أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي( في أحد تشكيلاته) مؤخرًا أسماء بعض مرشّحيه إلى دوائر الجنوب والكورة، في خطوة تعكس نية بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة. ولئن بدت الخطوة، في ظاهرها، سلوكًا طبيعيًّا لحزب سياسيٍّ يشارك في الحياة العامة، فإنها تستدعي من القوميين الاجتماعيين، ومن الرأي العامّ، وقفة تأمل نقدية تتجاوز الشكل إلى المضمون، وتتقصّى موقع الحزب من قضيته، وموقعه من جمهوره، وموقعه من ذاته.
أولاً: الأسماء قبل البرنامج؟!
في منهج أنطون سعاده، الانتخابات هي وسيلة من وسائل النضال القومي–الاجتماعي، لا غاية بحدّ ذاتها. وكان الحزب، حين يخوضها، يقدّم رؤيته الإصلاحية للأمة، يعلن خطته في السياسة والاقتصاد والاجتماع، ثمّ يختم بتقديم لائحة أسمائه. أما اليوم، فقد انعكست الأولويات؛ يُقدَّم “الاسم” في بازار اللوائح، ويؤخَّر “البرنامج” إلى ما بعد التسويات.
وهنا يحقّ لنا أن نسأل: أليس من اليديهي أن تُعلن أهداف الترشيح قبل أسماء المرشحين؟ أن يُقال للناس لماذا نشارك، وما هو موقفنا من هذا النظام الطائفي، وماذا نعرض عليهم من آليات للقضاء عليه ، قبل أن نعرض عليهم صور الرفقاء؟
ثانياً: انقسام تنظيمي ومشهد انشطاري
المعطى الأخطر هو واقع الانقسام القائم بين القيادتين المتصارعتين: قيادة “حردان” وقيادة “بنات”. اضف اليها قيادتيْن أُخرييْن لتنظيم " عبد المسيح" والسؤال المشروع هو: ماذا لو رشّحت القيادة الثانية والثالثة والرابعة لائحة أخرى؟ كيف سيكون موقف الناس من الحزب القومي؟ هل سينتخبون المبادئ أم الأشخاص؟ وهل نكون قد دخلنا الانتخابات باسم الحزب لنخرج منها بتعميق الانقسام الشعبي حول صورته ودوره؟ أليس في ذلك ما يناقض وظيفة الحزب كعنصر توحيد وتحرير، لا كعامل شرذمة وانقسام؟
ثالثاً: قانون طائفي، ومشاركة تحت سقفه!
ما هو الإطار القانوني الذي يشارك ضمنه الحزب اليوم؟ إنه قانون انتخابي طائفي مناطقي تحاصصي بامتياز. قانون يُجزّئ الشعب، ويقسم الناخبين بحسب مذاهبهم، ويمنح الحق في التمثيل السياسي لا بحسب الكفاءة والبرنامج بل بحسب الطائفة والمذهب والمنطقة.
فكيف يُمكن لحزب عقائدي يدعو إلى فصل الدين عن الدولة وإلغاء الطائفية، أن يشارك في انتخابات تقرّ هذا النظام وتعزّزه؟ وكيف لمن يصل عبر هذا القانون أن يزعم سعيه لإصلاحه من الداخل، وهو في الحقيقة يرسّخه بشرعية مشاركته؟
رابعاً: وهل فعلها سعاده؟
قد يقول البعض: “حتى في زمن أنطون سعاده، خاض الحزب الانتخابات في ظل قانون طائفي”. نعم، لكن الفرق شاسع. ففي حين أعلن سعاده لوائح حزبه من موقع المعارضة الجذرية للنظام، وكان رأسًا في المعركة ضد الطائفية والفساد، لا ذيلًا للسلطة، فإننا اليوم أمام مشهد مختلف تمامًا: أسماء تُدرج على لوائح “الآخرين”، سواء أكانوا ممثلين للدولة أم لسلطة الأمر الواقع. نحن لسنا في حالة مواجهة، بل في حالة تسوّل تموضع.
خامساً: لا بدّ من رسم الأولويات كما يجب أن تكون.
المطلوب اليوم ليس استعجال الترشّح، بل ترتيب الأولويات وفق خطة إنقاذ قومي داخلية:
1- أولًا: توحيد الحزب تنظيميًّا، وإنهاء الانقسام المدمّر الذي يشتت الصفوف.
2- ثانيًا: الإصلاح الداخلي العميق، بما يشمل الدستور والنظام الداخلي وانشاء سلطة قضائية فاعلة وتحديد وتحديث آليات العمل.
3- ثالثًا: تحديد البوصلة الصراعية، على الساحات الكيانية في لبنان والشام والاردن والعراق وفلسطين ..من هو العدو؟ من هو الحليف؟ ما هي ساحة المعركة؟
4- رابعًا: التموضع إلى جانب الشعب، لا إلى جانب السلطة، ولا إلى جانب السلاح المجوَّف من قضيته.
5- خامسًا: تعريف مصلحة الشعب، وتظهيرها في خطاب حزبي عقلاني واضح.
6- سادسًا: إعلان منهاج واضح ومحدد يلتزم هذه المبادئ.
7- سابعًا: تفعيل الرقابة والمحاسبة الحزبية الصارمة على كل من ينحرف عن النهج.
8- ثامنًا: وبعد كلّ هذا، تطرح المشاركة في الانتخابات ببرنامج تغييري ملتزم، يُعبّر عن اتجاه الحزب في الصراع القومي والاجتماعي، ويمنح الناخبين خيارًا فعليًا في حياة حرّة وعزيزة.
في الخلاصة : الانتخابات ليست تتويجًا للعمل الحزبي، كما هي ليست منحة تقاعد، بل تتويجًا لفعالية الحزب ومصداقيته. ومَن يُخفق في تنظيم بيته الداخلي، وفي توحيد خطابه، وفي التعبير الواضح عن مبادئه، فسيخوض معركة خاسرة حتى لو ربح مقعدًا. المطلوب من الحزب القومي الاجتماعي أن يكون صوتًا شعبيًّا مستقلًا لا صدى لسلطة، وأن يعيد تأسيس موقعه كحزب الصراع الحقيقي، لا كشريك متأخر في سلطة تُنتج الخراب نفسه.
نسخ الرابط :