ليس بيانا حزب الله والتيار الوطني الحر كما توزّع أصوات اقتراع الجلسة التاسعة لانتخاب رئيس للجمهورية الخميس، كفعل ثم كرد فعل، سوى تبادل رسائل سلبية بين حليفين لم يصلا إلى مثل هذا التحدي لتحالفهما قبل 16 عاماً. بعدما اعتادا اللوم والعتب وتسجيل المآخذ في الخفاء والعلن، للمرة الأولى يتبادر إلى الذهن تبرير موقفيهما كأنهما على أبواب أكثر من تباين وخلاف. البعض الشامت يعدّه إنذاراً بافتراق توطئة للطلاق، إن لم يكن قريباً إلا أنه لم يعد بعيداً كثيراً. نظر إليه بعضٌ آخر في الفريق الشامت أيضاً، الخصم للطرفين، على أن ما حدث نتيجة حتمية لمرحلة ما بعد ولاية الرئيس ميشال عون. عزا هؤلاء أصل دوافع «تفاهم مار مخايل» إلى صفقة مبكرة منذ عام 2006 بدعم وصول عون إلى رئاسة الجمهورية في مقابل توفير غطاء مسيحي لسلاح الحزب في الداخل، كي يستخلصوا الآن مبرر عدم استمرار التفاهم بعدما انتفت الحاجة، كما القدرة، إلى تكرار صفقة مماثلة للرئاسة اللبنانية المقبلة.
يتسلح الشامتون إياهم بملاحظتين على الأقل:
أولى أن حزب الله لم يعد قادراً، ولا يملك خصوصاً في ظل توازن قوى مجلس النواب، أن يفرض على الأفرقاء الآخرين رئيساً للجمهورية إما لا يريدونه أو هم على خلاف معه. مرور الوقت بين عامي 2014 و2016 حمل الأفرقاء إياهم على التسليم بأن لا رئيس للجمهورية ما لم يكن عون بالذات. ذلك الدين قد سُدّد ما إن انطوت ولاية الرئيس السابق.
ثانية أن طرفيْ «تفاهم مار مخايل» أفصحا في وقت واحد عن خوف مزدوج ظاهره مشترك في توقيته، لكن باطنه مختلف. هما خوفان باتا متوازيين يسيران جنباً إلى جنب بعدما كانا متطابقين في عقد ونصف عقد من الزمن: خوف حزب الله من فقدانه الحليف المسيحي القوي على وفرة ما يقوله الأمين العام السيد حسن نصرالله من أن المقاومة لم تعد تحتاج إلى الإجماع عليها، وهي كفيلة بحماية نفسها بنفسها ولا تطلب من أي فريق داخلي أن يحميها، وتحمل من خلال سلاحها ضماناتها بنفسها ولنفسها. خوف الحزب من طلاقه مع التيار الوطني الحر يُشعره بلا أدنى شك بأنه أضحى في مواجهة الطوائف الأخرى جميعاً. بعد السنّة والدروز ها هم المسيحيون. يماثل هذا الخوف ما يخشى رئيس التيار الوطني الحر من أن طلاقه مع حزب الله سيجعله عرضة لما يشبه الافتراس الحقيقي و»النهش» حتى، هو المحاط بانتهاء ولاية عون، ليس بخصوم فحسب، بل بأعداء بما تضمره الكلمة من معنى. السنّة والدروز ونصف المسيحيين ونصف الشيعة، فما بالك بالنصف الآخر من الشيعة عندما يبتعد عنه.
ذلك ما يحمل الحزب والتيار على تهيّب الافتراق فالطلاق إن لم يُدفعا إليه دفعاً. ربما يمكن القول إن ثمة امتيازاً يملكه أحدهما ويفتقر إليه الآخر. خروج التيار الوطني الحر من السلطة بمواقعها المهمة والنافذة وفقدانه الظهير الذي يقوده إليها يجرده من كل شيء تقريباً ما خلا قاعدته الشعبية التي تفقد إذذاك مقدرتها على التنامي، فيما الاحتياط الفعلي لحزب الله سلاحه على الأرض الأقوى فاعلية من وجوده داخل السلطة.
استنتاج الشامتين أن حليفيْ «تفاهم مار مخايل» هما الآن أمام أصعب خياراتهما. الحقيقة الكاشفة التي باتت تجبههما، وما حدث في الأيام الأخيرة منذ جلسة مجلس الوزراء وصولاً إلى الجلسة التاسعة لانتخاب الرئيس، دليل إضافي على أن كليهما عارف بأنه لم يعد في وسعه أن يعطي الآخر كل ما يطلبه. التعبير الأكثر دلالة والأقرب مثالاً لما بات بين الحليفين، أن حزب الله لا يملك أن يعطي باسيل كل ما يريده، ولا باسيل قادر على أن يجاري حزب الله في كل ما يطلبه.
جلسة الخميس الفائت بحصيلة الأصوات التي وصلت إليها، 39 ورقة بيضاء في مقابل 39 صوتاً للنائب ميشال معوض إلى 27 ورقة موزّعة على لاغية وأسماء مرشحين آخرين تكاد تقترب من الثلث الثالث مع طرفيْ المواجهة في الاستحقاق، أفصحت عن علامة سلبية لمقاربة حزب الله الرئاسة الأولى التي يريد الوصول إليها بالمرشح الذي يطمئن إليه. ذلك ما أدى إلى بضعة معطيات ترتبت على التطورات الأخيرة بين الاثنين، بانعقاد جلسة مجلس الوزراء (5 كانون الأول)، والجلسة التاسعة لانتخاب الرئيس الخميس:
1 ـ رغم اجتماع باسيل بنائبيْ الحزب علي عمار وحسن فضل الله على هامش جلسة انتخاب الرئيس، إلا أن الحوار بين الفريقين لم يبدأ بعد. البعض المطلع يرجح مباشرته جدياً قبل الاثنين المقبل، بعد أن تكون بردت قليلاً الرؤوس الحامية وباتا جاهزين للتحدث بهدوء تحت سقف أن لا طلاق بينهما لأن أياً منهما لا يريده.
2 ـ النتائج الأولى المتوخاة من حوارهما المقبل، اتفاقهما على إدارة خلافاتهما في ملفات المرحلة المقبلة. هي في الواقع ملفان اثنان رئيسيان يباعد بينهما: رئاسة الجمهورية واجتماعات مجلس الوزراء إذا دُعي مجدداً إلى الالتئام.
3 ـ كلا الطرفين لا يريد توقّع الطرف الآخر يسيء إلى تحالفهما إلى حد الطعن. بدا أخيراً خلافهما على اجتماع حكومة تصريف الأعمال مهماً ومقلقاً، وهو السبب المباشر لرفع النبرة عشية جلسة انتخاب الرئيس. بيد أن خلافاً كهذا يسهل تذليل مشكلاته بعدما بَانَ في جلسة الاثنين أن حزب الله بالذات، بوزيريْه، هو الذي وفّر النصاب القانوني لانعقادها، وهو القادر حتماً على الحؤول دونها. افتقر باسيل إلى الثلث +1 للتعطيل بعدما تخلى عنه وزير الصناعة، فأمسى النصابان الدستوري والسياسي في يد حزب الله. ما في وسعه الحزب فرضه على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الآن فصاعداً، شرطاً لالتئامها، الأخذ في الحسبان أن باسيل في صلب معادلة إدارة السلطة في مرحلة الشغور الرئاسي، وشريك أساسي في انعقاد الجلسة والقرارات التي تصدر عنها، لا تجاهله ولا التعامل معه كما لو أنه يسهل الاستغناء عنه.
4 ـ يعرف الحزب الحقائق الحالية المحوطة بانتخابات رئاسة الجمهورية. لا يملك توفير غالبية الثلثين لانعقاد جلسة انتخاب مرشحه سليمان فرنجية، ولا يملك كذلك إقناع باسيل بالتصويت للنائب السابق لزغرتا، ولا يملك أن يقبل بأي مرشح آخر يقترحه باسيل أو سواه لانتخابه رئيساً لا يطمئن إليه ويثق به. فوق ذلك يعرف أن الظروف الإقليمية والدولية غير مؤاتية لانتخاب مرشحه على نحو ما حصل عام 2016، عندما أتاح اتفاق ضمني بين الأميركيين إبان ولاية الرئيس باراك أوباما والإيرانيين تسهيل انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :