهزيمة هي الهزيمة باعتماد الباطل والرذيلة، وللباطل والرذيلة، وهذه هي الهزيمة المنكرة التي تعود بالإنسان من قمم الحضارة الى دهاليز الهمجية والتوحش.
*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.
نسخ الرابط :