عقدت «الإدارة الذاتية»، أمس، مؤتمراً لفاعليات مناطق سيطرتها، تحت عنوان «كونفرانس وحدة الموقف لمكوّنات شمال شرق سوريا»، في خطوة تسبق جولة تفاوضية جديدة مع ممثّلي الحكومة السورية الانتقالية في باريس. ويهدف المؤتمر إلى توحيد صفوف تلك المكوّنات، بهدف الضغط على دمشق لدفعها إلى تقديم تنازلات، والقبول بالطروحات التي سيقدّمها وفد «الذاتية» في لقاء باريس، باعتبارها ممثّلة لمجموعات المنطقة كافة، لا للأكراد فحسب.
وجاءت الكلمات التي أُلقيت خلال «الكونفرانس»، سواء من ممثّلي المكوّنات أو من المنظّمين، لتشدّد في مجملها على أهمية نبذ العنف والكراهية، وتدعو إلى وحدة البلاد أرضاً وشعباً، مع اعتماد نظام اللامركزية الإدارية نموذجاً «يضمن تمثيلاً عادلاً». وأشارت رئيسة دائرة العلاقات الخارجية في «الإدارة الذاتية»، إلهام أحمد، في كلمتها، إلى أن «التعددية السياسية تشكّل مطلباً أساسياً لبناء سوريا حديثة وشاملة»، معتبرة أن «استمرار الذهنية الأحادية يساهم في تعميق الأزمات وتعطيل الحلول السياسية»، ومطالبةً بـ«تمثيل مكوّنات شمال سوريا وشرقها في أي مسار دستوري أو تفاوضي».
أمّا الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز، حكمت الهجري، فرأى، في كلمة مصوّرة له عُرضت خلال المؤتمر، أن الأخير «ليس تأسيساً لمسار جديد، بل تأكيد على وحدة المكوّنات السورية، ودورها في الحفاظ على وحدة أراضي» البلاد. ولفت إلى أن «الوقوف إلى جانب باقي مكوّنات الشعب السوري، هو للتأكيد أن التنوع ليس تهديداً، بل يعزّز وحدتنا من أجل شراكة تبني المستقبل». ولفت رئيس «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا»، غزال غزال، بدوره، إلى «(أنّنا) لا نطلب دولة دينية إنما دولة علمانية مدنية تعددية لامركزية»، معتبراً أن النظام اللامركزي «يضمن حقوق جميع المكوّنات في الدستور السوري»، واصفاً إيّاه بـ«الحل الأمثل».
ترى «قسد» أن التوجّه التشاركي من شأنه دفع الدول الضامنة إلى ممارسة ضغوط على دمشق
وفي الختام، صدر بيان عن المؤتمرين اعتبروا فيه أن «ما يجري في هذه المرحلة التاريخية المفصلية من سلوكيات وممارسات يوميّة بحق أبناء الشعب السوري - ولا سيما ما جرى بحق أبنائنا في الساحل والسويداء، والمسيحيين -، يرتقي إلى مصاف جرائم ضد الإنسانية». وأشار البيان إلى أنّ «الإعلان الدستوري الراهن لا يلبّي تطلّعات الشعب السوري في الحرية والكرامة الإنسانية، ما يستدعي إعادة النظر فيه، بما يضمن تشاركية أوسع وتمثيلاً عادلاً في المرحلة الانتقالية».
وأضاف أن «تحقيق المصالحة الوطنية يتطلّب إطلاق مسار فعلي للعدالة الانتقالية يقوم على كشف الحقيقة والمساءلة، وجبر الضرر دون تمييز، وضمان عدم التكرار»، مشدّداً على «أهمية إعادة النظر في التقسيمات الإدارية الحالية بما ينسجم مع الواقع الديموغرافي والتنموي لسوريا، ويعكس الخصوصيات الجغرافية والتاريخية والثقافية للمجتمعات المحلية». كما دعا إلى «عقد مؤتمر وطني سوري جامع وشامل، تشارك فيه مختلف القوى الوطنية والديمقراطية، بما يساهم في رسم الهوية الوطنية الحقيقية الجامعة لكل السوريات والسوريين».
وتكشف مشاركة كل من الهجري وغزال في المؤتمر، عن وجود توجّه كردي لتشكيل تحالف مع الدروز والعلويين، بهدف تصعيد الضغط على دمشق، ودفعها إلى التخلّي عن سياسات اللون الواحد. والظاهر أن «الإدارة الذاتية» عقدت هذا الاجتماع على عجل بتنسيق مع باريس؛ إذ لم يكُن مُدرجاً مسبقاً على جدول أعمال الأولى، كما أنه انعقد في قاعة لا تتسع لأكثر من 500 شخص، وسط معلومات عن أن عدم دعوة شيوخ العشائر وزعاماتها، مردّه إلى التحضير لاجتماع واسع لهم قريباً.
أيضاً، يعكس هذا المؤتمر توجّهاً تشاركياً من قِبل «قسد»، ترى الأخيرة أن من شأنه دفع الدول الضامنة، وخاصة فرنسا، إلى ممارسة مزيد من الضغوط على دمشق لضمان حقوق الأقليات الدينية والقومية والعرقية في التمثيل في مختلف مؤسسات البلاد، مع صون حقّها في ممارسة طقوسها وشعائرها بحريّة ومن دون أي تضييق. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تمهّد لانعقاد «مؤتمر وطني سوري» يُدعى إليه من خلال اجتماع باريس، ويُعقد في دمشق لمناقشة حصيلة الأشهر الثمانية الماضية من المرحلة الانتقالية، ووضع دستور أو عقد اجتماعي يقوم على مبدأ المواطنة، بعيداً عن التقسيمات الطائفية، مع تشكيل حكومة شاملة تضمن مشاركة جميع السوريين في صياغة المرحلة الانتقالية.
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر مطّلع، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «هناك تنسيقاً بين «قسد» والسويداء والساحل السوري بهدف تشكيل مثلث للضغط على الحكومة الانتقالية لإنهاء مرحلة اللون الواحد والسياسة الإقصائية»، مشيراً إلى أن «التحضيرات مستمرة لعقد اجتماع باريس، فيما تسعى «قسد» إلى تبنّي مطالب بقية المكوّنات، والتأكيد على أهمية المشاركة الجماعية في بناء سوريا الجديدة».
ويضيف أن «المجازر والانتهاكات التي وقعت مُدانة، ويجب ألّا تتكرر في مناطق سيطرة «قسد»، لأن عواقبها ستكون كارثية على الجميع»، داعياً الحكومة الانتقالية إلى «محاسبة مرتكبي الانتهاكات، وإعادة النظر في تشكيل الجيش وقوى الأمن بصورة تضمن الحفاظ على رمزية هذين الجهازين وخصوصيتهما لدى جميع السوريين».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :