مرّ تعديل قانون سريّة المصارف في جلسة لجنة المال والموازنة النيابية يوم أمس بسلاسة تامة، فجرى تثبيت منح القضاء وهيئة مكافحة الفساد والإدارة الضريبية صلاحيات لرفع السرية المصرفية عن المتورّطين بقضايا فساد من دون الرجوع إلى مصرف لبنان. لوبي مصرف لبنان - جمعية المصارف وقف وحيداً في رفض إقرار القانون بمفعول رجعي من دون أي دعم من نواب اللجنة، لذا شكّل إقرار التعديلات تقدماً مهماً نحو تفكيك الامتياز الذي ارتكبت باسمه الموبقات المالية والاختلاسات منذ 66 عاماً الى اليوم.
أقرّت لجنة المال والموازنة في جلستها أمس، مشروع تعديل قانون سرية المصارف بتوافق نيابي على المواد الأساسية، ومنها المادة السابعة التي تسحب الصلاحيات الحصرية التي كانت ممنوحة لهيئة التحقيق الخاصة بشأن رفع السرية المصرفية، في مقابل منح صلاحيات مماثلة للقضاء المختصّ، والإدارة الضريبة، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من دون الحاجة إلى موافقة هذه الهيئة التي يرأسها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. أما في ما خصّ تطبيق المفعول الرجعي في رفع السرية عن المتورطين بقضايا فساد أو جرائم مالية أو تهرب ضريبي، فقد درست اللجنة اقتراحين: الأول مقدّم من جمعية المصارف ويرمي إلى إلغاء أي مفعول رجعي وسريان القانون من يوم نشره. أما الثاني، فهو مقدّم من نقابة المحامين في بيروت لتطبيق المفعول الرجعي مع وضع ضوابط تحدّد الجهة المخوّلة استخدامه منعاً للاستنسابية والابتزاز. لكن الاقتراحين لم يمرّا، إذ توافق معظم النواب على إبقاء الصيغة الأصلية الواردة في مشروع الحكومة، أي من دون ذكر للمفعول الرجعي ليبقى مرتبطاً بموضوع الفساد وفقاً لأحكام مرور الزمن. فعلى سبيل المثال إذا كان التحقيق يتعلق بالتهرّب الضريبي، يحدّد قانون الإجراءات الضريبية مفعولاً رجعياً يتراوح ما بين 4 و7 سنوات، علماً بأن مفاعيل مرور الزمن في قانون التجارة تبلغ 10 سنوات. وللقاضي المختصّ أن يطبق مفاعيل القانون المرتبط بكل حالة على حدة.
النقاش الذي دار في الجلسة يعكس صراعاً واضحاً بين الدولة العميقة ممثلة باللوبي المصرفي الراغب في الحفاظ على امتيازاته رغم الانهيار، وبين محاولات للإصلاح على وقع شروط صندوق النقد الدولي. فمداخلات ممثلي المصارف لم تعارض أي تفصيل محدّد بمقدار معارضتها للتعديل من أصله بحجّة أنه يضرب آخر أساس للثقة بالمصارف وينسف قانون الضرائب الموجود حالياً. إنما في المقابل، لم يجرؤ أي نائب على مساندة المصارف علانية كما حصل سابقاً، ولا سيما أن تعديل قانون سرية المصارف مطلب دولي يصرّ عليه صندوق النقد، علماً بأن بعض النواب كانت لهم آراء غير مساندة بالكامل للتعديلات. فالنائب القواتي جورج عقيص، أبدى قلقه من منح القضاء صلاحيات واسعة بوضعه الحالي «المسيّس»، فيما تمنى النائب ميشال معوض «إقرار هذا القانون وغيره من ضمن خطة التعافي المالي»، التي قد لا تبصر النور أبداً. والنقاشات الجانبية معهما، ولا سيما من نقابة المحامين، أفضت إلى طمأنتهما فلم يعترضا أمس. من جهته، أسقط نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي حجّة المصارف بإشارته إلى أن التعويل على اجتذاب رؤوس الأموال لتعزيز الاستثمار في الدولة أثبت أنه مسألة غير مجدية، والدليل ما وصلنا إليه اليوم. ولفت إلى ضرورة إرساء نظام جديد قوامه الإصلاح.
من ناحية أخرى، تخلّل الجلسة التي عقدت على مدى 4 ساعات، نقاش حول المادة الثامنة المتعلقة بالغرامات والعقوبات على مخالفي قانون سرية المصارف. فبعدما كان مشروع الحكومة يحدّد فقط غرامات مالية (ما بين 50 مليون ليرة إلى 500 مليون ليرة) على المخالفين من دون عقوبة السجن، أدخلت لجنة المال والموازنة تعديلات تتيح سجن المخالفين من 3 أشهر إلى سنة، ورفعت الغرامات لتتراوح ما بين 300 مليون ليرة و500 مليون ليرة. لكن حتى هذه العقوبات المعدّلة، اعتبرها المحامي كريم ضاهر غير رادعة بالمطلق، فجرى تكليفه والنائبة حليمة قعقور بإعداد اقتراح جديد ليقدماه اليوم إلى رئيس اللجنة إبراهيم كنعان.
ويقول المحامي ضاهر لـ«الأخبار»، إنه يعمل على التفريق بين عقوبة الذي يفشي بالمعلومات وبين الذي يخفيها أو يكتمها. عقوبة الذي يفشي ستبقى كما كانت في القانون القديم أي ما بين 3 أشهر وسنة، أما عقوبة الكاتم للمعلومات فستعتبر بمثابة متدخّل ومسهّل لعمليات تبييض الأموال، وبالتالي ستُفرض عليه العقوبة الجزائية عينها الموجودة بالقانون 44 والتي تصل إلى 7 سنوات سجن. يضاف إليها إمكانية محاسبة الشخص المعنوي أي المصرف وملاحقته وفقاً لقانون النقد والتسليف بعقوبة قد تصل إلى شطب المصرف في حال ثبات تورطه وعدم تعاونه. ويضيف ضاهر إنه وقعقور سيضيفان في الملاحظات التي ترد في نهاية القانون، فقرة ترجّح أحكام هذا القانون على بقية القوانين وبخاصة القانون 32/2008 الذي حصر صلاحية تجميد ورفع السرية المصرفية عن الحسابات المصرفية بهيئة التحقيق الخاصة؛ مع المطالبة بإلغاء هذه المادة نهائياً.
الأهم من إقرار القانون هو السلطة القضائية أو الهيئات التي ستطبقه
ومن التعديلات البارزة أيضاً، إلغاء المادة الثالثة كما جاءت في مشروع الحكومة والتي تحظر فتح حسابات وودائع مرقمة وتأجير خزائن حديدية لزبائن لا يعرف أصحابها غير مديري المصرف أو وكلائهم. واستبدالها بإخضاع الحسابات والودائع والخزائن للإجراءات ذاتها المعتمدة بفتح الحسابات العادية أي لأحكام القانون المقر.
إقرار القانون في لجنة المال، يليه إحالته بصيغته النهائية إلى الهيئة العامة ليكون بنداً على جدول أعمال الجلسة العامة المقبلة. ربما هي واحدة من المرات القليلة التي يمرّ فيها قانون إصلاحي بالسلاسة التي مرّ فيها تعديل قانون سرية المصارف، بينما سبق لكل قوى السلطة أن تمسّكت به باعتباره أحد امتيازات لبنان وعاملاً أساسياً في اجتذاب المودعين الأجانب. رغم ذلك، الخشية من آليات التطبيق تحوم حوله منذ الآن؛ يقول عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله: «الأهم من إقرار القانون هو السلطة القضائية أو الهيئات التي ستطبقه. هذا لا يعني، وفقاً لفضل الله، أن ما حصل خطوة إيجابية وخرق كبير في إطار رفع السرية لمكافحة الفساد وليشمل كل من استخدموا هذا الامتياز لتغطية أعمالهم غير المشروعة. أقلّه وجود هذا القانون سيشكل رادعاً بحيث لم يعد هناك من مكان للاختباء».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :