على رغم عدم تمكُّن القوى النيابية المعارضة من الفوز في معركة رئاسة مجلس النواب، إلّا أنّ التجربة الأولى التي خاضتها معاً والتي جمعت 60 نائباً، يُبنى عليها، ويُمكن تطويرها للتوصل الى تأمين أكثرية في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية شخصية تُكلّف تأليف الحكومة. لكن هذه الأكثرية لا تتأمّن من دون حزب «القوات اللبنانية» أو إذا قرّر «الحزب التقدّمي الاشتراكي» تسمية الشخصية نفسها التي يتفق على اسمها «الثنائي الشيعي» و»التيار الوطني الحر» وحلفاؤهم. وإذا تأمّنت هذه الأكثرية، فهذا يعني أنّ رئيس الحكومة المكلّف سيكون بعيداً من «حزب الله»، والحكومة التي سيؤلّفها لن تضمّ «الحزب» وفريق العهد، انطلاقاً من المواصفات والشروط التي وضعتها «القوات». وهذا السيناريو لن يسمح «حزب الله» بتنفيذه، بحسب جهات سياسية، فـ»الحزب» لن يرضخ للديموقراطية ويسلّم السلطة والحكم ويجلس جانباً».
مقابل هذا السيناريو، يرى البعض أنّ من الصعب تأمين أكثرية معارضة، ومن المرجح أن تشارك كلّ القوى السياسية التقليدية الفاعلة والوازنة، باستثناء «القوات»، في حكومة وحدة وطنية، بمعزل عمّا إذا طُعّمت هذه الحكومة بتكنوقراط أو مُوّهت بمستقلّين، خصوصاً أن لا معارضة خارجية لحكومة جامعة، بل إنّ الغرب يركّز على تأليف حكومة وتكوين سلطة بقرار واحد في لبنان يمكنه أن يتعامل معها، من ملف الإصلاحات الى موضوع الترسيم البحري.
وإذا تحقق هذا السيناريو وأُعيد تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تأليف الحكومة الجديدة، أو كُلّفت شخصية أخرى يتفق عليها الأفرقاء الأساسيون، ستكون المعركة التالية تحديد الأحجام والحصص الوزارية كماً ونوعاً. وبما أنّ «القوات» لن تشارك في حكومة كهذه، سيتمكّن «التيار الوطني الحر» من تعزيز حصته والظفر بالحصّة المسيحية الأكبر، إذا كان مشاركاً في هذه الحكومة، كذلك ونظراً الى أنّه يشكّل الكتلة النيابية المسيحية الأكبر بعد «القوات»، سيمتلك في يده ورقة تعطيل أو تسهيل التأليف، خصوصاً لجهة توزيع الحقائب السيادية والأساسية، وبحسب ما إذا كانت ستُعتمد المداورة أم لا، وإذا كان «الثنائي الشيعي» سيبقى متمسكاً بوزارة المال أم يقبل بالتخلّي عنها، وبالتالي قد يتمكّن «التيار» أو رئيس الجمهورية، من الحصول على حصّة وزارية كبيرة، قد تكون من ضمنها وزارتا الخارجية والمغتربين.
وهنا يبرز احتمال تكرار السيناريو الذي حصل مع الرئيس سعد الحريري حين كُلّف تأليف الحكومة قبل حكومة ميقاتي الحالية، بحيث أنّ مطالب فريق العهد أدّت الى اعتذار الحريري عن التأليف، كما أعلن بنفسه، وكانت سبقت هذا الاعتذار حرب بيانات بين الرئاسة و»التيار» من جهة و»بيت الوسط» من جهةٍ ثانية، هذا على الرغم من أنّ رئيس «التيار» النائب جبران باسيل كان يؤكد أنّه لا يتدخّل في التأليف ولا يريد المشاركة في الحكومة. وهذا الأمر أيضاً كان من أسباب «زعل» الحريري من رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لأنّ «القوات»، بحسب ما كان يقول مسؤولون في تيار «المستقبل»، لو قبلت المشاركة في الحكومة لكانت كسرت «الحصرية المسيحية» التي كانت بيد عون، ولكان الحريري تمكّن من التأليف.
لكن على رغم احتمال تكرار هذا السيناريو، وعلى الرغم من أنّ حجم كتلة «القوات» النيابية الحالية تخوّلها نيل مقاعد وزارية كماً ونوعاً توازي تلك التي يحصل عليها «التيار» إذا قرّر بدوره المشاركة في الحكومة، إلّا أنّ «التوزير ليس للتوزير» بالنسبة الى «القوات»، وهي لن تشارك في أي حكومة وحدة أو أي حكومة مع فريق 8 آذار تحت أي عنوان أو حجة أو ظرف. وما زالت «القوات» تسعى إلى تأمين أكثرية معارضة تسمّي شخصية في الاستشارات الملزمة لتأليف حكومة بمواصفات وشروط معلنة. وتعتبر «القوات»، أنّ «التجربة في معركة نيابة رئاسة مجلس النواب، تدلّ إلى إمكانية الوصول الى رئيس مكلّف لأكثرية قوى المعارضة».
لذلك، هناك تحدٍ كبير أمام جميع مكونات المعارضة، لكي تتفق أولاً على مواصفات الرئيس المكلّف، ثمّ لتجسّد هذه المواصفات في إسم معيّن وتعمل في اتجاه دعمه لتأليف حكومة. وهذه الفرصة «ثمينة ويجب أن لا تُفوّت»، بحسب مصادر «القوات». وفي حين أنّ الاتصالات والمشاورات قائمة على هذا المستوى بين «القوات» وبقية قوى المعارضة، إلّا أنّ المشاورات الجدّية لن تبدأ قبل دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية الملزمة، وقبل أن ينتهي انتخاب اللجان النيابية ورؤسائها. وبالتالي لا يُمكن الحديث عن أسماء لرئاسة الحكومة الآن، بحسب مصادر «القوات»، إذ «لا نزال في مرحلة البحث في المواصفات، ونريد أن نتشاور مع مكونات المعارضة التعددية حول هذه المواصفات المطلوبة، وهي الأساس، وبعد الاتفاق عليها نبحث عن الشخصية التي تتعهّد الالتزام بالبرنامج الانقاذي».
ومن أبرز المواصفات التي حدّدتها «القوات» لرئيس الحكومة وحكومته:
- أن يتعهّد بالابتعاد من كلّ ما يتّصل بحكومة الوحدة الوطنية.
- أن يرفض تكريس أي حقيبة لأي طائفة.
- أن تكون الحكومة العتيدة حكومة أكثريّة مقابل أقلية تعارض في مجلس النواب.
- أن يكون القرار الاستراتيجي - السيادي للدولة داخل الحكومة.
- أن تضع الحكومة السياسة الخارجية من دون أن يكون لأيّ فريق الحقّ في تعكير علاقات لبنان الخارجية.
- أن تضع الحكومة القرار العسكري والأمني بيد الجيش اللبناني.
- أن تُقفل الحكومة فور تشكُّلها المعابر غير الشرعية وتضبط المعابر الشرعية وترفع يد قوى الأمر الواقع عن مطار بيروت ومرفئهأ .
هذه المواصفات قد تتفق عليها أكثرية نيابية، لكن هذا لا يعني أنّ التكليف والتأليف سيمرّان بديموقراطية وسلاسة وسلام، بحسب جهات مراقبة، فـ»حزب الله» ليس في وارد القبول بحكومة يعتبرها تستهدفه في هذه المرحلة، وخطابه «التخويني» ضدّ «القوات» إبّان مرحلة الانتخابات أبرز دليل الى ذلك. في هذه الحال، تقول مصادر «القوات»: «إذا لم يدعونا نؤلّف هذه الحكومة، فهذا يعني أن لا إنقاذ، ولن نكون شهود زور في حكومة نؤمّن فيها غطاءً لفريق سياسي لا يريد لا الإصلاح ولا استعادة قرار الدولة على مستوى السيادة. وعندها ليحكم منفرداً. فنحن لن نشكّل غطاءً لواقع مريض، وهذا الواقع في حاجة الى دواء، وهذا الفريق السياسي ليس من مكونات هذا الدواء». أمّا «الدواء» بالنسبة الى «القوات»، فهو حكومة من طبيعة مختلفة، إن عن حكومات الوحدة الوطنية أو عن حكومات 8 آذار التي جُرّبت وأوصلت الى الانهيار».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :