مصرفيون كبار يشهدون ضد سلامة: نعم، اختلس المال العام

مصرفيون كبار يشهدون ضد سلامة: نعم، اختلس المال العام

 

Telegram

 

تتوالى تباعًا الفضائح في ملف رياض سلامة الجنائي، وخصوصًا في الجانب المتعّلق بشركة فوري، الشركة الوهميّة المسجّلة بإسم شقيق الحاكم، والتي منحها حاكم مصرف لبنان امتياز تحصيل عمولات خياليّة مقابل تعيينها كوكيل عن مصرف لبنان، لبيع شهادات الإيداع وسندات اليوروبوند وسندات الدين العام بالليرة، من المصرف المركزي إلى المصارف. مع الإشارة إلى أنّ هذا الملف بالتحديد يمثّل أبرز عناصر الملفّات الجنائيّة التي يتم التحقيق بها لدى المحاكم الأوروبيّة في الخارج، ولدى القاضي جان طنّوس محليًّا.
التعمّق في هذه الارتكابات، التي أفضت إلى تحصيل الأخوين سلامة أرباح تتجاوز قيمتها 325 مليون دولار، بات يكشف المزيد من التفاصيل، خصوصًا بعدما انضم مصرفيون كبار للشهادة ضد سلامة في التحقيقات، وتبيان كيفيّة تحصيله هذه العمولات بشكل غير مشروع. أهميّة هذه الشهادات، الموثّقة بمستندات تفصّل كيفيّة بيع السندات وشهادات الإيداع للمصارف، تكمن في حسمها أهم جانب من هذا الملف الجنائي: سلامة اختلس بشكل مباشر، تحت ستار هذه العمولات، أموالاً عموميّة عائدة لمصرف لبنان. ولم يقتصر دوره على فرض العمولات كـ"خوّة" على المصارف التجاريّة عند إتمام عمليات شراء هذه المنتجات الماليّة.

شهادات مصرفيّة ضد سلامة

أبرز ما كشفته شهادات المصرفيين، المعزّزة بعقود شراء السندات وشهادات الإيداع، هو أن عقود الشراء نصّت على سداد المصارف عمولة 0.375% من قيمة هذه المنتجات الماليّة، إلا أنّها لم تنص في أي جانب منها على تسديد هذه العمولة لمصلحة شركة فوري بالتحديد. بمعنى آخر، وحسب عقود الشراء، كان من المفترض أن يكون مصرف لبنان بالتحديد هو المستفيد النهائي من هذه العمولات، ولا يوجد ما يبرّر تجيير هذه العمولات لمصلحة أي طرف ثالث. لا بل أكّد جميع هؤلاء بأن شركة فوري لم تكن طرفاً أو وسيطاً في هذه العمليّات، التي جرت بين مصرف لبنان كبائع للسندات وشهادات الإيداع، والمصارف كمشترٍ نهائي لها. أمّا أهم ما في الموضوع، فهو أن شركة فوري، الغائبة عن العقود ورقيًا، لم تقدّم أي خدمة أو منتج مالي يُذكر، مقابل تحصيل العمولات بدل مصرف لبنان.

إذًا، لعبة العمولات لم تحصل على مستوى عمليّات بيع المنتجات الماليّة للمصارف، ولم تحصل عبر فرض تسديد العمولات لشركة فوري بالإكراه كخوّة إلزاميّة على المصارف، بعد تعيينها كوسيط، كما اعتقد الجميع في البداية. المصارف سددت العمولة الإضافيّة في إطار عقد يجمعها بمصرف لبنان حصرًا، وسددتها كجزء من عمليّة الشراء إلى المصرف المركزي. كيف حصلت فوري إذًا على العمولات، بدل المصرف المركزي؟

لعبة العمولات حصلت في مكان آخر تمامًا: في مصرف لبنان، تم فتح الحساب الوسيط تحت الرقم 01.260.632.009، من خارج ميزانيّة المصرف المركزي الرسميّة. وتم تحويل جميع هذه العمولات، التي سددتها المصارف لمصلحة مصرف لبنان حسب عقود شراء السندات وشهادات البيع، إلى الحساب الوسيط. ثم قام سلامة، بصفته حاكمًا للمصرف المركزي، بطلب تحويل هذه العمولات لحسابات شركة فوري في الخارج، بذريعة كونها "الوكيل" الذي قام ببيع السندات وشهادات الإيداع للمصارف التجاريّة.

وللتغطية على هذه العمليّة، قام سلامة بتوقيع عقد من ثلاث صفحات، بين شركة فوري والمصرف المركزي، لتعيين فوري كوكيل عن مصرف لبنان، لبيع المنتجات الماليّة للمصارف التجاريّة، وتقاضي العمولات الخياليّة بهذه الصفة. وهذا العقد الذي تسرّب إلى وسائل الإعلام مؤخّرًا، كان المبرّر الوحيد الذي تم تقديمه لتتقاضى فوري أكثر من 325 مليون دولار من العمولات، بدل أن يتقاضى هذه الأموال مصرف لبنان.

بهذه المعنى، ما قام به سلامة هو اختلاس موصوف لأموال كان من المفترض أن تصب في خزينة المصرف المركزي. لم يكن هناك أي وجود فعلي لشركة فوري، ولم تقدّم الشركة أي خدمات تُذكر، بل لم تكن الشركة حتّى طرفًا في عقود عمليّات بيع المنتجات الماليّة ما بين مصرف لبنان والمصارف التجاريّة. الشركة مجرّد كيان تم خلقه للاستيلاء على العمولات، بعد إتمام عمليّات بيع هذه المنتجات، تحت ستار "عقد الوكالة" الذي وقعه سلامة مع شركة شقيقه.

في واقع الأمر، يؤكّد خبراء الأسواق الماليّة أن وجود "وكلاء" لتسويق منتجات ماليّة كسندات اليوروبوند أو شهادات الإيداع أو سندات الدين بالليرة، وتقاضي هؤلاء مئات ملايين الدولارات من العمولات بهذه الصفة، مسألة غير مبرّرة بتاتًا في سوق المال اللبناني. فالمصارف التجاريّة اللبنانيّة لطالما قامت بتوظيف الغالبيّة الساحقة من سيولتها في هذا النوع بالتحديد من المنتجات الماليّة، ولم يكن هناك داع لوجود طرف ثالث كوسيط لتسويق هذه المنتجات.

الحماية المحليّة مستمرّة

بوجود كل هذه المعطيات التي تتراكم، لتؤكّد حجم ارتكابات حاكم مصرف لبنان، تستمر الحمايات والحصانات المحليّة بالحؤول دون كشف أهم ما قد يدين سلامة: كشوفات الحسابات المصرفيّة. فحتّى اللحظة، تستمر ستة مصارف محليّة بالامتناع عن تزويد القاضي جان طنّوس بحركة حسابات رجا سلامة (شقيق الحاكم) وشركة فوري، والتي من شأنها تأكيد مصدر هذه الأموال وارتباطها بعمليّات بيع منتجات مصرف لبنان الماليّة. ورغم أن القانون يؤكّد استثناء قضايا الإثراء غير المشروع من موجبات السريّة المصرفيّة، تستمر المصارف باستخدام السريّة المصرفيّة كذريعة للتمنّع عن تسليم هذه المعلومات، فيما يستمر القاضي غسان عويدات بعرقلة تكليف القوى الأمنيّة بفرض تسليم هذه الداتا المصرفيّة البالغة الأهميّة.

في نهاية الأمر، يراهن حماة سلامة على حشر القاضي طنّوس بحرمانه من هذه المعطيات، لفرض تقديم الإدعاء على سلامة من دون تضمين الملف حركة الحسابات المصرفيّة. وهو ما من شأنه أن يضعف الإدعاء لاحقًا. ولهذا السبب بالتحديد، قد لا يكون الادعاء على سلامة في هذه اللحظة من الزمن بداية محاسبة حقيقيّة للرجل، بل خطوة يُراد منها سحب الملف من يد القاضي طنّوس، وتقديم الادعاء بأضعف صيغة ممكنة. كلمة السرّ هنا بيد القاضي عويدات، الحريص على تنسيق خطواته مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram