«الطهرانيّة» الكاذبة | العدو يسلّم: معركة الوعي تخوننا

«الطهرانيّة» الكاذبة | العدو يسلّم: معركة الوعي تخوننا

 

Telegram

 

منذ اللحظة الأولى لاغتيال الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، بدأت ماكينة صناعة الكذب الإسرائيلية، بمساندة من عدد من الماكينات الغربية، محاولة غسل يد دولة الاحتلال من الجريمة، التي يَصعب هذه المرّة إدراجها في إطار «الأضرار الجانبية». على أن صعوبة إقناع العالم بتلك السردية المختلَقة، يبدو أنها دفعت تل أبيب وأجهزتها الدعائية إلى محاولة اصطناع الطهرانية والمظلومية، في ما يمثّل ترجمة جديدة لمهنتها القديمة، التي طالما مارستها بينما يُدفن الشهداء الفلسطينيون تحت الأرض. وفي كلتا الحالتين، يبدو أكيداً أن إسرائيل تتّجه نحو خسارة جولة إضافية من المعركة المستمرّة على الوعي، والتي سلكت مساراً تصاعدياً منذ معركة «سيف القدس» في أيار الماضي

 

 

 

00:00

Previous
PlayNext

00:00 / 00:00
Mute

Fullscreen
Copy video url
Play / Pause
Mute / Unmute
Report a problem
Language
Share
Vidverto Player

كأيّ طفل فلسطيني، كان محمد الدرّة ليتحوّل إلى «ضرر جانبي»، وفق التسمية التي لا يخجل بها المحلّل السياسي الإسرائيلي، تسافي برئيل، إذ إن إسرائيل تقتل يومياً الفلسطينيين أطفالاً ورجالاً ونساءً، ومن دون أن يرفّ لها جفن، فيما العالم يشيح بوجهه عن هذه الجرائم، وكأنّ شيئاً لا يحدث. غير أن الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وبسبب مكانتها على المستوى المهني وحضورها، لا يمكن أن تكون «أضراراً جانبية»، فـ«نحن»، كما يقول برئيل في مقالة في «هآرتس» أمس، أمام «حادثة ذات اعتبارات سياسية». ولولا ذلك، لما اجتهدت إسرائيل وإعلامها (الذي يبدو أقرب إلى ماكينة صنع الكذب) في أن تُحوّل جريمتها إلى حالة مظلومية لصالحها تحت شعارات «العالم لا يصدّقنا»، و«معركة الوعي خاسرة سلفاً (بسبب مكانة شيرين)». و«الإعلام الغربي تحوّل إلى عدو لإسرائيل». وبينما كان الإعلام الإسرائيلي منشغلاً بليّ عنق الحقائق، انضمّ وزير الشتات الصهيوني، نحمان شاي، إلى الجوقة، ليقول في مقابلة مع موقع «واللا» إن «الرصاصة والجثمان بحوزتهم (بحوزة السلطة الفلسطينية)، وفي أجواء كهذه من الصعب إجراء تحقيق»، مضيفاً أنه «بسبب كون شيرين أميركية، فهذا يضع إسرائيل تحت ضغوط سياسية. ولذلك، أقترح أن تكون هناك لجنة تحقيق إسرائيلية - فلسطينية بمشاركة طرف ثالث حيادي». وليس هذا «التنازل»، الذي «يمنّ» به شاي على العالم، إلّا لأن «المصداقية الإسرائيلية مهزوزة في حالات تُشبه مقتل شيرين».

وكانت عملية حياكة سردية المظلومية بدأت مباشرة بعد اغتيال أبو عاقلة، حيث استضافت «هيئة البثّ الإسرائيلية العامة» (الموازية لوكالات الأنباء الرسمية في دول العالم)، في برنامجها الصباحي، المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، الذي قرّر - من دون الاستناد إلى أيّ نتائج علمية أو حقائق موضوعية - أن «هناك احتمالاً لأن تكون شيرين قد قُتلت برصاص فلسطيني». وهذا «الاحتمال»، بدلاً من أن يدفع صحافيّي العدو (انطلاقاً من كونهم صحافيين فقط) إلى التحقيق في هذه الرواية والتدقيق فيها ونقدها، في ظلّ كثرة الدلائل على استحالة إصابة شيرين بنيران فلسطينية، قرّر هؤلاء تجاهل مهمّتهم، وانضمّوا إلى ورشة إعادة تدوير الجريمة، لخلْق سردية جديدة منافية تماماً للواقع. ولأجل ذلك، استخدموا (وإلى جانبهم بعض الصحافيين الغربيين أيضاً) عناوين فضفاضة، مبنيّةً للمجهول من قبيل «مقتل فلسطينية (وأحياناً من دون الإشارة حتى إلى مهنتها) في تبادل إطلاق نار»، فضلاً عن وضع الخبر في زاوية هامشية في بعض المواقع.

بعد ذلك، انغمست ماكينة الكذب في الترويج لشريط فيديو يُظهر مقاومين فلسطينيين يطلقون النار، ويقولون «أصبْنا إسرائيلياً»، على رغم أن التدقيق في الشريط يُظهر استحالة إصابة شيرين من الموقع الذي صُوّر فيه. وفي الوقت نفسه، ادّعى رئيس هيئة الأركان العامة، أفيف كوخافي، انطلاقاً من عقلية فوقية تنظر إلى الفلسطيني بدونيّة شديدة، أنه «على عكس الفلسطينيين، جنود الجيش الإسرائيلي ينفّذون إطلاق نار احترافياً وانتقائياً»، في محاولة للإيهام بأن قنّاصته الذين اعتلوا أسطح المنازل في جنين، لا يمكن أن يكونوا صوّبوا نيرانهم نحو الصحافية الشهيدة. ولكن حتى هذا الادّعاء لم يدفع الصحافيين الإسرائيليين إلى البحث في إمكانية تعمّد استهداف أبو عاقلة، على خلفية مساهماتها الغزيرة طوال مسيرتها المهنية، في خدمة فلسطين وقضيتها أمام العالم.

وفي السياق نفسه، اعتبر محلّل الشؤون الفلسطينية، أليئور ليفي، في مقالة على موقع «واي نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أنه كما في «حادثة مقتل الطفل الدرة، فإنه في حالة مقتل شيرين، لا مكانة أو أهمية للحقائق»؛ والسبب، بحسبه، هو أن «الحدث ذاته هو ذو تأثير هائل على الوعي». ويشرح ليفي وجهة نظره، التي تستهدف في نهاية المطاف تظهير صورة «إسرائيل المظلومة»، أنه بسبب مكانة كلّ من الطفل والمراسلة، ولكونهما طرفَين لا علاقة لهما بالقتال، فإن «المعركة على الوعي أمام العالم خاسرة، بغضّ النظر عن الحقائق والوقائع». ويستطرد في محاولة ترسيخ هذه الصورة بقوله إن إسرائيل «خسرت في المعركة على الوعي في كلّ ما يتعلّق بمقتل شيرين منذ الدقائق الأولى، عندما حمّلت شبكةُ الجزيرة، الاحتلال، المسؤولية عن مقتلها».

وعلى الرغم من أن «الجيش الذي لا يُخطئ» بتعبير كوخافي - آكل النباتات -، لديه كل الإمكانات والأدوات التكنولوجية والقدرات لكشف الحقيقة والوصول إليها، يصرّ ليفي على أنه «من المحتمل أن يبقى السؤال حول المسؤول عن إطلاق النار على شيرين لغزاً بلا حلّ». أمّا الإصرار الفلسطيني على التحقيق المنفرد في الجريمة، وتسليم النتائج إلى الجهات المعنيّة، ومن ضمنها الولايات المتحدة وقطر، فقد فسّره ليفي على أنه «استغلال سياسي» للقضية، مُدرجاً في إطاره أيضاً الجنازة العسكرية التي أقيمت للشهيدة في مقرّ المقاطعة في رام الله، والتي اعتبرها الكاتب «نفاقاً» من جانب رئيس السلطة، محمود عباس، «بسبب أنه طوال السنوات الماضية، انتهجت الجزيرة خطّاً تحريرياً ناقداً ومهاجماً للسلطة وعلاقتها بإسرائيل». وإلى أبعد من ذلك ذهب ليفي، بمحاولة صرْف النظر عن فظاعة الجريمة، عبر التذكير بأنه وزملاءه الإسرائيليين «عرضة للاستهداف... اللفظي والجسدي» في الضفة الغربية المحتلة، وأنهم «يجدون صعوبة» في أداء «عملهم الصحافي» هناك، بسبب «المقاطعة والحظر المفروض ضدّهم»، بل إن ليفي وغيره من المتواطئين على القتل وإن تستّروا بدروع الصحافة، لم يخجلوا من القول إن «مقتل شيرين سيصعّب العمل الميداني على الأقلّ في المدى المنظور».

في المحصّلة، تجد إسرائيل نفسها عاجزة عن إقناع العالم بكذبتها حول كلّ ما يتعلق باستشهاد أبو عاقلة. وانطلاقاً من ذلك، ارتأت اللجوء إلى اصطناع المظلومية، في ما يمثّل ترجمة جديدة لمهنتها القديمة، التي طالما مارستها بينما يُدفن الشهداء تحت الأرض... وينساهم العالم بعد حين.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram