د. جهاد نعمان
لا يغرب عن الأذهان ان ما يجعل الحياة موحشة مملّة هو الحاجة الى حوافز تدفعنا الى القيام بأي نشاط، الى حد ان أولئك الذين لديهم تصور للآتي من الأيام لا يكادون يعانون نزاع الموت. وما دامت فيهم رغبة ما تحرّكهم، ترى لديهم مبرر وجود على نقيض أولئك الراضين الواجدين الراحة.
على المرء ألا يفقد الرغبات لديه، فهي حوافز قوية للابداعية والحب والعمر المديد. ألا ينتفي المعلول بانتفاء علّته؟ ان كل إنسان سويّ يتجاوز مستوى البهائم والنبات، وإن بدرجات، بحيث يضفي على حياته معنى ما أو قيمة مضافة. لذا، ان سر النظام العام هو الحوافز، لان الإنسان، عندما ينعم بما يكفي منها، ويبدو في أوج الفلاح، يعنى النظام في داخله أولا بدقائق تفاصيله من تلقاء نفسه.
وقد اتضح ان الرغبة الشديدة تخفف من وطأة العوائق. فالموهبة لا تكفي، وهي في حاجة الى حوافز ومثابرة، أي الى مزيج من الإيمان والغطرسة! حينما كنت شابا تحرّك في صدري توق نهم الى التقدير والتقريظ. فكان حسبي ان أشعر بأنني «سأريهم ما يمكنني أن أفعل»! لولا هذه الحال، ربما، لما كتبت ما كتبت. يجب ألا يدع الكاتب هذا القلق الناري جانبا. والكاتب لا يتقاعد.
إذا صرفنا إذاً العناية الى الكاتب رأينا ان صيحاته من أعماق قلبه هي أقوى من البركان، يحمل بها على العتاة الطغاة والأحوال المحيطة به حملات قوية صادقة، ويبرز ما يكتنزه من آيات وطنية وحكم سياسية ونظريات علمية وأدبية دقيقة وثيقة، ما يجعله في مصاف الفلاسفة والمصلحين. يؤلمه دون سواه أو أكثر من سواه ما يراه من مظالم الولاة، وتهافتهم على الرشوة، وانشغالهم عن الإصلاح باللهو والعبث وتبديد أموال الأمة. فأين وزارات التربية والثقافة والشباب الراقدة، تنشئ في أجيالنا الروح النقدية البنّاءة تثور ثائرتها عند الاقتضاء وتحثّ أصحابها على التكاتف والتآلف المجديين؟!
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :