ميخائيل عوض
طال الفراغ الرئاسي، وقد يستمر طويلا بظل الحرتقات والصراعات بين الزعماء واقطاب الطوائف والمذاهب المتصارعة على فتات ازمة عاصفة لا تقيت احدا ما لم يكن الصراع والحروب بينهم على ثروات النفط والغاز الموعودة، وحفنة من الديون المراهن عليها، فمن شفط البحر لن يغص بالسواقي....
والفراغ في المؤسسات ودور الدولة يقترب من ان يكون عاما وشاملا وتصبح البلاد والعباد بيد زعران وشبيحة الزواريب وبعض القوى المتمكنة، فلا جدية او جهود او وطنية ولا اجتماعية عند اي ممن يسيطرون ويتمثلون في المؤسسات والحياة السياسية وكلهم مسؤولون عما الت اليه البلاد، بعضهم بقصد وتصميم وبعضهم بالسلبية وبموقف شهادة الزور، والتعايش مع المنكرات ولم يسعوا لتقويمه لا بالسيف ولا باليد وحتى لا بالقلوب اضعف الايمان..
عناصر الازمة واساساتها البنيوية في لبنان ظاهرة للعيان وقد وصفها الخبراء والكتاب وخبراء صندوق النقد والبنك الدولي انفسهم الذين يجري استجدائهم لتوصيف الحلول بالديون والتبعية وهي عميقة جدا ولا تحل بالوسائل التقليدية او بالإصلاح وروتشة النظام.
فلبنان مضروب بأزمة تكوينية بنيوية بسبب فقدان الكيان لوظائفه، وقد زاد في انتفائها تدمير المرفأ وانهيار القطاع المصرفي وقطاعات الخدمات والسياحة، وقد حذر الرئيس ماكرون اللبنانيين من خطر زوال الكيان، كما ان النظام السياسي نظام المحاصة الطائفية افلس ولم يعد من قدرة او فرصة لتجميله او ترقيعه بعد ان جرت ثلاث محاولات بالعنف في ازمة ال٥٨ وفي الحرب الاهلية وفي جولة العنف السريعة ٧ ايار ٢٠٠٨ وهو في ازمة افلاس النموذج الاقتصادي وتضربه عاصفة عاتية وازمة وصفها البنك الدولي بانها الاخطر والاولى في التاريخ بعد ان كان صنفها الثالثة خلال قرن ونصف.
ولهذا؛ فان لبنان دخل حقبة الفراغات الشاملة فراغ في بعبدا وفراغ حكومي وازمة دستورية وفراغ في الدولة وتعطيل اعمالها وفراغ في الخزينة وقد افرغت المنظومة اللصوصية المافياوية ودائع اللبنانيين وجيوبهم وتعويضاتهم ومشفاهم وجامعاتهم ومدارسهم، وصيدلياتهم، والفراغ يصيب لبنانهم الاخضر والمشجر، وفراغ وانهيار القضاء، وفراغ تعطيلي في البرلمان، ولم يبقى الا المؤسسة العسكرية المحتمل انهيارها ليدخل لبنان حقبة الفوضى والتوحش.
كما تقع الازمة اللبنانية العاتية والشاملة والعنيفة، في ظل ازمة اقليمية تاريخية تضرب تشكيلات الاقليم القديمة وتوجب اعادة هيكلة الجغرافيا والنظم والتوازنات وعلى الصعيد الدولي فالعالم ونظامه القديم يعاني من ازمة فراغ وتجري عملية اعاد تشكيله، وقد فرضت جائحة كورونا قواعدها وقوانينها الجديدة وكذلك اطلقت الثورة التقنية الرابعة عوامل دفن النظام القديم وقواعد قوانينه الناظمة للعلاقات بين البشر والامم والقارات والقوى وتاليا يعاني لبنان من فراغ الاهتمام الاقليمي والدولي به وبأزماته ليبتلعه الفراغ..
عليه؛
فلبنان معرض للفوضى وزوال الكيان او اجراء تغيرات جذرية في نظامه وفي وظائف كيانه، وتاليا في توازناته الداخلية وفي اعادة تشكيل وهيكلة بنيته السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية.
الفرصة ضيقة جدا لإنجاز التغيير الجذري عبر الوسائل الدستورية، وقد فاتت بما انتجته الانتخابات النيابية الاخيرة التي تمت دوزنتها على خطط شيا لإنتاج فوضى وفراغ نيابي، امنتها القوى التي كان مفترض انها جادة وساعية للتغير الايجابي، كما هي معدومة عبر الوسائل الثورية والانقلابية بعد ان اجهضت ثورة الكرامة وحقوق الانسان في ١٧ تشرين ٢٠١٩ وتنفتح كوة ضوء عبر انتخاب رئيس للجمهورية يستند الى كتلة وازنة تملك رؤية وبرنامج للخروج من الازمة حتى لو اقتضت" وقد تستوجب" الامور جولة عنف سريعة كالتي جرت في ٧ ايار ٢٠٠٨.
لبنان وازمته يدخل عنق الزجاجة، والانهيار يتسارع لا يوقفه الا محاولة محفوفة بالمخاطر للإنقاذ وبخطر الاشتباك السريع والحاسم، تمر عبر انتخاب رئيس بالأكثرية البسيطة، وفرض حكومة منسجمة ومتفاعلة خروجا على تقاليد حكومات لم شمل المنظومة وفرض برنامج ورؤية خلاصية ولو افترضت الامور جولة حسم سريع.
نسخ الرابط :