الكلام عن الانتخابات يتخطّى يوم الأحد ليطرح إشكالات المرحلة المقبلة وأولها تشكيل الحكومة. فالاقتراع سيرسم معالم التحالفات التي نسجتها الانتخابات، لا سيما في معسكر الموالاة
بات الكلام السياسي حول الانتخابات النيابية المتعدد المسارات، في ضوء مجموعة مؤشرات سياسية تظهر تباعاً منذ أيام. فمنذ انتخابات المغتربين الأسبوع الماضي، تصاعد الكلام حول احتمالات الطعون بالانتخابات، لتتبعها لاحقاً تساؤلات عن مصير الصناديق وعدم الثقة بالسلطة في كيفية إدارة عملية الفرز الاغترابي، وصولاً إلى تصاعد الكلام حول الرشى الانتخابية. هذا المشهد لا يراه معارضو السلطة القائمة سوى إضافة إلى كل ما سبق الانتخابات من عراقيل وتلويح بنقص تمويل الاستحقاق والأمور اللوجستية، وكأن ما لم يتحقق بتأجيل الانتخابات يمكن أن يتحقق بعد الاقتراع.
وفي موازاة أهمية عدم المسّ بالصناديق الاغترابية والمحلية، يبقى البعد السياسي الذي أظهرته حتى الآن مواكبة الانتخابات على أكثر من صعيد.
فالسؤال المطروح يتعلق بالأثر الذي ستتركه الانتخابات على صعيد العلاقة بين المكونات اللبنانية. ليس صحيحاً أن ما جرى حتى الآن يمكن أن ينتهي ليل الأحد المقبل، فتطوى صفحة الانتخابات للانصراف إلى تشكيل حكومة، وكأن ما جرى انتهى في لحظته. فالتوتر السياسي الذي أفرزته سجالات الأسابيع الأخيرة، والاتهامات وحملات التخوين المتبادلة، لا ينذر باحتمال طي الانتخابات بسهولة، وتخطي نتائجها أياً كانت حصيلتها (هذا إذا تم التعامل بهدوء في ردود الفعل على النتائج)، ولا يمكن القفز بسهولة فوق الاتهامات وشد العصب السياسي والطائفي والحزبي بعد إقفال الصناديق. وهذا يؤشر إلى احتمال الدخول في مرحلة أكثر حساسية من تلك التي تلت عامي 2005 و2009. ففي الوقت الراهن، تضاعف وجود قيادات قديمة وجديدة رفعت حدة السقف السياسي وعناوين محلية وإقليمية، وغابت في المقابل مرجعيات سياسية لتطل أخرى في الشارع السني من دون تبلور قدرتها على التحكم فيه. إضافة إلى عامل وجود مرشحي المجتمع المدني، أياً كانت خلافاتهم وانقساماتهم الانتخابية. فما قيل في بلدان الاغتراب، ضد السلطة وضد الأحزاب، وجه من وجوه التعبير عن أن ما جرى في 17 تشرين لا يزال قائماً في لحظات معبّرة، وأن موقف هذه الشرائح لن يكون سهلاً التعامل معه وكأنه لم يكن، رغم أن أحزاب المعارضة والسلطة يزعجها هذا النوع من الحضور. لكن كل ذلك يضع استحقاق ما بعد الانتخابات على محك مفصلي على مستوى تأجيج التوترات السياسية.
كذلك لن يكون من السهل تخطي النتائج السياسية للتحالفات التي نسجت، والعودة إلى المربعات السياسية والطائفية، وعدم ترجمة التحالفات في تشكيل الحكومة قبل الوصول إلى رئاسة الجمهورية. لا سيما أن الكلام بدأ يتوسع في أوساط مقربة من العهد عن نية جدية بعدم القبول بحكومة اختصاصيين، بل بالذهاب إلى حكومة سياسية بقيادة شخصية من خارج النادي التقليدي. لكن هذا الإصرار قد لا يكون من السهل تخطيه لدى حزب الله. فالتيار الوطني سيكون بعد الانتخابات أكثر التزاماً بتحالفاته ولا سيما حليفه الأساسي حزب الله، عما كان عليه الأمر خلال السنوات الست الماضية وبعد انتخابات عام 2018، في ظل تسوية رئاسية جاءت ومعها أصوات تيار المستقبل. حين قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إن المعركة اليوم هي معركة الوقوف إلى جانب حلفائه، فلم يكن يعني حتماً حركة أمل. استنهاض حزب الله لجمهوره دعماً للتيار الوطني الحر، قابله تأكيد رئيس التيار النائب جبران باسيل عن دعم حلفائه، مثلاً، في خطابه الأخير في بعبدا حين قال عن إمكان الحصول على المقعد الماروني الثاني «إذا نحنا والحزب شدّينا حالنا». والأصوات الشيعية في دائرة الشمال الأولى (3705 أصوات)والشمال الثالثة (2650) وبيروت الأولى (3541) وجبل لبنان الثانية (5968) ودوائر جبل لبنان الأخرى، والبقاع الثانية والجنوب الأولى، هي أصوات تصب في صالح التيار الوطني الحر، الذي سيفوز نوابه بدعم أساسي من حلفائه حيث تصبح الأصوات الشيعية مؤثرة في شكل واضح في ميزان الربح. وهذا يعني أن الكتلة التي ستخرج من الانتخابات لن تكون متفلتة من خيار التحالفات السياسية في تشكيل الحكومة ومن ثم خيار رئيس الجمهورية. ولا يمكن بعد الانتخابات للتيار أن يتحدث عن سياسة مستقلة عن أطار دعم حزب الله وتالياً اختيار رئيس الحكومة كما جرى في المحاولات التي قام بها سابقاً قبل رئاسة العماد ميشال عون وخلال ولايته، ولا أن يتحدث حلفاء الحزب، مسيحياً أو سنياً أو درزياً، عن اتجاهات خارجة من السياق العام لاستراتيجية مواجهة الأشهر الأخيرة من عمر العهد، لأنه قد تكون للحزب ملامح مختلفة في مقاربة رئاسة الحكومة عدا عن نوعها وتشكيلتها ربطاً بملامح داخلية وإقليمية لا تتعلق بحسابات حلفائه الضيقة.
وهذا الأمر لا تعيشه كلياً أحزاب المعارضة، فالتحالفات الأساسية التي جرت لم تضع القوى الحزبية المعارضة من القوى السنية الخارجة من إطار المستقبل، والقوات والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب وقوى مستقلة، في سلة واحدة، عدا عن العنوان الأساسي في معارضة السلطة الحالية وحزب الله. ما عدا ذلك لا يمكن الكلام من الآن عن خيارات موحدة حكومية أو رئاسية، بل إن الالتزامات السياسية بعد الانتخابات متروكة لوقتها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :