بين بهاء الحريري و نفسه، أي قبل أن نصل إلى القاعدة، "الأمور مش تمام"، وبين نواف سلام و "الحاضنة" السياسية السنّية البديلة، الأمور أيضاً "مش تمام"، وبين الرباعي السُنّي ببعضه، الأمور مش ماشية أيضاً ولو حاول البعض تظهير أن "الوضع" ليس بهذا السوء.
والهشاشة السياسية السُنّية ظهرت بشكلٍ واضح، خلال ما يُفترض أنها ذكرى تتكفّل بشدّ العصب السُنّي إلى أقصاه. فعلى اليمين، هناك وريثٌ فعلي يعتزل العمل السياسي ويمضي تاركاً خلفه أيتاماً، وعلى اليسار وريثٌ "مُفترض"، يجهد من أجل تثبيت الذات من دون أن يفلح، وبينهما "مشاريع" سياسية تتهاوى وتتساقط، ولعلها بسقوطها لا تختلف عن سقوط ذلك المشروع في 14 شباط 2005.
لقد أرادَ بهاء الحريري، أن يجعل من ذكرى شهادة والده قيامةً له، تنقله من ضفة "الناشط السياسي" اللاسلكي إلى "مشروع القائد" الفعلي، فكان أن أسرّ له أحدهم بأن يعمد لذلك من خلال مقابلة تلفزيونية أولى من نوعها على الشاشة الصغيرة، لكنه وليس مبالغةً، لم تكن المقابلة موفقة، لا في الشكل ولا في المضمون بدليل أن الرجل ارتبكَ في أكثر من موضع، وكاد يلملم أشلاء إجاباته المتنافرة – المتباينة و الغريبة عن التجربة السياسية اللبنانية.
وكأي عمل سياسي، كان للمقابلة أثرها السلبي الواضح. من رأى في بهاء الحريري حالة استكمال للحريرية، إكتشف أنه بالغ في التأمّل ولا بدّ أن الإشارات نفسها وصلت للمعنيّ مباشرةً، وحالة الضحالة السياسية كانت قد سبقت المقابلة بالفعل، وبهاء الشهير بالتقلّبات وعدم الإلتزام بطبيعته، سرعان ما تجاوز فكرة القدوم إلى لبنان وأجّلها ،وهذا إنما هو انعكاس سلبي عن حالة تولّدت عنده فكان من دوافعها أن عزل نفسه عن اي احتمال للترشّح.
ومشكلة بهاء هي في الأساس مشكلة سعد وقبلهما مشكلة "المشروع" الذي غاب بفقدان رفيق الحريري، وأيّ منهما لم ينجح في بلورة مشروع سياسي واضح أو استكمال ما بدأه والدهما، وبالنسبة إلى بهاء، لم يكن صعباً أن يُفهم من كلامه، مدى عجزه عن بلورة أو تكوين خطابٍ سياسي أو تنسيق جملة مفيدة رغم كلّ المال الذي يستثمره بالسياسة، وبدا أنه عاجزٌ عن تفسير ولو فكرة واضحة من مجموع أكثر من 2000 كلمة نطق بها خلال المقابلة، وهذا كلّه لا يزيح عن "ضحالة سياسية" فاقدة للقدرة على ترجمة مشروعٍ إنقاذي.
لا بدّ أن بهاء الحريري كان يطمح وما زال لدخول البرلمان عبر كتلة "سوا"، من خلال لوائح منتشرة في كافة الدوائر تقريباً وتحمل الشعار ذاته "سوا"، ولا بدّ أيضاً أنه يحاول أن ينال الشرعية عبر حجز المقاعد النيابية عملاً باستشارةٍ قُدّمت له من أحدهم، وهذا حقّه، لكن دخول البرلمان من زاوية مقاطعة جزءٍ كبير من اللبنانيين أو أقلّها فئة رئيسية منهم ومن خلال "القفز الحرّ" من فوق الأسوار، لا يصحّ وإنما ينمّ عن ضيق حال.
من زاويةٍ أخرى، ترى أن الجمع السياسي الرئيس أو أقلّها الذي ينوب اليوم عن سعد الحريري في إدارة الحالة السنّية، لا زال يرى في بهاء الحريري لاعباً من خارج التشكيلة الأساسية، وبهاء هذا، خسر فرصةً كان ليراود من خلالها مشاعر السنّة لو أتى إلى لبنان لإحياء ذكرى استشهاد والده التي لم يحضرها يوماً، لكنه عمل على استنساخ ذريعة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الدائمة والمتمثّلة في الخطر الأمني.
إذاً لا بدّ أن هذا الفراغ الذي يتركه بهاء، أساسيٌ في العمل السياسي، وبحكم الطبيعة سيأتي من يملأه، وفي الغالب إن ظروف هذه التعبئة باتت متوفّرة، من زاوية قدوم السفير اللبناني السابق في الأمم المتحدة نواف سلام، الذي حضر إلى بيروت قبل أيام على نيّة التشاور السياسي مع عدد من المراجع.
وعلى ما تفيد المعلومات، يأتي حضور سلام من زاوية إتمام "وراثة عائلية" وفق الشكل الذي يؤدّيه بهاء لكن بمرونةٍ وحكنةٍ أكثر واستغلالٍ لحالة فراغ نشأت عن خروج الحريري، وثمة من يظنّ أن في إمكان رجل طرحته السعودية سابقاً ، أن ينجز ما عجز عنه "الشيخ سعد".
هكذا، لم يعد في الإمكان عزل زيارة سلام عن تحضيرات سبقت ذلك وتولّت تنفيذها مجموعة ناشطة. ولا تخفي هذه الجماعة تسويقها لإسمه ضمن جلسات القوى المنضوية ضمن تركيبة 17 تشرين.
وإذ لا يبدو أن سلام جاهلٌ بما يفعل، وجد أن تفعيل حضوره السياسي على مستوى اللقاءات، يمنحه صورةً حول الوضعية الحالية، ومن هذا الباب أجرى لقاءات متعددة مع أقطابٍ من أصحاب التجربة، وقد شهدت اللقاءات نوعاً من المصارحة حول الوضع الراهن وما يحمله بالنسبة إلى الإنتخابات، وقد وُضع سلام "بطلبٍ منه" بأجواء السياسة العامة وما يجري، ولا بدّ أن سلام قد نصح بإزالة فكرة الترشّح لكونه لا يقدر على تغيير شيءٍ يُذكر في ظلّ الحالة السياسية الراهنة.
الجوّ ذاته لاقاه سلام لدى الجماعة التي التقى بها من القيادات السنّية، والتي بدا أنها استسلمت للواقع السنّي العام، وأحدهم أسرّ إلى سلام –بحسب المعلومات- بأن المرحلة الآن ليست مرحلة ترشّح للإنتخابات النيابية، بقدر ما هي مرحلة حسابات تتظلّل بالظرف السياسي القادم انتظار جلاء العاصفة، وإذا كان ولا بدّ، فيمكن النشاط سياسياً من خلال جمعية أو منظمة أو بطريقة منفردة، وهذا يتقاطع مع توجيهاتٍ سابقة كان رئيس الحكومة سعد الحريري قد أدلى بها ، بمعرض تجديد الشروحات لكتلته السياسية التي التقى بها نهاية الأسبوع الماضي، وقد وجد أمامها بأنه ليس من الممكن –حتى الآن- المشاركة في لعبة سياسية في الظرف الراهن، ولو كان يقدر على إجراء أي تحديث أو تغيير، ما كان ليعلن عزوفه.
وعليه، فإن استطلاع نواف سلام للحالة السياسية الراهنة، لم تُجبه عن أسئلة أساسية يطرحها ذات صلة باحتمالية ترشّحه إلى الإنتخابات النيابية، وظهر بأن مشاركته في أي استحقاقٍ مشابه مقبل، لن تأتي عليه بمردودٍ سياسي إيجابي، وإن أفضل وضعية سياسية يمكن اعتمادها اليوم هي وضعية "الإنتظار" خلف الخطوط والتي جعلت منه مرشّحاً دائماً لتأليف الحكومات.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :