تعيش الساحة اللبنانية هذه الايام نشوة الترسيم ترافقها حملة اعلامية ضخمة لتسويق المقترح الاميركي للحل على قاعدة أن الجميع قد ربح معركة الدبلوماسية الناعمة ويتطلع نحو مستقبل مزدهر لبلاده.
في الاروقة الدبلوماسية الغربية تنتقل المُسَوَّدات من بلد الى آخر وهي عبارة عن بنود تسعى الدول الفاعلة على الساحة الداخلية الى تطبيقها لتكون خارطة طريق الحل اللبناني بعد الانتكاسة الكبيرة التي أوصلتنا الى الانهيار. هذه البنود كانت كشفت عنها شخصية دبلوماسية غربية في خلال لقاء جمعها مع عدد من النواب المقربين من خطها السياسي، حيث أكدت هذه الشخصية أن لبنان مقبل على فترة من الاستقرار تُمهد لتطبيق خمسة بنود موضوعة على طاولة الحل وهي مُلحة وضرورية ويمكن، في حال نجح المعنيون بتمريرها أن تضع لبنان من جديد على السكة الصحيحة التي تُخرجه من مأزقه.
البند الأول الذي نجح لبنان بإقراره يتعلق بترسيم الحدود البحرية، ويُشكل عنصرا مهما للبنود الأُخرى نظرا لحساسية هذا الملف وأولويته بالنسبة للدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة وأوروبا، وقد نجح الجانب اللبناني بتمريره بعد ان رضخ الجميع بمن فيهم حزب الله للحسابات السياسية الداخلية وتقاطعها مع الخارج، فكان الانجاز الذي سيفتح فيما بعد آفاقا جديدة لمستقبل الاستثمار في لبنان ويؤسس أيضا لمرحلة من الازدهار بحسب مصادر دبلوماسية غربية.
بعد طي صفحة الترسيم، يُطل الاستحقاق الرئاسي كبند ثان على الخارطة الغربية، وتكشف المصادر عن تسوية يتم العمل عليها تقضي بانتخاب شخصية توافقية تنتجها الظروف المرافقة لما بعد 31 تشرين، اذ تجزم هذه المصادر أن لا رئيس للجمهورية قبل هذا الموعد، لاسيما وأن عددا كبيرا من النواب بات مقتنعا بأن الامور تتجه الى تسمية شخصية مقبولة من الجميع وتشكل نقطة التقاء بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وايران وروسيا من جهة أُخرى ولا فيتو خليجي عليها، وبحسب أكثر من مصدر نيابي فان الاسم مطروح ينتظر الظروف الداخلية لتعيين جلسة نيابية جدية لانتخابه بعد ايجاد المخرج المناسب له.
بعد الاستحقاق الرئاسي يأتي البند الثالث المرتبط حكما بتأليف الحكومة وهو المدخل الاساس للانطلاق بالمشاريع الحيوية في البلاد. في هذا الشق سمع النواب في لقائهم مع الشخصية الدبلوماسية الغربية موقفا حاسما لناحية الاسراع بالتأليف لأن الجدول الزمني للانقاذ يتطلب حكومة فاعلة وقادرة على مفاوضة الجهات والصناديق الدولية المانحة، خصوصا وأن البنود المتبقية لا يمكن تطبيقها من دون وجود سلطة تنفيذية كاملة الصلاحيات وتنطلق مع رئيس جديد للبلاد وفق مشروع يمتد لسنوات. وفي حين يأمل الرئيس نجيب ميقاتي العودة الى الحكومة مع رئيس جديد للجمهورية، الا أن الحقل الميقاتي قد لا يتوافق مع بيدر الرئيس الجديد، خصوصا وأن الشارع السني لا يزال يعيش في زمن الانتكاسة الحريرية ولم يجد بديلا جديا، وبالتالي فإن اسم ميقاتي يحتاج الى أكثر من ضوء أخضر فرنسي.
مع تشكيل الحكومة العتيدة يبدأ العمل الاصلاحي المهم والمتمثل بورقة التفاهم مع صندوق النقد الدولي. تسعى الدول الغربية الى ادخال صندوق النقد بالتفاصيل اللبنانية الضيقة وسحب المعلومات المرتبطة بإدارات الدولة كمقدمة لاعادة هيكلتها وتنظيمها ووضع خطة تعافي انطلاقا من الواقع المالي اللبناني. ودور صندوق النقد حساس في الداخل لأنه يتعلق بتقليم أظافر القوى السياسية التي تعتاش من مالية الدولة وتقوم بتوظيف المحسوبين عليها داخل المؤسسات العامة المُصابة بتخمة التوظيف العشوائي، ويأتي اليوم صندوق النقد لوضع حد لهذه التُخمة ولو كلف الأمر الاستغناء عن آلاف الموظفين.
بعد الترسيم والرئاسة وتأليف الحكومة التي ستفاوض صندوق النقد وتُوقع معه على آلية الخروج من الأزمة، يأتي البند الخامس والاخير والمرتبط بحل أزمة الكهرباء من خلال تطبيق الخطة التي وضعت بالتنسيق مع البنك الدولي وهي شاملة تنتهي حكما ببناء المعامل واشراك القطاع الخاص بتوليد الطاقة البديلة، على أن تكون المرحلة الاولى في القريب العاجل عبر استجرار الغاز من مصر والاردن والفيول من الجزائر للوصول الى حوالى الخمس عشرة ساعة يوميا.
البنود الخمسة التي تحدثت عنها الدبلوماسية الغربية سترسم ملامح لبنان في المستقبل، على أن تبقى النقطة الاكثر حساسية والمرتبطة بالنازحين السوريين حيث لا يزال التباين واضحا بين الدول المعنية بالملف اذ يُصر القسم الاكبر منها لاسيما الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية على اخراج الملف من أي جدول اعمال دولي ريثما تنضج التسوية الشرق اوسطية وتُحدد ملامح النظام السوري في السنوات المقبلة.
نسخ الرابط :