إذ كان سعد الحريري بصفته رئيساً لتيّار "المستقبل" وواحداً من القابضين على مثلّث الحياة السياسية، أراد بخروجه أن يمنحنا "شعلة أمل"، فنقول له شكراً، لقد أدخلتنا في نفق مظلم!
ما تقدّم مبنيٌ على انصراف القوى المحلية لدراسة تبعات المرحلة، وذات الشيء انسحب على الخارج سيّما ذلك الذي نصّب نفسه وصياً على الحالة اللبنانية، ولغايته، أتت الخلاصات المبدئية لتمثّل عوامل قلق إضافية ولم تصل إلى صورة واضحة أو أجوبة شافية إن جاز التعبير ، حيال قضايا أساسية تكوّنت على ضفاف "الإعتزال"، ليس آخرها إستحقاق أيار المقبل.
في الواقع، الوهن الذي يدبّ في الحياة السياسية وكذا جمهور تيّار "المستقبل"، لا بدّ أن يُسأل عنه –أو في جزء منه- سعد الحريري، الذي أتمّ "تكويعته" على أبواب الإستحقاقات المصيرية، المتّهم بتوريث جماعته الهزائم المتتالية، فهل يُعقل أن تمرّ عليها حادثة غياب زعيمها من دون ترجمة ردة فعل حقيقية وقد انحصرت "قيامتها" بمشاركة رمزية قياساً على الخطوة الكبيرة سرعان ما انفضّ الجمع وكأن شيئاً لم يكن؟
"الإحباط السُني" يتمثّل هنا، يُعدّ سعد الحريري أحد أسبابه، يتموضع في هذا الجانب، جانب العجز والخواء الذي لم يدفع البيئة للذود عن كبيرها في أصعب لحظاته.
"الخواء" ذاته ينعكس على وضعية رفاقه في الطبقة، هؤلاء الباحثين عن أرضيات للإستثمار، حولوا "اعتزال" رفيقهم إلى موضع للندابة من دون إجراءات عملية لسدّ الفراغ الحاصل، وكأن نساء السُنّة لم يعد ينجبن الزعامات، أو أن طائفةً كاملة باتت في فم الذئب.
لا ريب في أن تسويق البكّائين على أطلال المنظومة لخطابهم، يرمي إلى ذر ّالرماد في العيون لإخفاء حقيقة موقفهم، حيث تُظهر عناصر القضية أن فيها فوائد عظيمة في لحظة التوقف المصيري. ليس صحيحاً أن الفراغ سيعمّ الديار السنّية سياسياً أو أنها ستخرج من الدورة السياسية مع الإعتراف طبعاً بالنتائج المترتّبة عن ضمور حالة "المستقبل"، متى كانت هذه الطائفة تُتنج سياسياً، كما أنه ليس صحيحاً أن الداخل تخلّى عن سعد الحريري. الرجل وبمثل ما زعم، عزّز أكثر، فكرة أنه عدو نفسه بدليل خروجه بهذه الطريقة، والجماعة التي حملته سياسياً حتى بلغ إدّعاء "ابوتها"، ومنحته ما منحته، لا يجوز أن يتركها ويسير، ولعلّ هذه علّة المنظومة التي تركها بدورها تبحث عن البديل، تضرب من غير هدى ولو أن الخيارات كثيرة ولو أنهم ليسوا على سجيتها.
بمعزلٍ عن هذه المعضلة، وعلى الرغم من الصراخ والعويل، ثمة فائدة نشأت عن قرار رئيس "المستقبل" بالنسبة إلى المنظومة، بالحدّ الادنى وفّر لهم ذريعة الإنقضاض على الإستحقاق النيابي كانت تمثّل أرقامه "قلقاً" بالنسبة إليهم، وبداعي الميثاقية وعزوف الأكثر تمثيلاً أي الأسباب نفسها التي تجرّدوا منها عام 1992 وساروا باستحقاقٍ "معطوب مسيحياً"، يريدونها اليوم "حصان طروادة" لتنقلهم إلى ضفة الإطاحة بالإنتخابات، ليس من رغبةٍ في تكريس "عرف" تمثيل الطوائف وإنما إنقاذاً لأنفسهم من فوزٍ بطعم الهزيمة إن أتت الأرقام معدومة.
بناءً عليه، أدركَ الجانب الفرنسي طبيعة ما يرُكّب في الداخل، وهو العليم بمدى دهاء أركان الطبقة، وتحت حجّة التعليق على عزوف الحريري، أبلغ رسائله السياسية إلى من يجب أن يسمع: قرار الحريري ترك الحياة السياسية في لبنان، يجب ألّا يؤثر في تنظيم الإنتخابات التشريعية في موعدها منتصف أيار المقبل.
لا ريب في أن مجموعة جهات، باتت في صورة احتمال الإطاحة بالإستحقاق الإنتخابي لقاء تأجيلٍ مشروط بتمديد محدود، يجري التسويق له بإتقان شديد عبر زرع هذه الفكرة في رأس العوام، وهو أسلوب يحفّز على الإعتقاد بصوابية الموقف ويتيح إنكفاء المقترعين على شاكلة ما يحدث لدى السنّة.
وخلال الفترة السابقة، لم يكن سراً أن الفرنسيين قد اطلعوا على نماذج ومحاولات لإمرار تمديدٍ تقني مربوط بإنجاز تقريب زمني لموعد الإنتخابات الرئاسية، على أن يبقى رئيس الجمهورية على رأس حكمه. الصيغة – الصفقة والتي لم تتمّ لأسبابٍ متعددة تتقاطع بين ما هو داخلي وخارجي، يعود طرحها اليوم من زاوية زيادة تحفيز المواطنين على المشاركة بالإنتخابات، الخدعة التي يراد استمالة الغرب نحوها.
لكن وفي وضعية سياسية كالتي نعيش في ظلّها، في وضعية إنكفاء تيار "المستقبل" عن المشاركة في الإنتخابات وتعليق عمله السياسي، وبمعزل عن توفّر "انتحاري التمديد" من عدمه، كيف سيُصار إلى إقناع "المستقبل"، الخارج من عقل الإنتخابات، أن يمضي ويوقّع ويسير، ثم يبقى ممثلاً في المجلس زهاء العام، وهو أي التيّار، يحسب أيامه حتى يُغادر الحياة السياسية على صورتها النيابية وغير النيابية.
يقول قائلٌ ولا بدّ أن يسمح أحدهم: في حال اختار الأركان التمديد، فإن الإستقالات ستكون في انتظارهم، وليس صعباً إحصاء الجهات "المستقيلة" سلفاً. "القوات اللبنانية" و"المستقبل" تحصيلٌ حاصل، أضف إليهم الحزب التقدمي الإشتراكي وربما تكتل "لبنان القوي". من بقي أو من سيبقى في المجلس الذي يزعمون اليوم تطيير الإنتخابات لأجل استتباب أمر الميثاق؟
من الواضح أن ثمة لاعباً وأكثر في مصير البلاد، مصير المؤسسات، التي ستكون عند السير في خيارٍ من هذا النوع، بمثابة حجر الدومينو الذي سيتولّى ضرب البقية. من يتحمّل فراغاً على نحوٍ كامل، في مجلس النواب ولاحقاً في سدّة رئاسة الجمهورية يضاف إليه فراغٌ مقبلٌ في المجالس البلدية؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :