تسارعت وتيرة الحركة الانتخابية في زحلة في الأيام الماضية، من دون أن تتبين ملامح "اللوائح" التي تخوض المعركة في شهر أيار المقبل، وتحالفاتها. فاكتمال هذه اللوائح يقترن بقرار تيار المستقبل النهائي حول وجهة مشاركة "جمهوره" في الانتخابات، اقتراعاً كثيفاً أو مقاطعة. وسيكون لذلك في الحالتين الوقع الأكبر في تحديد مسار المعركة المقبلة ومصيرها. ما يضع القوى المؤثرة في انتخابات زحلة بموقع مترقب لهذا القرار، لما يشكله سنّة دائرة زحلة من قوة وازنة يمكن أن تقلب المعادلات في معركتها.
وعلى رغم انطلاق عجلة الترشيحات وتبنيها، لا الأحزاب المركزية المتوسع نفوذها في مدينة زحلة منذ سنة 2006، ولا القوى السياسية التقليدية فيها، تحاول حتى الآن مفاوضة المرشحين عن المقعد السني، ما يبقي خيارات المستقبل مفتوحة على الاحتمالات، في هذه الدائرة.
القوات وضاهر
القوات اللبنانية قد تكون واحدة من الأطراف السياسية التي تطمح لإعادة ترميم العلاقة مع المستقبل. فعلى رغم مآخذ الشارع السنّي عليها، لا يزال الناخب السنّي في البقاع يعتبر خطاب القوات الأقرب إلى مواقفه السياسية المعلنة. ومن هنا تعويل القوات على استقطاب الفئة غير "المتحزبة" في توسيع مروحة تمثيلها إلى خارج مدينة زحلة، الأمر الذي يمكن أن يريحها في معركتها التي أعلنتها على أحد المقعدين الكاثوليكيين والمقعد الأرثوذوكسي في الدائرة.
لكن القوات ليست وحدها صاحبة الخطاب المناهض لحزب الله. فالنائب ميشال ضاهر يقدم نفسه أيضا قوة سياسية "مواجهة" للطبقة السياسية أو الحزبية القائمة. وهو قد أعلن "لاءتيه" الجازمتين ضد التحالف مع حزب الله والتيار العوني. وإذا كانت لافتة إدارةُ ضاهر معركتَه الانتخابية المحلية، يحسب له أيضاً أنه أول من طرح مرشحاً شيعياً في نواة لائحته.
وحتى لو حاول ضاهر تقديم نفسه قوة تغييرية من خارج الأحزاب، ووضع معركته في إطار استعادة القرار اللامركزي لزحلة، بتشكيل حالة يصفها بالـ"ثورية" في مجالسه، فإنه يتجنب حتى الآن الوقوف في مواجهة مباشرة مع المستقبل، بعدما كان من أكثر المستفيدين من أصوات جمهوره في الانتخابات الماضية.
وتكشف المصادر عن خطوط تواصل فتحتها مع ضاهر شخصية إعلامية لضم الدكتور عيد عازار مرشحاً أرثوذوكسياً على لائحته. لكن المساعي لم تكتمل بينهما، بل انقطعت نهائياً بعد الجدل في وسائل التواصل الاجتماعي بين الطرفين، والوعد الذي قطعه ضاهر ليوسف المعلوف ليضمه إلى لائحته.
ميريم سكاف
وتتحدث أوساط رئيسة الكتلة الشعبية ميريم سكاف عن سعيها لإرساء تحالف قوي مع تيار المستقبل، قد يوفر لها حواصل توصلها إلى الندوة البرلمانية، إذا نجحت في إقناع الزحليين مجدداً بمنحها أصواتهم التفضيلية.
وفيما لم تعلن سكاف التحالف مع مرشح زحلة تنتفض عيد عازار حتى الآن، فإن المعلومات تشير إلى أنها تنتظر نتائج محاولات التواصل مع تيار المستقبل. وهو تحالف إذا حصل فعلياً من شأنه أن يضع مرشح "زحلة تنتفض" في موقف حرج بالنسبة إلى المعايير التي حددتها المجموعة لمعركتها، ويطرح السؤال عن مصير ترشيح الدكتور عازار. ويبدو أن القوى التغييرية في دائرة زحلة ومجموعاتها ضيعت فرصة الائتلاف لتشكيل لائحة موحدة.
لكن المعضلة السنّية ليست وحدها ما يؤخر إعلان اللوائح في هذه الدائرة. ويبدو شغل القوى السياسية الشاغل أيضاً سيرة المرشحين المحتملين، والقيمة المضافة التي يمكن أن يشكلها تبني ترشيحاتهم في زيادة حواصل لوائحها، خصوصاً للأطراف المسيحية العاجزة حتى الآن عن خلق حالة شعبية يمكن أن تجير لها غالبية أصوات الناخبين المسيحية. علماً أن تشتت الصوت المسيحي يرجح كفة جناحي القضاء، السني والشيعي، في حسم نتائج الانتخابات النهائية.
وهذا الواقع يجعل معركة انتخابات 2022 معياراً للقوة الفعلية التي تتمتع بها الأحزاب المتمددة إلى زحلة. لكن التوقعات لا تزال حتى الآن تشير إلى مقاطعة واسعة من الناخب الزحلاوي الصامت، والذي يشكل الشريحة الأوسع، وسط غياب الترشيحات التي تتناغم مع موجة التغيير المنشودة من ناخبي الدائرة.
العونيون والقوات
وعليه، لا يتوقع الزحليون حتى الآن تغييراً جذرياً في وجهة تمثيلهم في الانتخابات المقبلة. فكل لائحة من اللوائح المتوقعة لن تحصل على أكثر من مقعد، إذا أمنت حاصلاً، مع إمكان محدود جداً لرفع الحاصل إلى اثنين. وهذا ما يجعل الصوت الزحلي يصل مشتتاً إلى البرلمان مرة أخرى.
وإلى أن تتبلور التحالفات النهائية، يتوقع أن تحدد الأحزاب ولوائحها تباعاً وجهة أصواتها التفضلية في المعركة المقبلة. وإذا كان التيار العوني لم يعلن مرشحه بعد، فإن التوجه بات شبه محسوم لإعادة ترشيح النائب سليم عون عن المقعد الماروني، رغم النقاشات الداخلية التي يخوضها العونيون حول هذا الترشيح. أما القوات اللبنانية فقررت خوض معركتها مجدداً بكاثوليكي وأرثوذكسي، بعدما سمت معراب كل من النائب جورج عقيص والمحامي الياس إسطفان. وتسمية القوات مرشحين لا يعني أنها تضمن حاصلين، بل يشكل كل منهما احتياطياً للآخر، قياساً إلى شكل المعركة التي يحددها الخصوم، مع ما يحمله ذلك من خطورة التنافس الداخلي على تقاسم الأصوات التفضيلية من "الصحن الواحد".
ويعمل النائب ميشال ضاهر على أن يكون الكاثوليكي الثاني الفائز في الانتخابات، من خلال تشكيله لائحته بنفسه. وقد باتت نواتها جاهزة ومعلنه، وتضم إلى جانبه كل من النائب السابق يوسف المعلوف، والدكتور بول شربل عن المقعد الماروني، وفراس أبو حمدان عن المقعد الشيعي. وهذه أسماء يؤكد ضاهر لـ"المدن" أنها باتت محسومة، مع نقاشات تجري للمفاضلة بين شخصيتين كاثوليكيتين "زحليتين"، سعياً لانتزاع "الغطاء" الزحلي للائحته.
والحالة التي يحاول ضاهر أن يضع نفسه في إطارها، لا تعني أن تواصله مع الأحزاب مقطوع نهائياً، بل تؤكد مصادره أنه تواصل مباشرة مع النائب سامي الجميل، الذي تقول أوساط إنه أكد لضاهر أن لا مرشح حزبياً للكتائب في زحلة، وأنها تدعم الدكتور بول شربل المرشح الماروني على لائحته.
الكاثوليك وحزب الله
وإذا كانت زحلة عاصمة الكثلكة، فإن معضلة أخرى أساسية تقلق مهندسي لوائحها: صعوبة تأمين عدد كاف من المرشحين الكاثوليك الذين درج العرف على ترأسهم لوائح زحلة. وتتمظهر هذه المعضلة في اللائحة التي يسعى حزب الله إلى دعمها، وتحتاج حتماً إلى غطاء مسيحي في دائرة تخصص خمسة من مقاعدها السبعة للطوائف المسيحية.
والمتوقع حتى الآن أن يتحالف حزب الله مع التيار العوني، الذي لا يملك ترف تقديم أكثر من مرشح تفضيلي. وهذا ما يدفع إلى السؤال عن الشخصية الكاثوليكية التي يمكن أن توفر الغطاء لهذه اللائحة، وسط غياب آل فتوش عن المشهد الانتخابي حتى الآن. فتحالف حزب الله مع فتوش، وإن كان ممكنا سياسياً، فقد تشوبه تداعيات التجربة الانتخابية السابقة السيئة مع حزب الله، الذي تخلف عن وعده، فلم يمنح النائب السابق نقولا فتوش أصواته التفضيلية التي كان يمكن أن تحافظ على مقعده.
وهكذا يتخبط في هذه التعقيدات معظم الطامحين للمقاعد النيابية في زحلة ودائرتها، خصوصاً أن القانون الانتخابي يمنع الترشيحات المنفردة. لذا تدفع زحلة تداعيات هذا القانون حرماناً لتمثيلها في المجلس النيابي بكتلة نيابية موحدة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :