ضاعت بوصلة الاتجاهات النهضوية
كثيرا تستعمل هذه الأيام عبارة الماء تكذّب الغطّاس ،فالخيبة تصيب معظم التنظيمات الطائفية وغير الطائفية ، وحدهم تنظيمات الطوائف يصلون الى ما يرسمون ، ولا يخسرون إلا قليلا ، فحال التنظيمات الانشقاقية تؤكد فشل جميع محاولات أعادة النهضة الى الحزب ،فلم يكن الانشقاق مخرجا كما لم تكن الوحدة مخرجا لأننا مع كل انقسام كنا نخسر عدة وعددا وأيضا كنا مع كل وحدة نخسر نفس الخسارة ، والانقسامات التي حصلت لم تكن غايتها إنقاذ الحزب ، ومن كان يقصد إنقاذ الحزب لبطه بغل الانشقاقات الى الخارج أو أرسله في رحلة لا عودة له منها.
كي لا نستحضر مقولة عاش يتيما ومات وحيدا وننسى تراكم الأحداث التي تعاقبت حتى يومنا ، سنرسم صورة لأوضاعنا الحزبية في هذه المرحلة المصيرية التي تمر بها بلادنا .
نرى اليوم مجموعة من الفقاقيع بألوان متعددة وتحمل مؤشرات انخفاض مستوى هذه التنظيمات .
نرى فقاقيعا في الثقافة ولا نرى مشاريعا ثقافية ، فعندما تصبح الثقافة مهرجانا للسياسيين الأميين تخرج عن غايتها وعن الهدف الذي رسمه لها سعاده تفقد قيمتها ، وعندما تصبح الثقافة جائزة دون نص إبداعي له دلالات ما بعد الحداثة ، تصبح نصا يموت قبل طلوع الشمس .
عندما تبقى الحال على حالها لا بل يميل مؤشرها الى الهبوط يعني أنه تعطلت ثقافة الخروج من الأزمات والمشاكل ، وأننا نعيش ثقافة النص الجامد أو نعيش ثقافة النقل ولا نعيش ثقافة أن العقل هو الشرع الأعلى .
لقد جعلت الادارات الثقافة مقولات جامدة دون دلالات ودون فعل، لذلك لم تستطع إحياء عادات وتقاليد جديدة تنقل المجتمع من الجمود الى الحركة ، ولم تستطع بعث نهضة تُنهي التفكير الكياني والتمايز المُصطنع ، وفشلت في تعميم ثقافة المبادىء السورية القومية الاجتماعية الأساسية الاصلاحية .
ما تفعله الادارات لا يخرج عن كونه فقاقيعا تـأخذها الريح الى حيث تريد العاصفة لا الى حيث تريد النهضة ، لذلك فشلت هذه الفقاقيع من إعادة النهضة الى التنظيم وانتصر تنظيم الأشكال المحقق لمصالح الأفراد على مفهوم الحزب الذي هو فكرة وحركة .
لقد نجحت القيادات في توظيف القوميين في مشاريعها ، فساعدتها في نجاح المهرجانات التي لم تكن من أجل الحزب بل من أجل تأكيد حضور هذه القيادات ، ودليلنا أن كل ما فعلته هذه القيادات لم يكن حدثا مفصليا في تاريخ البلد ، بل كان حدثا في تلميع صور بعض القيادات .
فشل السوريون القوميون الاجتماعيون في إعادة النهضة الى التنظيم فلماذا لا يحاولون إعادة التنظيم الى النهضة .
نرى مهرجانات غايتها إظهار الأحجام في صراع التنظيمات الاتشقاقية وتبدأ بالإنحسار بعد تحقيق الغاية من وجودها وبعد انحسار وهج الانشقاق .
خطورة الاستمرار في إعادة النهضة الى تنظيمات لم يعد لها علاقة بالحزب السوري القومي الاجتماعي أنها تستهلك إمكانيات في مشروع معروف النتائج ومحسوبة خسائره ، وأنه يؤخر مشروع إعادة الحزب إلى النهضة ، ويتعامل مع الزمن بعدم مسؤولية ، انه يمارس سياسة الاستهتار أو نستطيع أن نقول أنه يحاول أن يركب مركب السلف كي يكون الخلف .
لماذا علينا تكرار التجربة مرات عديدة ، ونحن نعلم أننا سنحصل على نفس النتائج ، فبعد تجارب الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات ومطلع القرن الواحد العشرين ،لماذا علينا أن نعيد التجربة من جديد ونحن في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين ، ما هي الأسباب التي تدفعنا لتكرار هذه التجربة ،وأما إذا كنا ننتظر الحصول على نتائج جديدة فذلك يقول أننا نطلب من فراخ الدجاج أن تحلِّق مع النسور ، أننا نطلب المستحيل .
بدأ يخرج التنظيم من النهضة على مهل بعد استشهاد الزعيم ، فخرجت التعديلات الدستورية عن دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي وخرجت السياسة عن السياسة التي رسمها الزعيم ، وبدأت تغيب على مهل الأخلاق والمناقب القومية الاجتماعية ،وانتشرت في صفوف القوميين الاجتماعيين ثقافة الانشقاق وثقافة تعظيم الأفراد ، والثقافة من أجل الثقافة، حتى وصلنا الى مرحلة صار فيها من يزعم أنه مثقف يقف على باب المسؤول الأمي ويعرض عليه خدماته ويطلب منه خدمات .
كيف تعود النهضة الى التنظيم الذي باع المدرسة من أجل النيابة ، وباع المستشفى من أجل المصاريف ، وباع الأرض لأنه فشل في التعامل معها ،وأهمل كل ما له علاقة بتنشيط الوحدات في المتحدات ، أعتقد أن التنظيم الذي يفشل في التعامل مع الأرض ومع المدرسة ومع المستشفى ،ومع بناء وحدة حزبية تتفاعل مع متطلبات المتحد النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، لا يمكن أن تعود النهضة اليه مهما كثرت المحاولات ، وتعددت وتنوعت أسماء المحاولين الذين تضعهم مواقفهم في مواقع الشُبهة .
فشلنا في إعادة النهضة الى التنظيم ، لماذا لا نحاول ولو لمرة واحدة إعادة التنظيم الى النهضة .
سامي سماحة
نسخ الرابط :