اياً كان القرار الذي سيتخذه الرئيس سعد الحريري بمقاطعته الإنتخابات النيابية المقبلة ترشيحاً واقتراعاً، أو العكس. وسواء انتظم من خلفه رؤساء الحكومات السابقون فرادة او جماعة، فإنّه ستكون للقرار تداعيات تتجاوز مجريات العملية الانتخابية في حدّ ذاتها، لتلقي بظلالها على الحياة السياسية والنيابية. وهو ما يدفع تلقائياً الى مجموعة من السيناريوهات التي تحاكي مرحلة جديدة، لا يُعرف من اليوم من يديرها. وعليه كيف يمكن استشراف هذه المرحلة؟
مما لا شك فيه، انّه سيُبنى على قرار الحريري بمقاطعته الانتخابات النيابية المقبلة من عدمها اكثر من قراءة يمكن التوقف عندها. فهي لن تقف عند محطة الانتخابات النيابية والاستحقاقات الدستورية التي تليها، ولا سيما منها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إن اكتملت الظروف التي ستقود اليها وفق الآليات الدستورية الطبيعية التي لا تخضع لأي نقاش على مختلف المستويات، ولا سيما منها تلك التي تفرضها تركيبة المجلس النيابي الجديد وشكل الكتل التي تولدها الانتخابات قياساً على ما هو مطلوب من أكثرية تفرض رأيها في ما تليها من محطات.
وعلى وقع النقاش الذي شهدته الساعات القليلة الماضية التي تلت عودة الحريري الى بيروت، وأنهت مجموعة من الروايات التي توقعتها اكثر من مرة، فإنّ الحديث عن اعتكاف الحريري لم يشكّل اي مفاجأة في كثير من الأوساط السياسية والحزبية والطائفية. فقد تعدّدت التقارير الإعلامية التي نقلت كثيراً عن يوميات الحريري في ابو ظبي، بطريقة توحي وكأنّها معلومات «استخبارية»، تتقصّى مواقفه ومضمون اتصالاته الهاتفية وتحركاته، ليس في دولة الإمارات فحسب، وإنما حيث حلّ ضيفاً على معظم العواصم العربية والغربية، وخصوصاً انّها تناولت وضعه المالي بعد النكسات المتتالية التي أصابت شركاته ومؤسساته التي خضعت لعملية تصفية جزئية او نهائية.
ولا يتجاهل المتابعون لتلك المرحلة، انّ هذه الروايات تناولت في شكل من الأشكال، المستوى الذي بلغته العلاقة السلبية القائمة بينه وبين المملكة العربية السعودية، استناداً الى تاريخ هذه العلاقة التي تبدّلت بنحو دراماتيكي منذ ان تسلّم الملك سلمان بن عبد العزيز مهماته وتسمية نجله محمد ولياً للعهد، مروراً بالمرحلة التي شهدت إعلانه «الاستقالة الإجبارية» من الرياض في خريف العام 2017، وما رافق خروجه لآخر مرة من أراضي المملكة التي لم يعد يطأ ارضها منذ تلك اللحظة. وإن دخل المتابعون في مزيد من التفاصيل، فقد قيل انّه يعيش في الإمارات العربية المتحدة في ظروف غير طبيعية، عندما أمعن البعض في الحديث عن القيود السياسية والحزبية التي يخضع لها، بما يوحي وكأنّه في «الإقامة الجبرية».
على هذه الخلفيات، وبدلاً من ان تُواجه هذه الحملة بما ينفي هذه الوقائع والسيناريوهات «الهوليوودية» التي تناولت حياة ومستقبل شخص بحجم الحريري، فقد أدّى الصمت المطبق طوال تلك الفترة، الى زرع أنواع مختلفة من الشكوك في إمكان ان يكون بعضاً منها واقعياً يلامس الحقائق. ولذلك، تزاحمت الاسئلة التي رافقت عودته الى بيروت دفعة واحدة، في مرحلة من المتوقع ان تضع الساعات المقبلة حداً نهائياً لها إن قرّر كشف بعض ما يكتنفه الغموض، بالإضافة الى ما ينوي القيام به في المرحلة المقبلة.
ومن دون التعمق كثيراً في ما يمكن ان تكون قد حملته الساعات الماضية وما يمكن ان يكشفه المقبل منها، فإنّ البحث في مقاطعة الحريري للانتخابات النيابية والمدى الذي يمكن ان تتخذه، تستهوي بعض المصادر لتتحدث عن بعض التوقعات المثيرة للجدل في اكثر من اتجاه، قد ينقسم البعض في قراءتها سلباً او ايجاباً. وعليه، لا بدّ من التوقف عند مجموعة من الاسئلة التي تحاكي مواقف حلفائه السابقين والخصوم على حدّ سواء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ماذا سيكون عليه موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حركة «أمل»، الذي كان اول من حذّر بسطور قليلة ونادرة من التداعيات التي يمكن ان تقود اليها مقاطعة الحريري للانتخابات، ليس على الحياة النيابية والمجلس النيابي فحسب إنما على مستوى الحياة الوطنية؟
ـ ماذا سيكون عليه موقف «حزب الله»؟ وهل ستثبت هذه المحطة انّه بقي إلى جانبه في المرحلة التي رافقت محاولته تشكيل الحكومة، ليس من اجل تأليفها إنما للحفاظ على الستاتيكو الذي كان قائماً بين حلفائه وحلفاء الحلفاء بما يضمن مصالحه الآنية والمستقبلية، في مرحلة تعيش فيها المنطقة مخاضاً عسيراً لا يستطيع أحد التكهن بما يمكن ان تنتهي اليه، قبل ان تنقشع الغيوم التي تغطي سماء فيينا، وتلك المفاوضات الجارية بين طهران والرياض وما يرافقهما من حديث عن مناطق التوتر في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، كما في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي وساحات المواجهة أينما وجدت؟
ـ ماذا سيكون عليه موقف رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» في حال قاطع الحريري الانتخابات وغاب طيفه عنها؟ ألا يعقل ان تزرع المخاوف في صفوفه إن توزعت قاعدته الشعبية على مختلف الاطراف المعادية الأخرى التي تعانده وتواجهه في عدد من الدوائر الانتخابية، لترفع من نسبة الضغوط عليه؟
ـ ما سيكون عليه موقف «الحزب التقدمي الاشتراكي»، الذي كان قد اقترب من التحالف معه في بعض الدوائر كما في بيروت والشوف على الاقل، وربما في مناطق أخرى، طالما انّ القطيعة بينهما لم تعد خافية على أحد؟
ـ ماذا سيكون عليه موقف «القوات اللبنانية»، وهل يمكن ان ترحّب بقرار عزوف الحريري طالما انّها تسعى الى كسب ودّ الساحة السنّية لتقطف منها دفعاً جديداً لمرشحيها في بعض الدوائر الانتخابية؟ ألم تكن هذه القضية موضوع جدل بين قيادتها و«التيار الأزرق» في الفترة القلية الماضية، وقد بلغت حداً لم يكن محسوباً؟
وبمعزل عن هذه الأسئلة ومجموعة أخرى منها، لا يمكن النظر الى قرار مقاطعة الحريري للانتخابات بمقاييس تنطبق على مجموعات سياسية وحزبية أخرى. وفي انتظار ان تعطي الساعات او الايام المقبلة اجوبة شافية عن البعض منها. وكذلك في انتظار ذلك، ألا يُعقل ان نفسح في المجال امام من يدعو الى انتظار محطة إجبارية قد تشهد تغييراً مفاجئاً في موقف الحريري؟ اما انّ ما كُتب قد كُتب، فالذكرى الثامنة عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط على الأبواب؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :