الشكاوى من إدارة وزارة الداخلية والبلديات للانتخابات النيابية الأخيرة كانت محدودة قياساً بالوضع العام في البلاد، ووزير الداخلية بسام مولوي برر «الأخطاء العابرة التي شابت العرس الديموقراطي» بـ«ضيق الوقت والإمكانيات المحدودة». لكن من يقدم الإجابة العلمية حول فقدان أقلام كاملة واجتزاء نتائج أقلام أخرى؟
قد يظن البعض بأن خسارة بعض المرشحين بفارق أصوات قليلة جزء من آلية الانتخاب المعتمدة في كل أنظمة العالم. أما في انتخابات لبنان للعام 2022، فلم يعد الحديث عن تزوير في النتائج مجرد اتهامات يسوقها مرشحون خاسرون. إذ أنه وفق قانون الانتخاب النسبي الحالي، فإن عدداً قليلاً من الأصوات كفيل بأن يغير النتيجة بناء على احتساب الكسر. وعليه، فإن عدم احتساب مئات الأصوات كما اتضح، قد يفرض إعادة الفرز وتغيير النتائج.
في إطار تحليله للنتائج المفصلة التي نشرتها الوزارة حول نسب الاقتراع في الأقلام واحتساب الأصوات، تبين للباحث الانتخابي كمال فغالي بأن هناك «أخطاء مشبوهة». وهو أكد لـ«الأخبار» أن «التفاصيل المنشورة عن احتساب نتائج الانتخابات ونتائج أصوات المرشحين، جاءت غير متطابقة مع نتائج فرز لجان القيد بحسب الأقلام».
فغالي اتخذ مثالاً لذلك، نتائج دائرة بيروت الثانية المنشورة على الموقع الرسمي الخاص بالانتخابات. إذ تبين أن 66 قلماً لم تنشر نتائجها في أحياء الباشورة والمرفأ و عين المريسة والمزرعة والمصيطبة ورأس بيروت وزقاق البلاط و ميناء الحصن، فضلاً عن أقلام اقتراع لناخبين من أبناء الدائرة تسجلوا في الاغتراب، في أستراليا و الإمارات والدنمارك والسويد وألمانيا والسعودية والولايات المتحدة والكونغو وغانا وفرنسا ومصر ونيجيريا وهنغاريا. إجمالي الناخبين في هذه الأقلام بلغ 30 ألفاً و 142 ناخباً.
إلى ذلك، هناك خطأ واضح في احتساب النتائج في أقلام أخرى في الدائرة نفسها. ويعطي فغالي مثالاً على ذلك نتائج القلم رقم 15 في الباشورة. إذ بلغ عدد المقترعين فيه 319. احتسبت من التصويت، 11 ورقة ملغاة و 13 ورقة بيضاء و 308 أوراق معمول بها. فيما الأوراق المعمول بها في نتائج المرشحين واللوائح بلغت 295 ورقة. ما يعني بأن هناك فارقاً يبلغ 13 ورقة بين «الاحتسابين». وفي قلم 242 في المزرعة، بلغ عدد المقترعين 342، احتسبت فيه 24 ورقة ملغاة و16 ورقة بيضاء، وبلغ عدد الأوراق المعمول بها 318. فيما الأوراق نفسها المحتسبة لدى نتائج المرشحين واللوائح، بلغ عددها 302، أي بفارق 16 ورقة. في المحصلة، أحصى فغالي وجود أخطاء في 464 قلماً ضمن هذه الدائرة. وبلغ عدد الفارق في الأوراق 1393 طاولتها أخطاء الاحتساب جمعاً أو طرحاً. فقدان نتائج التصويت في 66 قلماً والتضارب في احتساب نتائج أقلام أخرى، يخلط النتائج لا سيما لدى المرشحين الذين خسروا بفارق ضئيل. على سبيل المثال، لم تصل لائحة «بيروت بدها قلب» المدعومة من النائب فؤاد مخزومي إلى الحاصل الثاني بفارق 300 صوت.
في طرابلس، توقف فغالي عند وجود 6880 ورقة ملغاة، جازماً بأن الكثير منها صحيح ولا يستحق الإلغاء. كما أن هناك عدداً من لجان القيد لم تسجل الأوراق الملغاة ولم تحسبها ضمن عملية الفرز. ويرجح بأن «فيصل كرامي لا بد أنه فاز في الانتخابات بالمقارنة بين حجم الأخطاء الفادحة في الاحتساب وخسارته على 35 صوتاً فقط». وفي المتن، أحصى فغالي وجود أخطاء في الجمع والطرح ضمن 260 قلماً. أخطاء «طيّرت 573 صوتاً إلى مصير غير معلوم منعنا من معرفة الجهة التي صوتوا لها»، في حين أن المرشح جاد غصن خسر بفارق 88 صوتاً.
لكن ما سبب تلك الأخطاء؟
يتجنب فغالي اتهام الدولة بـ«الزعبرة». مع ذلك، فإن ما ارتكب من أخطاء «غير مسبوق في تاريخ الانتخابات. إذ شهدت الانتخابات الأخيرة رداءة فادحة في مستوى الإدارة». وأحد الأسباب الرئيسية برأيه «عدم تدريب رؤساء الأقلام ومساعديهم والمسؤولين في لجان القيد على القانون المستخدم للدورة الثانية. في انتخابات 2018، خضعوا لتدريب مباشر في قاعة على آلية الانتخاب. أما في انتخابات 2022، فقد اكتفت الوزارة بإرسال فيديو تدريبي عبر الهاتف!».
رداً على استفسار «الأخبار»، قال مصدر في وزارة الداخلية إن «الوزارة لا دخل لها بالفرز. وهي تنشر ما يصلها حصراً من لجان القيد ولا صلاحية لها في التدقيق أو التعديل. بالتالي يجب توجيه السؤال إلى لجان القيد وليس إلى وزارة الداخلية».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :