يحمل التقصي الذي تجريه دول أوروبية بشأن ممتلكات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أملا لدى طيف واسع من اللبنانيين بأنه ربما يكون مدخلا جديا لكي يقف العالم على حقيقة النخبة السياسية والمتحالفين معها ممن أثروا من الأزمات التي يعيشها لبنان.
وقالت أوساط سياسية لبنانية إن دخول ألمانيا على خط ثروة سلامة وطلب معلومات تتعلق بأوضاعه المالية هو رسالة واضحة من الدول المعنية بالملف اللبناني بأنها لن تسكت مستقبلا عمّا يجري من فساد وأنها ستتولى متابعة كل ثروات كبار السياسيين حتى تعرف مع من ستتعامل ومن يمكن أن يؤتمن على أموال المانحين والقروض التي قد تسلمها المؤسسات المالية الدولية ومنع تبديدها لصالح شبكات الفساد التي ترعاها أحزاب معروفة وتغطّي عليها.
وأشارت الأوساط السياسية إلى أن التهم التي تحاصر سلامة، والتي لم يتحرك القضاء اللبناني للبتّ فيها، تظهر أن لبنان في حاجة، قبل الحديث عن انتخابات أو إصلاحات من أي نوع، إلى أن يفكك شبكات الفساد التي يتقاطع فيها السياسي مع الاقتصادي مع الطائفي، وأن اللبنانيين يعرفون تفاصيل كثيرة عنها وملفاتها موجودة وكاملة لكن لا أحد يقترب منها.
وشددت هذه الأوساط على أن الحل يكمن في القضاء الدولي لأجل فتح ملفات كبار السياسيين والأحزاب المعروفة ومن بينها حزب الله، لكنها تحذر من أن دولا معنية بلبنان ومن بينها الولايات المتحدة وفرنسا تتعامل بلين مع طبقة سياسية ترفض التغيير وتعطل الإصلاحات.
وقالت مصادر الثلاثاء إن لبنان تلقى رسالة من ألمانيا تطلب معلومات تتعلق بالأوضاع المالية لحاكم مصرف لبنان.
وألمانيا رابع دولة أوروبية تسعى لطلب مثل هذه المعلومات من بيروت.
وكان لبنان تلقى الأسبوع الماضي رسائل من السلطات الفرنسية وسلطات لوكسمبورغ تطلب معلومات تتعلق بالحسابات والأصول المصرفية لحاكم مصرف لبنان الذي يشغل المنصب منذ نحو ثلاثة عقود.
وقال مكتب المدعي العام السويسري العام الماضي إنه طلب مساعدة قانونية من لبنان في سياق تحقيق في “عمليات غسل أموال مستفحلة”. ومن بين الحالات التي تدرسها السلطات السويسرية عمولات دفعت لشقيق سلامة على مدى عشر سنوات تشمل أكثر من 300 مليون دولار.
وفتحت السلطات القضائية اللبنانية أيضا تحقيقا في الأمر. لكن سلامة ما يزال يتمتع بدعم سياسي ملموس في لبنان.
وقال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في ديسمبر إنه يجب أن يبقى سلامة في منصبه حاليا، مضيفا أن “القائد لا يغير ضباطه أثناء الحرب”، في إشارة إلى الأزمة المالية في لبنان.
ويمكن القول إن سلامة يعرف أسرار النخب التجارية والسياسية. وكما هو الحال مع التحقيق في انفجار بيروت، الذي توقف الآن تماما بسبب تلقي رئيس المحكمة تهديدا من حزب الله، لا يتوقع معظم اللبنانيين الكثير من تحقيق القاضية غادة عون التي أوكل لها ملف سلامة.
ويعتقد محللون ومراقبون لبنانيون أن فتح ملف سلامة في القضاء الدولي يضع الطبقة السياسية تحت المجهر، وقد يدفعها إلى التراجع، ومنح لبنان فسحة أمل في التغيير، خاصة وقد بدا العالم خلال السنوات الماضية مقتنعا بأنها لا تقبل أيّ إصلاح بالرغم من الضغوط التي مورست عليها، ولم يفد معها التلويح بالعقوبات ولا الإغراءات.
ويراهن اللبنانيون على الانتخابات القادمة التي قد توفر فرصة نادرة لإضعاف هذه الطبقة السياسية، وقد ظهر الارتباك على التحالف الثلاثي بين حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، وهي الأحزاب التي تسيطر على البرلمان وتتحكم في الحكومة، خاصة التيار الوطني الحر الذي يتوقع أن تكون نتائجه مخيبة في حاضنة مسيحية بات المزاج العام فيها أقرب إلى المعارضة.
وأظهرت احتجاجات نوفمبر 2019 أن الطبقة السياسية لا تمتلك أيّ عمق شعبي وأنها تسيطر على المشهد السياسي بالتحالفات الطائفية والمال الفاسد والدعم الخارجي. وقد نجحت تلك الاحتجاجات في إسقاط حكومة سعد الحريري.
وقالت المرشحة المستقلة بولا يعقوبيان لصحيفة “لوريان توداي”، “يجب أن ندخل البرلمان كحركة إرباك للنظام القائم، بهدف تغيير طريقة سير الأمور في السياسة اللبنانية ومنع سياسيي المؤسسة من الاختباء وراء شعاراتهم الطائفية المعتادة بدلا من تقديم سياسات فعلية للشعب”.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في مايو القادم تبذل جهود داخل أحزاب المعارضة ومن قِبَل المرشحين المستقلين لتقديم جبهة موحدة من أجل إضعاف حكم الأحزاب. ويبقى ممكنا، إذا زادت الضغوط الخارجية، وخاصة من صندوق النقد الدولي لفرض الإصلاحات وإظهار السياسيين في موقع المعارض الذي يفكر في مصالحه ويعيق مهمة لبنان في الخروج من الأزمة الخانقة.
وينظر إلى دعم صندوق النقد الدولي على أنه المفتاح لإخراج لبنان من مستنقعه الاقتصادي. فمن شأن دعم الصندوق أن يجلب مانحين آخرين بما في ذلك البنك الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي. غير أن أحد الشروط هو إجراء مراجعة عميقة للمصرف المركزي.
ووجهت منظمة “كلنا إرادة” غير الحكومية، وهي مجموعة إصلاح سياسي لبنانية، رسالة مفتوحة في يناير إلى رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، جاء فيها “يعاني اللبنانيون من كارثة اجتماعية واقتصادية ذات حجم وخطورة عالميين لم يسبق لها مثيل تقريبا. إننا نحمّل المسؤولية للطبقة الحاكمة المُشكّلة من ائتلاف من القادة الطائفيين تدعمه ميليشيا مع قيادة متواطئة في القطاع المالي. وتكمن مسؤولية صندوق النقد الدولي في عدم التغاضي عن هذه الجريمة”.
وتحث الرسالة صندوق النقد الدولي على تأمين التزامات، من بين أمور أخرى، بإصلاح القطاع المصرفي، وهيكل ملائم للحكم، وإعادة هيكلة الديون، وحماية صغار المودعين والمعاشات التقاعدية، وقيادة جديدة في مصرف لبنان.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :