بقلم فارس بدر.
-هذا وقد حصلت الإنتخابات اللبنانية في
الخامس عشر من أيّار الجاري.
-ماذا عن المشهد ...وعن التغطية الإعلامية .... وعن الإنطباع العام
-وماذا عن المستقبل والتحديات أمام الطامحين إلى التغيير ؟؟؟
لا بدّ من أنّ الذين أتاح لهم الوقت متابعة الانتخابات النيابية اللبنانية نهار الأحد الفائت من التوقّف أمام هذا المشهد الذي يتكرّر منذ العام 1943, وهو التاريخ المدوّن لاستقلال لبنان عن " الأُمّ الحنون" فرنسا، التي أشرفت على حضانته ورعايته بعد " أتفاقية سايكس/ بيكو " للعام 1916.
وقد وصف يومها أنطون سعادة مؤسّس الحركة السورية القومية الإجتماعية هذا الإستقلال بأنّه " خروج من قواويش السجن الضيّقة إلى باحة السجن الكبير ".
ولعلّ لذلك التعبير دلالاته التي لا زلنا نعيش نتائجها وندفع ثمنها حتى الساعة.
ذلك أنّ الخروج إلى باحة السجن الكبير يحملٌ في طيّاتهِ مخلفات الحقبة الإنتدابية وما سبقها خلال الحكم العثماني الذي افترش المنطقة على مدى القرون الأربعة بين العام 1516 حتى اتفاقية سايكس/ بيكو خلال الحرب العالمية الأولى.
هذه المخلّفات التي لا زالت معالمها ترتسم أمامنا حقائق ووقائع منذ إعدام أنطون سعادة في فجرالثامن من تموز عام 1949 لأنّه وبكل شجاعة رفض أن يرث تعاليم المدرسة الإنتدابية بكافة أشكالها ومضامينها، رفض النظام الطائفي والمحاصصة الطائفية ، مؤكّداً على الهويّة الوطنية والقومية للبنان الواحد الموحّد.
غير أنّ غلبة المؤسسة الطائفية واستشراسها في الدفاع عن مصالحها الضيّقة على حساب المصلحة الوطنية العليا ، دفع البلاد إلى انقسامات وحروب أهليّة دامية في العام 1958 مروراً بالحرب الأهليّة التي بدأت رحاها في العام 1975 ، والتي لا تزال شظاياها وندوبها ونتائجها تحفر عميقاً في الأوضاع اللبنانية حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
ولكن ما علاقة كل ذلك بالمشهد الإنتخابي الأخير لمجلس النواب ؟؟؟
هناك برأيي المتواضع و دون أدنى شك علاقة وثيقة بين بدايات تكوّن هذا الجنين الذي إسمه لبنان، ومراحل تطوّره، حاملاً معه بذور إنقساماته وخلافاته وصراعاته التي لم تفارق حتى الساعة، والتي تشكّل - إذا ما استمرّت - خميرةً لصراعات مستقبلية تحمل في رحمها عناصر التفتيت ومخاطر المراوحة والتراجع كي لا نقول أكثر من ذلك.
وهذه العلاقة الوثيقة تتبدّى في أجلى مناظرها خلال عملية التغطية الإعلامية التي واكبت العمليات الإنتخابية في كافة المناطق اللبنانية, وفي استخدام " معجم انتخابي لبناني" مُفعم باللغة الطائفية والمذهبية ، وعلى الشكل التالي:
⁃ المناطق اللبنانية تتحوَّل فيها الجغرافية إلى مناطق طائفية حيناً ومذهبية أحياناً. طرابلس السنية ، الجنوب الشيعي، الجبل. الدرزي ، إلخ .......
⁃ الأسماء تختفي ليحلّ مكانها : النائب الماروني ، النائب السني ، النائب الشيعي إلخ ......
⁃ اللائحة الفلانيّة ..... وفيها ثلاث مقاعد للشيعة ، مقعدين للسُنَّة ومقعد للموارنة.
⁃ أقلام الإقتراع وفيها قلم الموارنة وقلم الدروز وقلم الروم الأرثوذكس.
⁃ ممثّلون لا يمثِّلون الوطن بكلّ مكوّناتِه ، بل هم يمثِّلون طوائفهم ومذاهبهم والتيارات السياسية التي تنضوي تحت أعلام طوائفها ومذاهبها ومناطقها الجغرافية.
هذا المشهد الإنتخابي يعود بلبنان إلى بداياته الجنينية :
-يعمّق المشاعر الطائفية والمذهبية على حساب المصلحة الوطنية.
-يعمّق الإنتماء الطائفي والهويّة الطائفية على حساب الإنتماء الوطني والهويّة القومية.
-يعمّق الإنقسامات على حساب التنوّع في إطار الوحدة.
-يؤسّس لصراعات مستقبلية مُدَمّرة دفع لبنان ثمنها من استقراره وازدهاره ونهوضه من كبواته.
ولعلّ أخطر ما في الأمر ، أنّه يخلق حالة من " الوعي المشوّه " للأجيال الحاليّة التي هي بأمسّ الحاجة إلى صياغة جديدة لوعيها خارج القوالب والأطر المتداولة والمتعارف عليها ، والتي تساهم في تشكّل واستمرار"بنية إجتماعية " Social Structure أسيرة لعوامل الماضي وما حملها من كوارث وويلات أوصلت البلد إلى المأزق المأزوم الذي يعيشه هذه الأيام.
وهكذا تتحوَّل اللغة المعتمدة في الإنتخابات النيابية الأخيرة - سهواً أو عمداً- بقصد أو عن غير قصد إلى قاطرة لماضٍ حمل لنا الكثير من الويلات والمصائب والكوارث.
فمتى نستفيق ، كي يتحوّل الوطن إلى مكان لكلّ أبنائه ، تعلو فيه المصلحة الوطنية والإنتماء الوطني على حساب التشظّي الطائفي والمذهبي.... وكي يتحوّل إلى واحة خضراء لكافة أبنائه على مختلف نِحلهم وأنسابهم ومناطقهم وانتماءاتهم ، تأسيساً لمستقبل أفضل لأهلنا وشعبنا.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :