تسوية تقترب ومؤتمر دولي تأسيسي؟

تسوية تقترب ومؤتمر دولي تأسيسي؟

 

Telegram

 

يبدو أنّ قواعد الاشتباك بين «حزب الله» والاحتلال الاسرائيلي آخذة في التمدّد صعوداً، مع نجاح المسيّرة «حسان» في خرق جدار المحظور فوق شمال الأراضي المحتلة، قابله خرق لجدار الصوت فوق بيروت.

فرضت «المسيّرة» الاستطلاعية «حسان» وقائع جديدة على مسرح «الحرب الباردة» بين «حزب الله» والكيان الإسرائيلي، وعكست مستوى الجهوزية التي وصل اليها الحزب تحسباً لأي مواجهة واسعة.

وإذا كان الحزب يعتبر انّ قدراته القتالية البرية تطورت كمّاً ونوعاً منذ وقت طويل، وانّه سيكون صاحب الأرجحية في أي معركة مستقبلية على الأرض، فإنّ الجديد هذه المرة هو تنفيذه «هجمة مرتدة» في الملعب الذي يتفوق فيه الاسرائيلي تاريخياً، أي الجو المعروف بأنّه مسرح مستباح من طرف واحد للطائرات الإسرائيلية.

وفي حين يصعب على الحزب تحقيق التوازن مع سلاح الجو الاسرائيلي الكلاسيكي المدجج بأحدث أنواع الطائرات الحربية، إختار في المقابل «ترويض» هذا التفوق والتعويض عنه، عبر سلاحين نوعيين: المسيّرات القادرة على الاختراق والرصد، والصواريخ الدقيقة التي يمكنها ان تحقق إصابات مباشرة. في رأي الحزب، انّ مفعول هذين السلاحين أصبح يعادل وظيفة الطائرات المقاتلة الموجودة في حوزة تل أبيب، والتي من الصعب امتلاك مثلها، ولكن تبين انّه يمكن إيجاد بدائل منها بكلفة أقل وفعالية أكبر.

بهذا المعنى، يفترض الحزب انّه نجح على الأقل في تقليص حجم «الفجوة الجوية» في موازين القوى بينه وبين الاحتلال الاسرائيلي، سواء من خلال المسيّرات المتطورة او الصواريخ القادرة على إسقاط طائرات استطلاع اسرائيلية، او الصواريخ الدقيقة التي يمكن أن يكون لها تأثير الغارات الجوية. انما من دون أن ينفي ذلك حقيقة انّ ردم تلك الفجوة بكاملها ليس ممكناً في الوقت الحاضر، علماً انّ هذا الردم المكلف لم يعد، على الأرجح، هدفاً للحزب، بعدما أصبح قريباً من احتواء الفارق عبر تطوير عناصر قوته في الميادين الأخرى، كما حصل على خطي المسيّرات والصواريخ.

ووفق الأوساط القريبة من «حزب الله»، ليس أمراً بسيطاً ان يأخذ المبادرة في المجال الجوي، حيث الاسرائيلي متقدّم عليه بأشواط. لافتة إلى انّ «حسان» استطاعت ان تضع الاحتلال في موقع ردّ الفعل، بعدما ظلّ طويلاً صاحب الفعل الوحيد في الجو.

وتفيد المعلومات، انّ مسيّرات للحزب نفّذت من قبل طلعات لم يُكشف عنها في أجواء الجليل، لحسابات تكتيكية. أما «حسان» فقد انطوى الإعلان عن مهمتها في العمق المحتل على رسائل عدة حملتها معها، وهي الآتية وفق تفنيد العارفين:

- إفهام الاسرائيلي بـ«درس تطبيقي» انّ ضرباته في سوريا على أماكن يَفترض انّها مخصّصة لتجميع المسيّرات والصواريخ قبل نقلها الى لبنان، باتت بلا أي جدوى او تأثير، لأنّ الحزب أصبح قادراً على التصنيع في لبنان، والمسيّرة «حسان» هي الشاهد والدليل.

- إحباط مخطّط كان يرمي الى مهاجمة مصنع للمسيّرات او للصواريخ في لبنان وتفجيره من داخله، عبر قوة كوماندوس اسرائيلية، وفق مؤشرات موثوقة توافرت لدى أجهزة الحزب الذي قرّر توجيه تنبيه استباقي الى تل أبيب فحواه: «حسان» تراقبكم.

- توجيه إنذار بأنّ المسيّرة «حسان» ليست سوى واحدة من أسراب موجودة وجاهزة للتحليق بالحرفية ذاتها، وانّ مهماتها قد لا تقتصر على الرصد والاستطلاع في حال اقتضت ضرورات الردع ذلك، إذ يمكن تزويد هذه المسيّرات متفجرات، وبالتالي استخدامها في عمليات قتالية هجومية متى استدعت الحاجة.

- التأكيد انّ استباحة الأجواء اللبنانية تمنح المقاومة حق اختراق أجواء فلسطين المحتلة.
في جلسةٍ مع بعض الضيوف اللبنانيين، يسأل ديبلوماسي غربي خبير بالمسائل اللبنانية: لو جاءكم أحد في العام 1990 وأخبركم أنّ «القوات اللبنانية» التي كانت آنذاك بالغة القوة والتنظيم ستُسلّم السلاح بعد أشهر، لقلتم له: أنتَ تتحدَّث عن سراب! ولو جاءكم أحد في العام 2004 وأخبركم أنّ القوات السورية التي تتحكَّم بكل مفاصل السلطة والسياسة والأمن والاقتصاد على وشك المغادرة بعد أشهر، لقلتم له: إنّ توقعاتك من نسج الخيال!

يضيف الديبلوماسي: بناءً على هاتين التجربتين، وتجارب لبنانية أخرى على مدى عشرات السنين الفائتة، يمكن القول: إنّ الحلول التي تبدو اليوم مستحيلة في لبنان، قد تصبح حقيقة واقعة في أي لحظة بعد أشهر، إذا تقاطعت التسويات الإقليمية والدولية.

والبلد الغارق اليوم في هوَّة الانهيار السحيقة، التي يُعتقَد أنّ لا خروج منها، قد يصبح وارداً انتشاله سريعاً حينذاك. وحتى سلاح «حزب الله»، الذي لطالما كان العقدة الأقسى، يصبح مسألة قابلة للمعالجة. فلا تستبعدوا أن يولد الحلّ في لبنان فجأة، ودفعة واحدة.

فإذا كانت الخلفية الحقيقية للأزمة الحالية هي النزاعات الإقليمية والدولية على رقعة الشرق الأوسط، فإنّ هذه النزاعات قد تشهد تحوُّلات مفصلية نحو التسوية في المدى المنظور. وفي هذه الحال، يصبح الحلّ الداخلي في لبنان أمراً متيسِّراً.

يُسأل الديبلوماسي: ولكن، ولنفترض أنّ القوى الإقليمية والدولية أنهت صراعاتها في لبنان بالتوافقات الكبرى، فكيف يتوافق اللبنانيون على المسائل الجوهرية الأخرى التي تُمزِّقهم، والمتعلقة بالتركيبة وتوازنات النفوذ الطائفية والمذهبية؟ أي، بمعزل عن تدخّلات الأميركيين والإيرانيين والسوريين والعرب، هل سيتوافق المسيحيون والشيعة والسنُّة والدروز على صيغة وطنية قابلة للعيش؟

فلا «اتفاق الطائف» نجح، ولا «اتفاق الدوحة»، ولا مؤتمرات الحوار ولا «إعلان بعبدا». والأسوأ أنّ اللبنانيين فشلوا في تأسيس علاقة استقرار جديدة في ما بينهم بعد خروج السوريين في العام 2005، وأظهروا أنّهم لم يبلغوا فعلاً «سنّ الرشد» ليديروا شؤونهم بأنفسهم. وهذا يعني أنّ الاتفاقات والمواثيق والحوارات السابقة لم تعالج حقيقة المشكلات اللبنانية الجوهرية.

يقول الديبلوماسي: على مدى نصف قرن، اهتزّ استقرار لبنان لأنّ القوى الخارجية بقيت تتنازع بواسطة اللبنانيين. ولكن، إذا وصل النزاع الإقليمي - الدولي إلى تسويات ثابتة، فطبيعي أن يكون لبنان جزءاً من خريطة التوافقات كما كان جزءاً من خريطة النزاعات.

