منذ أن أعلن رئيس «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري عزوفه وتياره عن المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، بدأت التكهنات والتحليلات حول مستقبل التيار السياسي ومصير جمهوره والمحازبين. هواجس مشروعة بعض الشيء أملتها الطبيعة الملتبسة للقرار والأسباب التي حملت أوجهاً عديدة لكنها انعكست تحدّياً داخل كوادر «المستقبل». يؤكد قيادي من «المستقبل» لـ»نداء الوطن» أن «التيار ما زال على وفائه مع قيادته ومنسقياته، وقد أثبتت الاجتماعات الكثيفة التي عقدت قبل وبعد قرار الرئيس الحريري أن التنظيم وفيّ لقرار قيادته وملتزم قراراتها». ويضيف: «لسنا في وارد البيع أو المقايضة، لأن قرار الحريري ناتج عن قناعة مطلقة بأن هذه المنظومة برمّتها، وبوجهيها سلطة ومعارضة، لا ترغب في تجديد النظام ولا في تنفيذ اتفاق الطائف لجهة إلغاء الطائفية السياسية وإقرار قانون وطني للإنتخابات، بالتزامن مع إنشاء مجلس للشيوخ طائفي بصلاحيات محدّدة تغطي هواجس الطوائف المصيرية». قرار العزوف- بحسب القيادي- «هو قرار سياسيّ والهدف منه صناعة رأي عام قادر على التغيير أو على فرض التغيير ديموقراطياً». ولكن ما هي فرص بعض اللاعبين على خط اصطياد جمهور «المستقبل» ومحازبيه؟ تجيب أوساط متابعة وحيادية أن خمسة أطراف ستحاول المسّ بجمهور «المستقبل»:
الأول: بهاء الحريري الذي لم يتأخر في محاولة استقطاب قياديين من التيار وهو حاول فعلاً التواصل مع بعضهم، لكنه فوجئ بردّ موحّد بأن ولاءنا للتيار وللرئيس الحريري ونهج الاعتدال الذي أرساه الرئيس الشهيد رفيق الحريري. «الحريري الأخ» لم ييأس وما زال على محاولاته وقد يتمكّن من استمالة البعض القليل.
الثاني: حزب «القوات اللبنانية» الذي يعتقد أنه تمكّن ومنذ زمن من التشبيك مع بعض قيادات التيار لا سيما في مدينة طرابلس، وهو مقتنع بأن جماهير «المستقبل» ستبايع «القوات» نظراً لعلاقتها المتينة مع القيادة السعودية.
الثالث: «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي يعمل جاهداً لفتح حوار ايجابي مع قيادة التيار في إقليم الخروب.
الرابع: بعض الجهات البيروتية المتنوّعة والتي تعتبر أن أنصار الحريري كغيرهم من اللبنانيين يحتاجون إلى مظلة قويّة تحميهم، وهنا تبرز فصائل سياسية بيروتية إسلامية كالجماعة الإسلامية وجمعية المشاريع، ومدنية كالنائب فؤاد المخزومي، من دون أن نستبعد قوى ناصرية كاتحاد قوى الشعب العامل والمرابطين.
أما الخامس فقد يجد ضالته بما سيصدر عن الرئيس فؤاد السنيورة من موقف بعد أن ينتهي الأخير من اتصالاته المحلية والإقليمية، وإن كان يؤكد أنه كان وما زال إلى جانب الرئيس الحريري وقراراته وإن اختلف معه بالرأي في بعض المقاربات. بعدما زار السنيورة رئيس «تيار المستقبل» في الإمارات مرتين متتاليتين استنتج أنّه في وارد العزوف عن الترشح للانتخابات النيابية، حاول ثنيه ورؤساء الحكومات الذين اجتمعوا معه ثلاث مرات متتالية بعد عودته وفشلوا. كانت الصدمة بطريقة إعلان الحريري تعليق مشاركته وتياره عن الترشح للانتخابات النيابية للعام 2022. قرار مربك تداعى بعده رؤساء الحكومات للتباحث فكان التوافق على عدم مقاطعة الطائفة السنية الانتخابات كخطوة أولى، من دون أن تتبلور بعد معالم الخطوة الثانية أي كيفية المشاركة في الانتخابات وبالتعاون مع من؟ تقول المعلومات إن الأمر محور تشاور واجتماعات مفتوحة في الكواليس بين رؤساء الحكومات السابقين ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وشخصيات سنية ورؤساء جمعيات في محاولة لرسم تصوّر للخيارات المتاحة. مصادر رؤساء الحكومات قالت إن البند الاول كان في قرار عدم مقاطعة السنة أما الخطوة الثانية فمعالمها لم تتوضح بعد، أما مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والذي كانت زيارته منسقة مسبقاً للسراي الحكومي بمعزل عن قرار الحريري، فيؤثر تجنّب الدخول في زواريب القرارات الانتخابية وهو رفض استقبال ممثل رجل الأعمال بهاء الحريري.
وإذا كان عضو نادي رؤساء الحكومات تمام سلام أعلن عزوفه عن الترشح فإن العيون شاخصة باتجاه قرار السنيورة ورئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي. فَتَحْتَ أيّ عنوان ستكون مشاركة السنيورة وفي أيّ سياق؟ وبدعمٍ من أيّ جهة؟ وماذا سيكون موقف الحريري حينذاك؟
السنيورة لم يحسم قراره بعد وهو وإن كان على علاقة متينة مع «تيار المستقبل» ورئيسه لكنه ليس عضواً منخرطاً فيه، ولذا فإن قرار الحريري لا ينطبق عليه ولذا يعمل رئيس الحكومة السابق بمعزل عنه، لكن ليس لدرجة التنسيق مع بهاء الحريري وفق ما أشاع بعض الأوساط. مصادر السنيورة وردّاً على سؤال عمّا إذا كان هناك تنسيق بينه وبين بهاء الحريري نفت نفياً قاطعاً وجود أيّ تنسيق بينهما، وقالت إن بهاء الحريري رجل أعمال وابن الشهيد رفيق الحريري ولا علاقة ولا تنسيق بتاتاً مع حركته السياسية.
أما وضع ميقاتي فسيكون مختلفاً حكماً بالنظر إلى موقعه كرئيس حكومة مهمتها إجراء الاستحقاق الانتخابي في مواعيده وحثّ الجميع على المشاركة، ولذا من غير المنطقي أن يخرج ميقاتي داعماً لقرار المقاطعة السنية. وإذا كان لم يحسم قرار ترشيحه للنيابة من عدمه فقد سبق لرئيس الحكومة وأن عزف عن الترشح يوم كان رئيساً للحكومة عام 2005، وليس من المستبعد تكرار السيناريو ذاته في انتخابات العام 2022 وهو الذي لطالما تساءل أمام محيطه حول جدوى الترشح والمشاركة في الانتخابات على الصعيد الشخصي. وتؤكد مصادره أن رئيس الحكومة سيتّخذ قراره بمعزل عن أيّ عامل آخر بما فيه عزوف الحريري وتعليق مشاركته في الحياة السياسية. وتشير إلى أن ميقاتي أصرّ يوم زاره مفتي الجمهورية التأكيد من السراي الحكومي على عدم وجود قرار سنّي بالمقاطعة تلافياً لتكرار تجربة المسيحيين عام 1992. ومن موقعه كرئيس حكومة يؤكد أن الانتخابات في موعدها وأن مهمة حكومته إجراء هذه الانتخابات. واستنتاجاً لما تؤكد عليه المصادر فقد لا يغدو منطقياً إعلان ميقاتي مقاطعته الانتخابات النيابية، وإذا كان المرجح ألا يترشح للنيابة فإن هذا لا يلغي مشاركته من خلال دعم مرشحين آخرين. لكنّ المصادر عينها تعود وتؤكد أن القرار سابق لأوانه وحين يعلن موقفه فسيكون ذلك قراراً شخصياً بمعزل عن أي سياق آخر، أي انه لن يكون قراراً في سياق مقاطعة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :