كانت لافتة احتفالية السفارة السعودية في الذكرى الـ٣٣ لاتفاق الطائف التي أرادها السفير وليد البخاري حاشدة سياسيا لتوجيه رسائل في أكثر من اتجاه، ولقطع الطريق على ما تعتبره الرياض "مساع لضرب الاتفاق وتغييره في اتجاه تكريس المثالثة في الحكم".
ولعلّ الرسالة الأكثر مغزى وتعبيرا بعث بها البخاري الى باريس بتأكيده أنه "خلال زياراتنا الى الاليزيه للقاء مستشاري فخامته (الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون)، طرحنا سؤالا حول احتمالية في نية فرنسا لدعوة القادة إلى لقاء وحوار وطني، أكدوا لنا أنه ليس هناك أي نية في طرح لدعوة أو نقاش طائف أو تعديل دستور".
أراد البخاري من هذه الإشارة نفي أي اتجاه فرنسي مستقبلي لتعديل اتفاق الطائف، وربما حشر باريس لانتزاع اعتراف علني بعدولها عن أي توجّه مماثل. لكنّ رسالته هذه حملت أيضا تشددا واضحا تمثّل في قطع الطريق على أي حوار أو مبادرة حوارية للنقاش في احتمالات تطوير الاتفاق أو تحديثه بعدما أظهرت السنوات الـ٣٣ حاجة قصوى الى تغطية ثغرات عدة تشوب النصّ والتطبيق على حد سواء.
ولا يخفى أنّ باريس سبق أن تناقشت مع طهران في امكان تكريس المثالثة في النص الدستوري، وهو ما سبق أن أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حزيران ٢٠١٤، ونفته في حينه وزارة الخارجية الفرنسية.
قبلها، نوقشت المثالثة في حوار لا سيل سان كلو الفرنسي الذي رعاه في تموز ٢٠٠٧ وزير الخارجية الأسبق برنار كوشنير.
وعلى الرغم من مرور عقد ونصف عقد على ذلك، لا تزال الرياض محتاطة من النقاش في الطائف. وزادها ريبة اعلان الرئيس إيمانويل ماكرون عقب تفجير مرفأ بيروت في آب ٢٠٢٠ الحاجة الى انتاج عقد اجتماعي جديد ينظّم علاقة اللبنانيين. ولا ريب أن ماكرون قصد حينها تغييرات بنيوية في نظام الحكم في لبنان، تتطلّب حكما تغييرات في الدستور، الأمر الذي تعتبره الرياض من المحرّمات، أولا بصفتها الراعية الأولى لاتفاق الطائف الذي طالما حمل اسمها وتكنّى باسم إحدى مدنها، وثانيا لأنها تنظر اليه على أنه منظّم لعلاقة جماعة لبنانية توليها الرعاية السياسية والعاطفية القصوى، بالنظام وبباقي الجماعات اللبنانية.
ولعل فرنسا نجحت، من دون إدراك مسبق، في إعادة الاهتمام السعودي بلبنان بعدما بقيت الرياض لسنوات رافضة حتى النقاش في الملف اللبناني.
وتُرتَقب في الآتي من الأيام المقاربة السعودية في مسألة انتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس جديد للحكومة (غير الرئيس نحيب ميقاتي الذي خرج كليا من حسابات المملكة)، ضمن سلّة متكاملة، وهو الشرط السعودي المتلازم لأي عودة كاملة لها الى لبنان.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :