محمد شقير-
حذّر رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري من التداعيات السلبية المترتبة على ترحيل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، ورأى أن «لا مبرر لهذا التأجيل ما دام أن نتائج الانتخابات لن تقدّم أو تؤخّر، خصوصا أن وضعنا الداخلي المتأزّم لا يحتمل هدر الفرص وبات يتطلّب توفير الحلول لوقف الانهيار المالي والاقتصادي ومنع البلد من أن يتدحرج نحو الهاوية»، كما نقل عنه زواره لـ«الشرق الأوسط».
وأمل بري، بحسب زواره، بأن «تتوّج الأجواء الإيجابية السائدة بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين الرئيس المكلف سعد الحريري بتشكيل الحكومة في أسرع وقت، ولا مانع من أن ترى النور هذا الأسبوع، وبالتأكيد قبل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية لأن الفرصة متاحة لإخراج البلد تدريجيا من التأزّم، شرط أن تتضافر الجهود لتأمين الغطاء السياسي من دون أي تردد يدفع باتجاه تسريع ولادتها».
وشهد ملف تشكيل الحكومة تقدماً، أمس، من غير الكشف عن تفاصيله، إثر لقاء جمع الرئيس اللبناني ميشال عون بالرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، بعد ظهر أمس، في قصر بعبدا للمرة الثانية خلال 24 ساعة. وأشار بيان رئاسة الجمهورية إلى «تقدم في ملف تشكيل الحكومة الجديدة».
ونقلت المصادر عن بري تشديده على «ضرورة خطف الفرصة واقتناصها اليوم قبل الغد وتوظيفها على طريق الانتقال بالبلد من مرحلة التأزم إلى تبنّي خريطة الطريق الفرنسية» التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون «لإنقاذ البلد ووقف انهياره وتحضيره للتعافي من أزماته». واعتبر «أننا أمام مرحلة حاسمة بدءا من هذا الأسبوع وعلينا ألا نفوّتها ونغرق في تحاليل لا فائدة منها سوى هدر الفرص وتقطيع الوقت بدلا من تذليل العقبات التي يمكن أن تؤخر التشكيل».
ورأى رئيس البرلمان أن «هناك ضرورة للتعاون بين عون والحريري، ولم يعد هناك من مجال للمساكنة أو المهادنة بينهما لأننا نمر بظروف استثنائية صعبة تستدعي من الجميع التصرّف بمسؤولية وعدم الدخول في سجالات نحن في غنى عنها أو الانجرار إلى مزايدات شعبوية». وأكد، بحسب زواره، أن «تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة عامل إيجابي، وتعاونه مع عون سيؤدي حتما إلى تذليل العقبات لأن المطلوب أن نقلّع شوكنا بيدنا وبيد مبادرة الإنقاذ الفرنسية».
وسأل بري وكأنه يرد على من يربط تشكيل الحكومة بالانتخابات الرئاسية الأميركية: «ماذا يفيدنا الانتظار في الوقت الذي يعاد فيه رسم الخرائط السياسية في المنطقة التي ستؤدي إلى تبدّل التحالفات وتُنذر بتحوّلات على أكثر من صعيد؟ وهل نبقى نتفرج على ما يدور من حولنا من دون أن نلتفت إلى ترتيب بيتنا الداخلي كي لا نندم في حال لم نخرج من حالة التردد؟».
وقال إن كل هذه التحالفات الجديدة التي يُفترض أن تشهدها المنطقة «تحتّم علينا اليوم قبل الغد أن نبادر إلى تحصين وضعنا الداخلي والاستعداد لمواجهة كل هذه المتغيّرات التي تتسارع بتشكيل الحكومة ليكون في وسعنا تأمين شبكة أمان سياسية توفّر الحماية لوحدتنا الداخلية لقطع الطريق على الانزلاق إلى متاهات غير محسوبة أو الانجرار إلى رهانات خاطئة».
وكرر بري قوله إنه يأمل «أن يتصاعد الدخان الأبيض هذا الأسبوع» بالإعلان عن تشكيل الحكومة بتفاهم عون - الحريري: «بعيدا عن المناورات والتسريبات التي يُفترض أن تغيب كليا لمصلحة الوصول إلى تشكيلة محصنة بالمبادرة الفرنسية وعدم تفويت معاودة الاهتمام الدولي بلبنان، خصوصا أن مجرد العودة إلى الوراء سيزيد من تأزّم الوضع».
وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية مواكبة للأجواء الإيجابية التي سادت الجولة الأولى من مشاورات التأليف بين عون والحريري والتي يُفترض أن تتكثّف في اليومين المقبلين، إن «مقولة الربط بين ولادة الحكومة وبين الانتخابات الرئاسية الأميركية مرفوضة بالشكل والمضمون». وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أنها لا تفهم الأسباب الكامنة وراء مثل هذا الربط «الذي يعني من وجهة نظرنا أن مجرد التلازم بين إنجاز الاستحقاق الحكومي والاستحقاق الأميركي لن يجدي نفعا وبات علينا عدم التفريط بالفرصة الدولية المواتية للعبور بولادة الحكومة إلى بر الأمان».
وأيّدت المصادر ما تناقله زوار بري عنه بأن هذا الأسبوع سيكون حاسما، وقالت إن «هناك ضرورة للتأسيس على الأجواء الإيجابية التي يعكسها الحريري، ليس لإعادة بناء الثقة بينه وبين عون فحسب وإنما لاستعادة ثقة اللبنانيين ببلدهم».
وسألت «ما الضمانة في حال تأجيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ وهل ستحمل متغيرات ليست مرئية حتى الساعة يمكن الإفادة منها لمعاودة تشغيل المحركات لتأليفها؟». وقالت إن «مجرد الربط سيرتّب على البلد المزيد من الأكلاف السياسية والاقتصادية والمالية».
وتوقّفت أمام دخول واشنطن على خط الوساطة بين لبنان وإسرائيل لتسوية الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية، وقالت إن وساطتها «يجب أن تنسحب إيجابيا على تشكيل الحكومة لأن ما يهمها الحفاظ على الاستقرار في لبنان لحماية استمرار المفاوضات، وهذا لا يتأمّن إلا بإعادة انتظام المؤسسات الدستورية بدءا بتشكيل الحكومة، لأن تمديد الفراغ يزيد من تأزّم الوضع ويعرض لبنان إلى انتكاسات مصدرها الارتدادات المترتبة على إعادة رسم الخرائط السياسية في المنطقة».
واعتبرت أن لتكليف الحريري بتشكيل الحكومة بغياب أي منافس له «أكثر من معنى لجهة تمرير رسالة بوجود نية لإعادة تموضع لبنان دوليا والاستعداد لتصحيح علاقاته بعدد من الدول العربية التي تراقب عملية تأليف الحكومة لتبني على الشيء مقتضاه وصولا للتأكد بأن البلد يستعد للدخول في مرحلة جديدة غير المراحل السابقة التي أقحمت لبنان باشتباكات مجانية مع المجتمع الدولي».
وترى المصادر أن لبنان يقف حاليا أمام «فرصة الإنقاذ الأخيرة»، وسط تساؤلات عن إمكانية عودة الكيمياء السياسية بين عون والحريري إلى ما كانت عليه فور إنجاز التسوية الرئاسية قبل سقوطها، وبالتالي ولادة الحكومة الأخيرة في الثلث الأخير من الولاية الرئاسية.
نسخ الرابط :