حتى لو نفى رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل، خلال إطلالته الإعلامية الأخيرة، ترشّحه للانتخابات الرئاسية، فهو في الوقت عينه لم يقطع الطريق نهائياً على هذا الاحتمال، تاركاً كوّة صغيرة لسيناريو انقلابي قد يضعه على حلبة المبارزة المارونية.
هو بنفسه، يعرف جيّداً أنّ حصوله على لقب مرشّح رئاسي، دونه عقبات كثيرة، أبرزها الفيتوات الدولية، مع أنّه أوحى أنّ الخطوط مع الولايات المتحدة الأميركية لم تعد مقفلة بوجهه، وحاول توجيه رسالة إيجابية باتجاه السعودية من خلال الإشادة بسلوك ولي العهد محمد بن سلمان في ما خصّ النهضة الاقتصادية... والفيتوات الداخلية التي لا تقلّ ممانعة وقساوة، وتجعل ترشيحه ضرباً من ضروب الخيال.
اذ إنّ «حزب الله» يكاد يكون الحليف الوحيد المتبقي لرئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» بعدما أفقدته الخصومات كلّ التفاهمات السابقة. وهو بالتالي يحتاج إلى تدخّل إلهي يجعل منه مرشّحاً مقبولاً أو تفاهمياً، وإلى سنوات ضوئية لكي يصير جدّياً. ما يعني أنّ التلميح بامكانية قفزه إلى حلبة الترشيحات، هو مجرّد ورقة يسعى إلى استثمارها لا أكثر.
في المقابل، فقد كشف باسيل في مقابلته هذه الكثير من المعطيات، أو بالأحرى سلّط عليها الضوء بشكل واضح لا لبس فيه، وأبرزها حسم «حزب الله» ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، اللغط حول مرشحهما، وحسما هويته: رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ربطاً بالمعيار الذي حدّده «الحزب» لهوية من سيخلف الرئيس ميشال عون في الرئاسة الأولى، وهو حماية «ظهر المقاومة»، ما يعني اسقاط كلّ الترشيحات الواردة في هذا السياق.
وهذا ما يقود استطراداً إلى اسقاط ترشيح قائد الجيش جوزاف عون، كونه مصنّفاً في خانة الترشيحات الوسطية، أو المستقلة، والتي لم تعد مطابقة لمواصفات الثنائي الشيعي، أو «حزب الله» على شكل محدّد.
كما أنّ السياق الذي بيّنته الجلسات الانتخابية التي صارت معقودة إلى الآن، ويفترض أن تستكمل يوم الخميس المقبل، يظهر أنّ ثمة صعوبة بالغة في تجاوز النائب ميشال معوض «السكور» الذي حققه. وهو مصير قد يكون مشابهاً لمصير أي ترشيح مماثل.
بناء عليه، يقول المطلعون إنّ قرار «حزب الله» بالانتقال من مربّع الصمت المطبق إلى مربّع الكشف عن مرشّحه، ينمّ عن قناعة لدى «الحزب» بأنّ العمل على رفع رصيد سليمان فرنجية، اذا ما اقتنع باسيل بوجوب التفاهم معه، سيجعل من رئيس «تيار المردة» منافساً قوياً خصوصاّ وأنّ خطوة التفاهم مع «التيار الوطنيّ الحرّ» ستحمّس أطرافاً أخرى على الاقدام على خطوة مماثلة، ومنهم رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط غير الممانع لترشيح القطب الزغرتاوي، وعدد لا بأس به من النواب السنّة المقربين من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. الأمر الذي قد يجعل من معركة سليمان فرنجية، أمراً واقعاً من شأنه أن يحرّك المياه الراكدة خصوصاً وأنّ الأخير يصرّ على التأكيد أنّ المناخ الدولي غير ممانع لوصوله، كما موقف البطريركية المارونية.
بناء على هذه المشهدية، يكون ترشيحا جبران باسيل، اذا حصل، وسليمان فرنجية هما الأكثر جدية. وطالما أنّ الأول مطوق بسلسلة من المعوقات، فيكون ترشيح الأخير هو الأكثر واقعية. وبالتالي، كما قال رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» في مقابلته، إنّه لديه مصلحة شخصية في ترشيح فرنجية (وهو لم يرم تلك المعادلة عن عبث)، حتى لو رفضه بالسياسة، يصير احتمال التفاهم بينهما هو خطوة متوقعة، عاجلاً أم آجلاً... إلّا اذا أصرّ باسيل على ترشيح شخصية ثالثة للاتفاق عليها، كما طرح في كلامه.
ولكن دون هذا السيناريو عقدة أساسية، وهي المعيار الذي وضعه «حزب الله»، أي «حماية المقاومة» ذلك لأنّ هذا المعيار، يقلّص دائرة الترشيحات إلى حدودها القصوى، إلّا إذا قرر، وعلى سبيل المثال، أن يصير وئام وهاب مارونياً، لكي يتوافق ترشيحه مع معيار «الحزب». وبالتالي، إنّ باسيل يتحدث عن خيار ثالث غير متوفّر أصلاً، كما يقول المطلعون على هذا المسار.
صحيح أنّ باسيل برّر عدم اقتناعه بترشيح فرنجية بكونه ابن المنظومة التي يرفض احياءها من جديد، ولكن باسيل بنفسه سبق أن خيّط تفاهماً رئاسياً مع أحد أبرز مكونات المنظومة لضمان انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، أي سعد الحريري.
بناء عليه، يقول المتابعون إنّ أمام باسيل واحد من خيارين إمّا التفاهم مع فرنجية سريعاً لتكوين كرة ثلج قادرة على فرض مرشح من هذا المحور، وإمّا استهلاك مزيد من الوقت الذي قد لا يغيّر المعادلة، ليعود ويتفاهم معه.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :