قبل أيام اكتمل الهيكل الداخلي للمجلس النيابي بانتخاب اللجان النيابية رؤساء ومقرّرين وأعضاء، بعد أن انتُخب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب، وأصبحت السلطة التشريعية جاهزة للاضطلاع بمهامها بعدما أصبحت السلطة الوحيدة المتجدّدة حاليًا، في ظل اعتبار الحكومة مستقيلة، ورئاسة الجمهورية على مشارف نهاية الولاية الدستورية.
ولكن الخطاب السياسي لا زال محكومًا بتفحّص ماهية الأكثرية وطبيعة الأقلية البرلمانية، وكأنه الهمّ الوحيد عند المواطن المسكين الذي يئنّ من ضربات جلاّديه وظلمهم وقد اعتقد أن صناديق الاقتراع هي الطريق الوحيد للنجاة والخروج من جحيم الغلاء والاستشفاء والمحروقات والكهرباء والتعليم والسلسلة تطول وتطول، فيما جنى العمر عالق في عنق زجاجة المصارف وقد أدخلوه في دوامة توزيع الخسائر بين مصرف لبنان والمصارف والدولة، ليكتشف في النهاية أن أي تسوية أو علاج للأزمة المالية سيتمّ على حسابه.
يجب تذكيرالسادة النواب أن لبنان قام على التنوّع وليس على العدد، ولم يكن يومًا شركة مساهمة توزع الأرباح على المساهمين وفقًا لأنصبتهم، كل أهميته أنه بات منصةً للتفاعل الحضاري وللقدرة على النجاح وقوة الحضور في المحافل العربية والدولية، وأن صيغة لبنان الفريدة جعلت منه مثالًا يُحتذى في كيفية انصهار مكوّناته في بوتقة واحدة تشع في أرجاء المعمورة، ونجح. ولعلّ أهم ما قيل في هذا المجال ما جاء على لسان البابا القديس يوحنا بولس الثاني « لبنان هو أكثر من بلد: إنه رسالة حرية وعيش مشترك للشرق والغرب».
الصراعات السياسية والعسكرية منذ قيام دولة لبنان الكبير لم تستطع النيل منه، إلى أن استُحضرت الطوائف إلى الصراع فأغرقته في حروبٍ لم تنتج إلا مئات الآلاف من الضحايا فاستشهد مَن إستشهد وجُرح مَن جُرِح، وأصُيب العديد بإعاقات تدمي القلوب، وخُرّب البلد، ولم تضع الحرب أوزارها إلا عندما اقتنع الجميع بأن الوطن الواحد يحتضن كل الطوائف بعيدًا عن لعبة الأرقام والأعداد ومشاريع التفتيت.
بعد ربع قرن من نهاية الحرب في لبنان وجد اللبنانيون أنفسهم أمام حروب صغيرة فاقت أضرارها تلك التي خلّفتها الحرب الكبيرة، وعادت الآلام والمخاوف تقضّ مضاجعهم وتعيد إلى نفوسهم القلق على المصير.
صرخةٌ من الأعماق يُطلقها كل لبناني إلى كل واحدٍ من النواب إلى أي كتلة أو طائفة أو مذهب أو حزبٍ انتمى، لتذكيرهم أن المطلوب الإقلاع عن التراشق حول تركيب الأكثرية والأقلية، وليهتمّوا فقط بسبل تأمين عيش الناس بكرامة، حتى لا يحسّوا أنفسهم رعايا في الجمهورية الضائعة.
نسخ الرابط :