يعود السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت الاثنين المقبل، قبل ثلاثة أيام من جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري. ليس توقيت العودة محض صدفة، بل هي تكرار للمشهد نفسه الذي سبق الجلسة الأولى حين تولى البخاري التسويق للنائب ميشال معوض لدى حزب القوات والكتائب باقتراح من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. لذلك، تأتي الزيارة الثانية لمحاولة إقناع مزيد من الكتل، ومنها كتلة الاعتدال الوطني التي تضم نواباً كانوا يدورون في فلك تيار المستقبل، بالتصويت لمعوض، خصوصاً أن لقاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مع أعضاء الكتلة، أمس، لإقناعهم بمعوض لم يأت بأي نتيجة، علماً أن جعجع لم يكن ليصوّت لمعوض لولا الضغط السعودي، وثقته بأن لا حظوظ للأخير، ناهيك عن استفادته من إشعال معركة زغرتاوية بين معوض ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
بحسب المصادر، فشل جعجع في أخذ وعد من النواب الـ10 الذين أسقطوا ورقة حملت اسم «لبنان» في صندوق الاقتراع بإعطاء أصواتهم لمعوض. فهؤلاء ينتظرون أن يتقاضوا ثمن أصواتهم لا بيعها مجاناً لمرشح يخالف كل توجهاتهم السياسية، ويصرون على ضمان مكاسب ومناصب سياسية لهم مستقبلاً في أي استحقاق أو حكومة مقبلة قبل التصويت لأي مرشح. في هذا السياق، تدور تساؤلات حول قدرة البخاري على التأثير فيهم وسط الحديث عن مسألتين تضمنان سوقهما إلى «بيت الطاعة»: الأولى أن السعودية لم تضغط جدياً بعد، وسبق للنائب وليد البعريني أن أشار في حديث صحافي منذ يومين إلى أنه يلتزم الطاعة السعودية. والثانية أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تخلى عنهم بشكل شبه كامل ولا يجيب على رسائلهم، ولم يُفعّل حركته بعد الانتخابات بل يحصر تواصله بالوزير السابق غطاس خوري. لذلك، يعوّل معوض وفريقه على كلمة سرّ سعودية لحسم هؤلاء قرارهم.
في المقابل، تشير مصادر مطلعة إلى أن السعودية لم تتخذ قراراً نهائياً بالتدخل بشكل جدّي في الانتخابات الرئاسية، والعمل الذي يقوم به البخاري لا يتم على مستوى القيادة العليا، أي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بل على مستوى البخاري - نزار العلولا (مستشار في الديوان الملكي) و«أبو تركي» (ضابط استخبارات سعودي في السفارة السعودية في باريس). وقد سبق للرياض أن أبلغت الأميركي والفرنسي خلال اجتماع ثلاثي في العاصمة الفرنسية قبل أسابيع أنها «غير مهتمة بالوضع اللبناني»، وأبلغت الفرنسيين بصرامة بعدم التحدث بلسانها مع صندوق النقد وإغداق وعود بمساعدات مالية سعودية؛ فالرياض لا يعنيها لبنان إلا وفق «سلة كاملة» تبدأ برئيس جمهورية وتمر برئيس الحكومة ولا تنتهي بالتدخل حتى في هوية الوزراء المعينين داخل الحكومة. عندها فقط «سنتدخل»، مع التشديد على عدم رضا السعوديين عن الاجتماعات الفرنسية مع حزب الله. في انتظار ذلك، لا ضير من رفع السقف السياسي بمرشح مواجهة اسمه ميشال معوض قد يتبدل مستقبلاً، مع ربط السعوديين موافقتهم على مرشح تسوية بـ«تلبية شروطهم»، على ما تضيف المصادر. والشرط الأساس هو الانصياع الكامل للأوامر السعودية.
حتى الساعة لم يتمكن معوض من اجتذاب أي صوت إضافي على من اقترعوا له في الجلسة الأولى
من جهته، لم يتمكن معوض حتى الساعة من كسب أي صوت إضافي باستثناء الأصوات الـ36، على أن ترتفع إلى 40 إذا ما حضر من تغيّبوا عن الجلسة السابقة (ستريدا جعجع، سليم الصايغ، فؤاد مخزومي ونعمت افرام). وهنا تبرز مشكلة إضافية تتعلق بافرام الذي يعتبر نفسه مرشحاً جدياً، ويحرص على عدم التداول باسمه لعدم إحراق حظوظه مبكراً كما فعل معوض. ويرى المقربون من افرام أنه يتمتع بحظوظ أكبر من زميله في جبهة المعارضة الوطنية، إذ يمكن له أن يكون مرشحاً توافقياً واستمالة أصوات من خارج فريق المعارضة. كما أنه يعول على أصوات بعض نواب التيار الوطني الحر ممن نسج معهم علاقات صداقة ويلتقيهم باستمرار. لذلك، يعتبر افرام أن لحظة الإعلان عن ترشحه لم تأت بعد، علماً أنه تغيّب عن الجلسة الماضية لانشغاله بإلقاء محاضرة في الكابيتول في واشنطن. فمنذ نحو عامين أو أكثر، يعمل النائب الكسرواني مع أعضاء في الكونغرس ولبنانيين ناشطين في واشنطن للتسويق لنفسه وتلميع صورته. ويعتبر أن لديه قبولاً دولياً من الأميركي والفرنسي، فيما محلياً هو الأقرب إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي. كما أنه لم يحسم بعد قرار التصويت لمعوض كما أعلن (ومعه النائب جميل عبود)، بل لا يزال عالقاً بين 3 قرارات: الأول، حضور الجلسة والتصويت لمعوض ليكسب الأصوات التي صوتت لمعوض في ما بعد. الثاني عدم حضور الجلسة. الثالث، الحضور والتصويت بورقة بيضاء أو اختيار أي اسم عشوائي.
أما على مقلب نواب «التغيير»، وبعد حرق النائب ملحم خلف اسم سليم إده، انحصرت الأسماء التي يتبنونها في ثلاثة: صلاح حنين وزياد بارود وناصيف حتّي. فخلافاً لمعوض الذي لا يرون فيه مرشحاً توافقياً، يمكن للثلاثة أن يشكلوا محط اتفاق بين كل الكتل. ويشير أحد النواب إلى أن الجولة التي أجروها على الكتل للتسويق لمبادرتهم، خلصت إلى أن معوض عاجز عن جمع ثلثيّ مجلس النواب للتصويت له أو ضمان المحافظة على نصاب الثلثين في الدورة الثانية. ووجدوا أن ثمة «اعتراضاً صارماً عليه مما يفقد مبادرتهم هدفها وهي المساهمة بانتخاب رئيس». وأشار إلى أن التواصل مع المرشحين الثلاثة قائم لوضع خطة عمل وبرنامج ترشح، والتواصل مع الكتل الحزبية يجري بهدوء لمعرفة أي من المرشحين يمكنه كسب توافق الغالبية عليه، «وحالما نجد أن مبادرتنا استوت وهناك اسم مقبول سنضغط لإنجاحه. لكن الثابت أننا لن ننتخب معوض، لا نحن ولا كتلة نواب صيدا - جزين».
نسخ الرابط :