وفي هذه الحال، إنّ القوى التي تسبَّبت بالتشرذم اللبناني وحرَّضت عليه ستكون هي نفسها الضامنة للاستقرار. وعندئذٍ سترعى المؤتمر الدولي- التأسيسي من أجل إقرار صيغة جديدة للبنان، تكون انعكاساً للتسويات الكبرى.

والقوى اللبنانية المتنازعة باتت كلها اليوم مقتنعة بأنّ لا مخرج من الأزمة إلاّ بهذا المؤتمر. ففيما يريد «حزب الله» «مؤتمراً تأسيسياً»، يصرّ البطريرك الماروني بشارة الراعي على الدعوة إلى «مؤتمر دولي من أجل إنقاذ لبنان».

طبعاً، هناك اختلاف بينهما في الرؤية والهدف. فـ«الحزب» يريد من المؤتمر التأسيسي أن يكرّس داخل منظومة السلطة مكاسبه التي راكمها على مدى نصف قرن، والتي كلّفته كثيراً. وأما البطريرك فينطلق من الخوف القديم على ضياع «الخصوصيات المسيحية» في لبنان بتأثير من عاملين: القوة والعدد. وهي «الخصوصيات» أيضاً التي كلّفت المسيحيين كثيراً. وبين المسيحيين والشيعة، طبعاً للسنَّة والدروز رؤاهم وأهدافهم أيضاً.

وللتذكير، في أول حزيران 2012، أطلق الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله اقتراحه الشهير بالمؤتمر التأسيسي، فقال: «علينا أن نعالج الأسباب من أجل بناء دولة حقيقية، فنقيم مؤتمر حوارٍ وطنيٍّ، ومؤتمراً تأسيسياً وطنياً في لبنان، على غرار المؤتمرات التي تُعقد في أماكن أخرى من العالم العربي (حينذاك) (...) ويمكن أن ننتخب مؤتمراً تأسيسياً، لا على أساس طائفي، بل على أساس شرائح ونِسب مئوية. وتكون أمام المؤتمر مهلة 6 أشهر أو سنة، لمناقشة كل الخيارات».

إذاً، في الأساس، يمتلك «الحزب» تصوُّراً متكاملاً عن الدور الذي سيؤديه المؤتمر التأسيسي في تغيير الصيغة القديمة، أو النظام القديم الذي لطالما حاربه علناً أو سرّاً، وهو القائم على ركيزة امتيازات 1943 المارونية- السنّية. وعلى الأرجح، لم يعد في مقدور أحد أن يتهرَّب من إشراك الشيعة بفاعلية في عمق النظام والسلطة.

ولكن، في المقابل، يدرك الشريك الشيعي، وسيزداد إدراكاً، أنّ وزن السلاح لن يخوّله الإمساك بالسلطة وحده وإدارة البلد بما فيه ومَن فيه، ولو نجح الإيرانيون في إبرام اتفاق مع القوى الدولية، وأنّ لبنان لا يمكن أن يكون «نظاماً» عربياً يحكمه طرفٌ، ولو كان أقليّاً طائفياً أو سياسياً، وأنّه إذا أصرّ على السيطرة فلن يستقرّ البلد إطلاقاً.

ما يتوقعه المتابعون، وما يتمّ تداوله في بعض الأقنية الديبلوماسية، هو دمج الفكرتين معاً: المؤتمر التأسيسي والمؤتمر الدولي، بحيث يتفاهم اللبنانيون على أسس جديدة لتركيبة الدولة، بتغطية إقليمية ودولية مباشرة. والأرجح أنّ ذلك سيحين أوانه مع ظهور التسويات الكبرى، سواء في مسائل النزاع القديمة مع إسرائيل أو في ما يتعلق بنفوذ إيران الإقليمي.

وثمة مَن يعتقد أنّ التسويات ربما اقتربت فعلاً، بدءاً بالاتفاق الذي بات شبه ناضج في فيينا، وهي ستسقط فجأة على الجميع. وربما تكون في هذه التسويات مصلحة لهم، لأنّهم محشورون، ولأنّ انتظارهم سيرفع حجم الخسائر التي سيتكبّدونها.
- اعتبار انّ متطلبات حماية لبنان من الخطر الإسرائيلي تعطي المقاومة مشروعية جمع المعلومات بكل الوسائل الممكنة حول مصادره وأشكاله، ومن ضمن هذه الرسائل المسيّرات.


 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram